باب قتل الوالد بولده اختلف الفقهاء في ، فقال عامتهم : " لا يقتل ، وعليه الدية في ماله " قال بذلك أصحابنا قتل الوالد بولده والأوزاعي ، وسووا بين الأب والجد . والشافعي
وقال : " الحسن بن صالح بن حي ، وكان يجيز يقاد الجد بابن الابن " ، ولا يجيز شهادة الجد لابن ابنه . وقال شهادة الأب لابنه : " إذا قتل ابنه عمدا قتل به " ، وقال عثمان البتي : " يقتل به " وقد حكي عنه أنه إذا ذبحه قتل به ، وإن حذفه بالسيف لم يقتل به . والحجة لمن أبى قتله حديث مالك عن أبيه عن جده عن عمرو بن شعيب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عمر . لا يقتل والد بولده
وهذا خبر مستفيض مشهور ، وقد حكم به بحضرة الصحابة من غير خلاف من واحد منهم عليه ، فكان بمنزلة قوله عمر بن الخطاب ، ونحوه في لزوم الحكم به ، وكان في حيز المستفيض المتواتر . لا وصية لوارث
وقد حدثنا قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع إبراهيم بن هاشم بن الحسين قال : حدثنا عبد الله بن سنان المروزي قال : حدثنا إبراهيم بن رستم ، عن ، عن حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عمر بن الخطاب . لا يقاد الأب بابنه
وحدثنا قال : حدثنا عبد الباقي قال : حدثنا بشر بن موسى قال : [ ص: 179 ] حدثنا خلاد بن يحيى قيس ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عباس . لا يقاد الوالد بولده
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل : فأضاف نفسه إليه كإضافة ماله ، وإطلاق هذه الإضافة ينفي القود كما ينفي أن يقاد المولى بعبده لإطلاق إضافته إليه بلفظ يقتضي الملك في الظاهر ، والأب وإن كان غير مالك لابنه في الحقيقة فإن ذلك لا يسقط استدلالنا بإطلاق الإضافة ؛ لأن القود يسقطه الشبهة ، وصحة هذه الإضافة شبهة في سقوطه . أنت ومالك لأبيك
ويدل عليه أيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ، وقال صلى الله عليه وسلم : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه فسمى ولده كسبا له كما أن عبده كسبه ، فصار ذلك شبهة في سقوط القود به . وأيضا فلو إن أولادكم من كسبكم ؛ فكلوا من كسب أولادكم لم يقتل به ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سماه كسبا له ، كذلك إذا قتل نفسه . قتل عبد ابنه
وأيضا قال الله تعالى : ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك الآية ، فأمر بمصاحبة الوالدين الكافرين بالمعروف ، وأمره بالشكر لقوله تعالى : أن اشكر لي ولوالديك وقرن شكرهما بشكره . وذلك ينفي جواز قتله إذا قتل وليا لابنه ، فكذلك إذا قتل ابنه ؛ لأن من يستحق القود بقتل الابن إنما يثبت له ذلك من جهة الابن المقتول ، فإذا لم يستحق ذلك المقتول لم يستحق ذلك عنه . وكذلك قوله تعالى : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ولم يخصص حالا دون حال ، بل أمره بذلك أمرا مطلقا عاما . فغير جائز ثبوت حق القود عليه ؛ لأن قتله له يضاده هذه الأمور التي أمر الله تعالى بها في معاملة والده .
وأيضا نهى النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة بن أبي عامر الراهب عن قتل أبيه ، وكان مشركا محاربا لله ولرسوله ، وكان مع قريش يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فلو جاز للابن قتل أبيه في حال لكان أولى الأحوال بذلك حال من قاتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك ، إذ ليس يجوز أن يكون أحد أولى باستحقاق العقوبة والذم والقتل ممن هذه حاله ، فلما نهاه صلى الله عليه وسلم عن قتله في هذه الحال علمنا أنه لا يستحق قتله بحال .
وكذلك قال أصحابنا : إنه لو قذفه لم يحد له ، ولو قطع يده لم يقتص منه ؛ لأن ذلك كله يضاد موجب الآي التي ذكرنا . ومن الفقهاء [ ص: 180 ] من يجعل مال الابن لأبيه في الحقيقة كما يجعل مال العبد ، ومتى أخذ منه لم يحكم برده عليه . فلو لم يكن في سقوط القود به إلا اختلاف الفقهاء في حكم ماله على ما وصفنا لكان كافيا في كونه شبهة في سقوط القود به . وجميع ما ذكرنا من هذه الدلائل يخص آي القصاص ، ويدل على أن الوالد غير مراد بها ، والله أعلم . ، ولو كان عليه دين له لم يحبس به