باب القول في وجوب الوصية قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : لم يختلف
السلف ممن روي عنه أن قوله : " خيرا " أراد به مالا ، واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=14249المقدار المراد بالمال الذي أوجب الله الوصية فيه حين كانت الوصية فرضا ؛ لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كتب عليكم معناه فرض عليكم ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا يعني فرضا موقتا .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه أنه دخل على مولى له في مرضه وله سبع مائة درهم أو ست مائة درهم فقال : ألا أوصي ؟ قال : لا ، إنما قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا وليس لك كثير مال ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أنه قال : " أربعة آلاف درهم ، وما دونها نفقة " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " لا وصية في ثمان مائة درهم " .
وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها في امرأة أرادت الوصية فمنعها أهلها ، وقالوا : لها ولد ، ومالها يسير ، فقالت : كم ولدها ؟ قالوا : أربعة ، قالت : فكم مالها ؟ قالوا : ثلاثة آلاف ، فكأنها عذرتهم ، وقالت : ما في هذا المال فضل . وقال
إبراهيم : " ألف درهم إلى خمس مائة درهم " وروى
همام عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا قال : " كان يقال : خير المال ألف درهم فصاعدا " ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : " هي في كل ما وقع عليه اسم المال من قليل أو كثير " . وكل هؤلاء القائلين فإنما تأولوا تقدير المال على وجه الاستحباب لا على وجه الإيجاب للمقادير المذكورة ، وكان ذلك منهم على طريق الاجتهاد فيما تلحقه هذه الصفة من المال .
ومعلوم في العادة أن من ترك درهما لا يقال ترك خيرا ، فلما كانت هذه التسمية موقوفة على العادة ، وكان طريق التقدير فيها على الاجتهاد وغالب الرأي مع العلم بأن القدر اليسير لا تلحقه هذه التسمية ، وأن الكثير تلحقه ، فكان طريق الفصل فيها الاجتهاد ، وغالب الرأي مع ما كانوا عرفوا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651213الثلث ، والثلث كثير وأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس .
واختلف الناس في الوصية المذكورة في هذه الآية هل كانت واجبة أم لا ؟ فقال قائلون : " إنها لم تكن واجبة ، وإنما كانت ندبا وإرشادا " . وقال آخرون : " قد كانت فرضا ثم نسخت " على الاختلاف منهم في المنسوخ منها ، واحتج من قال : " إنها لم تكن واجبة " بأن في سياق الآية وفحواها دلالة على نفي وجوبها ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف فلما
[ ص: 203 ] قيل فيها : " بالمعروف " وإنها " على المتقين " دل على أنها غير واجبة من ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله : " بالمعروف " لا يقتضي الإيجاب ، والآخر : قوله " على المتقين " وليس على كل أحد أن يكون من المتقين ، الثالث : تخصيصه للمتقين بها والواجبات لا يختلف فيها المتقون ، وغيرهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : ولا دلالة فيما ذكره هذا القائل على نفي وجوبها ؛ لأن إيجابها بالمعروف لا ينفي وجوبها ؛ لأن المعروف معناه العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولا خلاف في وجوب هذا الرزق والكسوة وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وعاشروهن بالمعروف بل المعروف هو الواجب ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110تأمرون بالمعروف فذكر المعروف فيما أوجب الله تعالى من الوصية لا ينفي وجوبها بل هو يؤكد وجوبها ؛ إذ كان جميع أوامر الله معروفا غير منكر .
ومعلوم أيضا أن ضد المعروف هو المنكر ، وأن ما ليس بمعروف هو منكر ، والمنكر مذموم مزجور عنه ، فإذا المعروف واجب . وأما قوله : " حقا على المتقين " ففيه تأكيد لإيجابها ؛ لأن على الناس أن يكونوا متقين ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا خلاف بين المسلمين أن تقوى الله فرض ، فلما جعل تنفيذ هذه الوصية من شرائط التقوى فقد أبان عن إيجابها .
وأما تخصيصه المتقين بالذكر فلا دلالة فيه على نفي وجوبها ؛ وذلك لأن أقل ما فيه اقتضاء الآية وجوبها على المتقين ، وليس فيها نفيها عن غير المتقين ، كما أنه ليس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين نفي أن يكون هدى لغيرهم ، وإذا وجبت على المتقين بمقتضى الآية وجب على غيرهم ، وفائدة تخصيصه المتقين بالذكر أن فعل ذلك من تقوى الله ، وعلى الناس أن يكونوا كلهم متقين ، فإذا عليهم فعل ذلك . ودلالة الآية ظاهرة في إيجابها ، وتأكيد فرضها ؛ لأن قوله : " كتب عليكم " معناه فرض عليكم على ما بينا فيما سلف ، ثم أكد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180بالمعروف حقا على المتقين ولا شيء في ألفاظ الوجوب آكد من قول القائل : " هذا حق عليك " وتخصيصه المتقين بالذكر على وجه التأكيد كما بيناه آنفا ، مع اتفاق أهل التفسير من
السلف أنها كانت واجبة بهذه الآية .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنها كانت واجبة ، وهو ما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا
سليمان بن الفضل بن جبريل قال : حدثنا
عبد الله بن أيوب قال : حدثنا
عبد الوهاب عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652533لا يحل لمؤمن يبيت ثلاثا إلا ووصيته عنده .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد [ ص: 204 ] الباقي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15541بشر بن موسى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان قال : حدثنا
أيوب قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652533ما حق امرئ مسلم له مال يوصي فيه تمر عليه ليلتان إلا ووصيته عنده مكتوبة .
وقد رواه
هشام بن الغازي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663266ما ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة .
وهذا يدل على أن الوصية قد كانت واجبة . ثم اختلف القائلون بوجوبها بديا ، فقالت منهم طائفة : " جميع ما في هذه الآية من
nindex.php?page=treesubj&link=14249إيجاب الوصية منسوخ " منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، حدثنا
أبو محمد جعفر بن محمد بن أحمد الواسطي قال : حدثنا
أبو الفضل جعفر بن محمد بن اليمان المؤدب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد القاسم بن سلام قال : حدثنا
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
وعثمان بن عطاء الخراساني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين قال : " نسختها هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا قال : " نسخ من ذلك من يرث ولم ينسخ من لا يرث " . فاختلفت الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في ذلك : في أحديهما أن الجميع منسوخ ، وفي الأخرى أنه منسوخ ممن يرث من الأقربين دون من لا يرث .
وحدثنا
أبو محمد جعفر بن محمد قال : حدثنا
أبو الفضل المؤدب قال : حدثنا
أبو عبيد قال : حدثنا
أبو مهدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن
عمارة أبي عبد الرحمن قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة يقول في هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " نسختها الفرائض " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : " كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين فهي منسوخة " .
وقالت طائفة أخرى : " قد كانت الوصية واجبة للوالدين والأقربين فنسخت عمن يرث وجعلت للوالدين والأقربين الذين لا يرثون " رواه
يونس وأشعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى " في الرجل يوصي لغير ذي القرابة ، وله ذو قرابة ممن لا يرثه أن ثلثي الثلث لذي القرابة ، وثلث الثلث لمن أوصى له " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : " يرد كله إلى ذوي القرابة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=190الضحاك : " لا وصية إلا لذي قرابة إلا أن يكون له ذو قرابة "
وقالت طائفة أخرى : " قد كانت الوصية في الجملة واجبة لذي القرابة ، ولم يكن على الموصي أن يوصي بها لجميعهم ، بل كان له الاقتصار على الأقربين منهم ، فلم تكن واجبة للأبعدين ، ثم نسخت الوصية للأقربين فبقي الأبعدون
[ ص: 205 ] على ما كانوا عليه من جواز الوصية لهم أو تركها " .
ثم اختلف القائلون بنسخها فيما نسخت به ، وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة أن آية المواريث نسختها ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون
وقال آخرون : نسخها ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لا وصية لوارث رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، عن
عبد الرحمن بن عثمان ، عن
عمرو بن خارجة ، عنه صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لا وصية لوارث .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=679216لا يجوز لوارث وصية ،
وإسماعيل بن عياش عن
شرحبيل بن مسلم قال : سمعت
أبا أمامة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=711930ألا إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وحجاج بن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=31115لا يجوز لوارث وصية إلا أن يجيزها الورثة .
وروي ذلك عن جماعة من الصحابة رواه
حجاج عن
أبي إسحاق عن
الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي قال : " لا وصية لوارث "
وعبد الله بن بدر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " لا يجوز لوارث وصية " ، وهذ الخبر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك . ووروده من الجهات التي وصفنا هو عندنا في حيز التواتر ؛ لاستقامته وشهرته في الأمة ، وتلقي الفقهاء إياه بالقبول واستعمالهم له ، وجائز عندنا نسخ القرآن بمثله ، إذ كان في حيز ما يوجب العلم والعمل من الآيات .
فأما إيجاب الله تعالى الميراث للورثة فغير موجب نسخ الوصية لجواز
nindex.php?page=treesubj&link=14273_14249اجتماع الميراث والوصية معا ، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قد أجازها للوارث إذا أجازتها الورثة ؟ فلم يكن يستحيل اجتماع الميراث والوصية لواحد لو لم يكن إلا آية الميراث ، على أن الله إنما جعل الميراث بعد الوصية ، فما الذي كان يمنع أن يعطى قسطه من الوصية ثم يعطى الميراث بعدها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في
كتاب الرسالة : " يحتمل أن تكون المواريث ناسخة للوصية ويحتمل أن تكون ثابتة معها ، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، وهو منقطع أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لا وصية لوارث استدللنا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أن المواريث ناسخة للوصية للوالدين والأقربين مع الخبر المنقطع " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قد أعطى القول باحتمال اجتماع الوصية والميراث فإذا ليس في نزول آية الميراث ما يوجب نسخ الوصية للوارث ، فلم تكن الوصية منسوخة بالميراث لجواز اجتماعهما ، والخبر لم يثبت عنده ؛ لأنه ورد من طريق منقطع ، وهو لا يقبل المرسل ، ولو ورد من جهة الاتصال والتواتر لما قضى به على حكم الآية ؛ إذ غير جائز عنده نسخ
[ ص: 206 ] القرآن بالسنة ، فواجب أن تكون الوصية للوالدين والأقربين ثابتة الحكم غير منسوخة ؛ إذ لم يرد ما يوجب نسخها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=76751وحكم النبي صلى الله عليه وسلم في ست مملوكين أعتقهم رجل لا مال له غيرهم ، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء ، فأعتق اثنين وأرق أربعة . والذي أعتقهم رجل من العرب ، والعرب إنما تملك من لا قرابة بينه وبينه من العجم ، فأجاز لهم النبي صلى الله عليه وسلم الوصية ، فدل ذلك على أن الوصية لو كانت تبطل لغير قرابة بطلت للعبيد المعتقين ؛ لأنهم ليسوا بقرابة للميت وبطلت وصية الوالدين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : هذا كلام ظاهر الاختلال منتقض على أصله ، فأما اختلاله فقوله : إن
العرب إنما تملك من لا قرابة بينه وبينه من
العجم " ، وهذا خطأ من قبل أنه جائز أن تكون أمه أعجمية ، فيكون أقرباؤه من قبل أمه عجما ، فيكون العتق الذي أوقعه المريض وصية لأقربائه . ومن جهة أخرى أنه لو ثبت أن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين والأقربين فإنما نسختها لمن كان منهم وارثا ، فأما من لا يرث منهم فليس في إثبات الميراث لغيره ما يوجب نسخ وصيته ، وأما انتقاضه على أصله فإيجابه نسخ الوصية للأقربين بخبر
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين في عتق المريض لعبيده ، ومن أصله أن السنة لا تنسخ القرآن .
وقد روي عن جماعة من الصدر الأول والتابعين تجويز الوصية للأجانب ، وأنها تنفذ على ما أوصى بها ، وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أوصى لأمهات أولاده لكل امرأة منهن بأربعة آلاف درهم .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن دينار nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري قالوا : تنفذ وصيته حيث جعلها " وقد حصل الاتفاق من الفقهاء بعد عصر التابعين على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=14249_14273الوصايا للأجانب والأقارب .
والذي أوجب نسخ الوصية عندنا للوالدين والأقربين قوله تعالى في سياق آية المواريث :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12من بعد وصية يوصى بها أو دين فأجازها مطلقة ولم يقصرها على الأقربين دون غيرهم ، وفي ذلك إيجاب نسخها للوالدين والأقربين ؛ لأن الوصية لهم قد كانت فرضا ، وفي هذه إجازة تركها لهم ، والوصية لغيرهم وجعل ما بقي ميراثا للورثة على سهام مواريثهم ، وليس يجوز ذلك إلا ، وقد نسخ تلك الوصية .
فإن قيل : يحتمل أن يريد بهذه الوصية المذكورة في آية المواريث ، وإيجاب المواريث بعدها الوصية الواجبة للوالدين والأقربين فيكون حكمها ثابتا لمن لا يرث منهم . قيل له : هذا غلط من قبل أنه أطلق الوصية في هذا الموضع بلفظ منكور يقتضي شيوعها في الجنس ، إذ كان ذلك حكم النكرات ، والوصية المذكورة
[ ص: 207 ] للوالدين والأقربين لفظها لفظ المعرفة ، فغير جائز صرفها إليها ؛ إذ لو أرادها . لقال : " من بعد الوصية " حتى يرجع الكلام إلى المعرف المعهود من الوصية التي قد علمت ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم وقال في آية أخرى لما أراد الشهداء المذكورين :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فإذ لم يأتوا بالشهداء فعرفهم بالألف واللام ؛ إذ كان المراد " أولئك الشهداء " .
فلما أطلق الوصية في آية المواريث بلفظ منكور ثبت أنه لم يرد بها الوصية المذكورة للوالدين والأقربين ، وأنها مطلقة جائزة لسائر الناس إلا ما خصته السنة أو الإجماع من الوصية للوارث أو للقاتل ونحوهما ، وفي ثبوت ذلك نسخ الوصية للوالدين والأقربين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : استدل
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن رحمه الله على أن الوالدين ليسوا من الأقرباء بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الوصية للوالدين والأقربين ولأنهم لا يدلون بغيرهم ورحمهم بأنفسهم ، وسائر الأرحام سواهما إنما يدلون بغيرهم ، فالأقربون من يقرب إليه بغيره ، وقال : " إن ولد الصلب ليسوا من الأقربين أيضا ؛ لأنه بنفسه يدلي برحمه لا بواسطة بينه وبين والده ولأنه إذا لم يكن الوالدان من الأقربين ، والولد أقرب إلى والده من الوالد إلى ولده ، فهو أحرى أن لا يكون من الأقربين " ولذلك قال فيمن أوصى لأقرباء بني فلان : " إنه لا يدخل فيها ولده ولا والده .
ويدخل فيها ولد الولد والجد والإخوة ومن جرى مجراهم ؛ لأن كلا منهم يدلي إليه بواسطة غير مدل بنفسه " وفي معنى الأقرباء خلاف ، والله أعلم .
بَابُ الْقَوْلِ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : لَمْ يَخْتَلِفِ
السَّلَفُ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ : " خَيْرًا " أَرَادَ بِهِ مَالًا ، وَاخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=14249الْمِقْدَارِ الْمُرَادِ بِالْمَالِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ فِيهِ حِينَ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فَرْضًا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَعْنَاهُ فُرِضَ عَلَيْكُمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا يَعْنِي فَرْضًا مُوَقَّتًا .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مَوْلًى لَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَهُ سَبْعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتُّ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ : أَلَا أُوصِي ؟ قَالَ : لَا ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا وَلَيْسَ لَكَ كَثِيرُ مَالٍ ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : " أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : " لَا وَصِيَّةَ فِي ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ " .
وَقَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي امْرَأَةٍ أَرَادَتِ الْوَصِيَّةَ فَمَنَعَهَا أَهْلُهَا ، وَقَالُوا : لَهَا وَلَدٌ ، وَمَالُهَا يَسِيرٌ ، فَقَالَتْ : كَمْ وَلَدُهَا ؟ قَالُوا : أَرْبَعَةٌ ، قَالَتْ : فَكَمْ مَالُهَا ؟ قَالُوا : ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، فَكَأَنَّهَا عَذَرَتْهُمْ ، وَقَالَتْ : مَا فِي هَذَا الْمَالِ فَضْلٌ . وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ : " أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَى خَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ " وَرَوَى
هَمَّامٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا قَالَ : " كَانَ يُقَالُ : خَيْرُ الْمَالِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا " ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : " هِيَ فِي كُلِّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ " . وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ فَإِنَّمَا تَأَوَّلُوا تَقْدِيرَ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ لِلْمَقَادِيرِ الْمَذْكُورَةِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا تَلْحَقُهُ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنَ الْمَالِ .
وَمَعْلُومٌ فِي الْعَادَةِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ دِرْهَمًا لَا يُقَالُ تَرَكَ خَيْرًا ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى الْعَادَةِ ، وَكَانَ طَرِيقُ التَّقْدِيرِ فِيهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الرَّأْيِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْقَدْرَ الْيَسِيرَ لَا تَلْحَقُهُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ ، وَأَنَّ الْكَثِيرَ تَلْحَقُهُ ، فَكَانَ طَرِيقُ الْفَصْلِ فِيهَا الِاجْتِهَادَ ، وَغَالِبَ الرَّأْيِ مَعَ مَا كَانُوا عَرَفُوا مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651213الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ وَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ .
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً أَمْ لَا ؟ فَقَالَ قَائِلُونَ : " إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَدْبًا وَإِرْشَادًا " . وَقَالَ آخَرُونَ : " قَدْ كَانَتْ فَرْضًا ثُمَّ نُسِخَتْ " عَلَى الِاخْتِلَافِ مِنْهُمْ فِي الْمَنْسُوخِ مِنْهَا ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : " إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً " بِأَنَّ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ وَفَحْوَاهَا دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ فَلَمَّا
[ ص: 203 ] قِيلَ فِيهَا : " بِالْمَعْرُوفِ " وَإِنَّهَا " عَلَى الْمُتَّقِينَ " دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ : " بِالْمَعْرُوفِ " لَا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ ، وَالْآخَرُ : قَوْلُهُ " عَلَى الْمُتَّقِينَ " وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، الثَّالِثُ : تَخْصِيصُهُ لِلْمُتَّقِينَ بِهَا وَالْوَاجِبَاتُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمُتَّقُونَ ، وَغَيْرُهُمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا ؛ لِأَنَّ إِيجَابَهَا بِالْمَعْرُوفِ لَا يَنْفِي وُجُوبَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مَعْنَاهُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا شَطَطَ فِيهِ وَلَا تَقْصِيرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ هَذَا الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بَلِ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْوَاجِبُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=17وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَذِكْرُ الْمَعْرُوفِ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْوَصِيَّةِ لَا يَنْفِي وُجُوبَهَا بَلْ هُوَ يُؤَكِّدُ وُجُوبَهَا ؛ إِذْ كَانَ جَمِيعُ أَوَامِرِ اللَّهِ مَعْرُوفًا غَيْرَ مُنْكَرٍ .
وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ ضِدَّ الْمَعْرُوفِ هُوَ الْمُنْكَرُ ، وَأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ هُوَ مُنْكَرٌ ، وَالْمُنْكَرُ مَذْمُومٌ مَزْجُورٌ عَنْهُ ، فَإِذًا الْمَعْرُوفُ وَاجِبٌ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " فَفِيهِ تَأْكِيدٌ لِإِيجَابِهَا ؛ لِأَنَّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَكُونُوا مُتَّقِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ تَقْوَى اللَّهِ فَرْضٌ ، فَلَمَّا جَعَلَ تَنْفِيذَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ شَرَائِطِ التَّقْوَى فَقَدْ أَبَانَ عَنْ إِيجَابِهَا .
وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ اقْتِضَاءُ الْآيَةِ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، وَلَيْسَ فِيهَا نَفْيُهَا عَنْ غَيْرِ الْمُتَّقِينَ ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ هُدًى لِغَيْرِهِمْ ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُتَّقِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ ، وَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَّقِينَ ، فَإِذًا عَلَيْهِمْ فِعْلُ ذَلِكَ . وَدَلَالَةُ الْآيَةِ ظَاهِرَةٌ فِي إِيجَابِهَا ، وَتَأْكِيدِ فَرْضِهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ " مَعْنَاهُ فُرِضَ عَلَيْكُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ ، ثُمَّ أَكَّدَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَلَا شَيْءَ فِي أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ آكَدُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : " هَذَا حَقٌّ عَلَيْكَ " وَتَخْصِيصُهُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا ، مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنَ
السَّلَفِ أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً بِهَذِهِ الْآيَةِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جِبْرِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652533لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ يَبِيتُ ثَلَاثًا إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ .
وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عَبْدُ [ ص: 204 ] الْبَاقِي قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15541بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14171الْحُمَيْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَيُّوبُ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652533مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ تَمُرُّ عَلَيْهِ لَيْلَتَانِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ .
وَقَدْ رَوَاهُ
هِشَامُ بْنُ الْغَازِي عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663266مَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ كَانَتْ وَاجِبَةً . ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِهَا بَدِيًّا ، فَقَالَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ : " جَمِيعُ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=14249إِيجَابِ الْوَصِيَّةِ مَنْسُوخٌ " مِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، حَدَّثَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْيَمَانِ الْمُؤَدِّبُ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12074أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ،
وَعُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ قَالَ : " نَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا قَالَ : " نُسِخَ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَرِثُ وَلَمْ يُنْسَخْ مَنْ لَا يَرِثُ " . فَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ : فِي أَحَدَيْهِمَا أَنَّ الْجَمِيعَ مَنْسُوخٌ ، وَفِي الْأُخْرَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ مِمَّنْ يَرِثُ مِنَ الْأَقْرَبِينَ دُونَ مَنْ لَا يَرِثُ .
وَحَدَّثَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو الْفَضْلِ الْمُؤَدِّبُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو مَهْدِيٍّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16418عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ
عُمَارَةَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ " نَسَخَتْهَا الْفَرَائِضُ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ : " كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْوَلَدِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ " .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : " قَدْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَنُسِخَتْ عَمَّنْ يَرِثُ وَجُعِلَتْ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ " رَوَاهُ
يُونُسُ وَأَشْعَثُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ .
وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=11867وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى " فِي الرَّجُلِ يُوصِي لِغَيْرِ ذِي الْقَرَابَةِ ، وَلَهُ ذُو قَرَابَةٍ مِمَّنْ لَا يَرِثُهُ أَنَّ ثُلُثَيِ الثُّلُثِ لِذِي الْقَرَابَةِ ، وَثُلُثُ الثُّلُثِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ : " يُرَدُّ كُلُّهُ إِلَى ذَوِي الْقَرَابَةِ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=190الضَّحَّاكُ : " لَا وَصِيَّةَ إِلَّا لِذِي قَرَابَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ذُو قَرَابَةٍ "
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : " قَدْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ وَاجِبَةً لِذِي الْقَرَابَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ بِهَا لِجَمِيعِهِمْ ، بَلْ كَانَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ مِنْهُمْ ، فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لِلْأَبْعَدِينَ ، ثُمَّ نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْأَقْرَبِينَ فَبَقِيَ الْأَبْعَدُونَ
[ ص: 205 ] عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ أَوْ تَرْكِهَا " .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِنَسْخِهَا فِيمَا نُسِخَتْ بِهِ ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16584وَعِكْرِمَةَ أَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ نَسَخَتْهَا ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=7لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ
وَقَالَ آخَرُونَ : نَسَخَهَا مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16709عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=679216لَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ ،
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ
شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=711930أَلَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَحَجَّاجَ بْنَ جُرَيْجٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16566عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=31115لَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ
حَجَّاجٌ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
الْحَارِثِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ قَالَ : " لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ "
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ قَالَ : " لَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ " ، وَهَذَ الْخَبَرُ الْمَأْثُورُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ . وَوُرُودُهُ مِنَ الْجِهَاتِ الَّتِي وَصَفْنَا هُوَ عِنْدَنَا فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ ؛ لِاسْتِقَامَتِهِ وَشُهْرَتِهِ فِي الْأُمَّةِ ، وَتَلَقَّيِ الْفُقَهَاءُ إِيَّاهُ بِالْقَبُولِ وَاسْتِعْمَالِهِمْ لَهُ ، وَجَائِزٌ عِنْدَنَا نَسْخُ الْقُرْآنِ بِمِثْلِهِ ، إِذْ كَانَ فِي حَيِّزِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ مِنَ الْآيَاتِ .
فَأَمَّا إِيجَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمِيرَاثَ لِلْوَرَثَةِ فَغَيْرُ مُوجِبٍ نَسْخَ الْوَصِيَّةِ لِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=14273_14249اجْتِمَاعِ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ مَعًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَهَا لِلْوَارِثِ إِذَا أَجَازَتْهَا الْوَرَثَةُ ؟ فَلَمْ يَكُنْ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لِوَاحِدٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا آيَةُ الْمِيرَاثِ ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ ، فَمَا الَّذِي كَانَ يَمْنَعُ أَنْ يُعْطَى قِسْطَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ يُعْطَى الْمِيرَاثَ بَعْدَهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي
كِتَابِ الرِّسَالَةِ : " يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمَوَارِيثُ نَاسِخَةً لِلْوَصِيَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ثَابِتَةٌ مَعَهَا ، فَلَمَّا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=24642لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ اسْتَدْلَلْنَا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَوَارِيثَ نَاسِخَةٌ لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ مَعَ الْخَبَرِ الْمُنْقَطِعِ " .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : قَدْ أَعْطَى الْقَوْلَ بِاحْتِمَالِ اجْتِمَاعِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِذًا لَيْسَ فِي نُزُولِ آيَةِ الْمِيرَاثِ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ، فَلَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ مَنْسُوخَةً بِالْمِيرَاثِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا ، وَالْخَبَرُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعٍ ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ ، وَلَوْ وَرَدَ مِنْ جِهَةِ الِاتِّصَالِ وَالتَّوَاتُرِ لَمَا قَضَى بِهِ عَلَى حُكْمِ الْآيَةِ ؛ إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ نَسْخَ
[ ص: 206 ] الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ ، فَوَاجِبٌ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثَابِتَةَ الْحُكْمِ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ ؛ إِذْ لَمْ يَرِدْ مَا يُوجِبُ نَسْخَهَا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=76751وَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِتِّ مَمْلُوكِينَ أَعْتَقَهُمْ رَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ ، فَجَزَّأَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . وَالَّذِي أَعْتَقَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ، وَالْعَرَبُ إِنَّمَا تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْعَجَمِ ، فَأَجَازَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَصِيَّةَ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَوْ كَانَتْ تَبْطُلُ لِغَيْرِ قَرَابَةٍ بَطَلَتْ لِلْعَبِيدِ الْمُعْتَقِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةٍ لِلْمَيْتِ وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ الْوَالِدَيْنِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : هَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ مُنْتَقَضٌ عَلَى أَصْلِهِ ، فَأَمَّا اخْتِلَالُهُ فَقَوْلُهُ : إِنَّ
الْعَرَبَ إِنَّمَا تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ
الْعَجَمِ " ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً ، فَيَكُونُ أَقْرِبَاؤُهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ عَجَمًا ، فَيَكُونُ الْعِتْقُ الَّذِي أَوْقَعَهُ الْمَرِيضُ وَصِيَّةً لِأَقْرِبَائِهِ . وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ نَسَخَتِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَإِنَّمَا نَسَخَتْهَا لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَارِثًا ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُمْ فَلَيْسَ فِي إِثْبَاتِ الْمِيرَاثِ لِغَيْرِهِ مَا يُوجِبُ نَسْخَ وَصِيَّتِهِ ، وَأَمَّا انْتِقَاضُهُ عَلَى أَصْلِهِ فَإِيجَابُهُ نَسْخَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقْرَبِينَ بِخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي عِتْقِ الْمَرِيضِ لِعَبِيدِهِ ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ الْقُرْآنَ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالتَّابِعِينَ تَجْوِيزُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجَانِبِ ، وَأَنَّهَا تَنْفُذُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهَا ، وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيِّ قَالُوا : تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ حَيْثُ جَعَلَهَا " وَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنَ الْفُقَهَاءِ بَعْدَ عَصْرِ التَّابِعِينَ عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=14249_14273الْوَصَايَا لِلْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ .
وَالَّذِي أَوْجَبَ نَسْخَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَنَا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=12مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ فَأَجَازَهَا مُطْلَقَةً وَلَمْ يَقْصُرْهَا عَلَى الْأَقْرَبِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ إِيجَابُ نَسْخِهَا لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ قَدْ كَانَتْ فَرْضًا ، وَفِي هَذِهِ إِجَازَةُ تَرْكِهَا لَهُمْ ، وَالْوَصِيَّةُ لِغَيْرِهِمْ وَجَعْلِ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ عَلَى سِهَامِ مَوَارِيثِهِمْ ، وَلَيْسَ يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا ، وَقَدْ نَسَخَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ ، وَإِيجَابِ الْمَوَارِيثِ بَعْدَهَا الْوَصِيَّةَ الْوَاجِبَةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَيَكُونَ حُكْمُهَا ثَابِتًا لِمَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُمْ . قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِلَفْظٍ مَنْكُورٍ يَقْتَضِي شُيُوعَهَا فِي الْجِنْسِ ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ النَّكِرَاتِ ، وَالْوَصِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ
[ ص: 207 ] لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ لَفْظُهَا لَفْظُ الْمَعْرِفَةِ ، فَغَيْرُ جَائِزٍ صَرْفُهَا إِلَيْهَا ؛ إِذْ لَوْ أَرَادَهَا . لَقَالَ : " مِنْ بَعْدِ الْوَصِيَّةِ " حَتَّى يَرْجِعَ الْكَلَامُ إِلَى الْمُعَرَّفِ الْمَعْهُودِ مِنَ الْوَصِيَّةِ الَّتِي قَدْ عُلِمَتْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى لَمَّا أَرَادَ الشُّهَدَاءَ الْمَذْكُورِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=13فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَعَرَّفَهُمْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ؛ إِذْ كَانَ الْمُرَادُ " أُولَئِكَ الشُّهَدَاءَ " .
فَلَمَّا أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ بِلَفْظٍ مَنْكُورٍ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْوَصِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ، وَأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ جَائِزَةٌ لِسَائِرِ النَّاسِ إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ أَوِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ أَوْ لِلْقَاتِلِ وَنَحْوِهِمَا ، وَفِي ثُبُوتِ ذَلِكَ نَسْخُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : اسْتَدَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسُوا مِنَ الْأَقْرِبَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُدْلُونَ بِغَيْرِهِمْ وَرَحِمِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَسَائِرُ الْأَرْحَامِ سِوَاهُمَا إِنَّمَا يُدْلُونَ بِغَيْرِهِمْ ، فَالْأَقْرَبُونَ مَنْ يَقْرُبُ إِلَيْهِ بِغَيْرِهِ ، وَقَالَ : " إِنَّ وَلَدَ الصُّلْبِ لَيْسُوا مِنَ الْأَقْرَبِينَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِهِ يُدْلِي بِرَحِمِهِ لَا بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْوَالِدَانِ مِنَ الْأَقْرَبِينَ ، وَالْوَلَدُ أَقْرَبُ إِلَى وَالِدِهِ مِنَ الْوَالِدِ إِلَى وَلَدِهِ ، فَهُوَ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مِنَ الْأَقْرَبِينَ " وَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى لِأَقْرِبَاءِ بَنِي فُلَانٍ : " إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا وَلَدُهُ وَلَا وَالِدُهُ .
وَيَدْخُلُ فِيهَا وَلَدُ الْوَلَدِ وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُدْلِي إِلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ غَيْرِ مُدْلٍ بِنَفْسِهِ " وَفِي مَعْنَى الْأَقْرِبَاءِ خِلَافٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .