وقوله تعالى : يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين معناه والله أعلم أن الله أرسل الملكين ليبينا للناس معاني السحر ويعلموهم أنه كفر وكذب وتمويه لا حقيقة له حتى يجتنبوه ، كما بين الله على ألسنة رسله سائر المحظورات والمحرمات ليجتنبوه ولا يأتوه ؛ فلما كان السحر كفرا وتمويها وخداعا وكان أهل ذلك [ ص: 70 ] الزمان قد اغتروا به وصدقوا السحرة فيما ادعوه لأنفسهم به ، بين ذلك للناس على لسان هذين الملكين ليكشفا عنهم غمة الجهل ويزجراهم عن الاغترار به ، كما قال تعالى وهديناه النجدين يعني ، والله أعلم : بينا سبيل الخير والشر ليجتبي الخير ويجتنب الشر وكما قيل : فلان لا يعرف الشر . قال : " أجدر أن يقع فيه " . لعمر بن الخطاب
ولا فرق بين بيان معاني السحر والزجر عنه ، وبين بيان سائر ضروب الكفر وتحريم الأمهات والأخوات وتحريم الزنا والربا وشرب الخمر ونحوه ؛ لأن الغرض لما بينا في اجتناب المحظورات والمقبحات كهو في بيان الخير ؛ إذ لا يصل إلى فعله إلا بعد العلم به ؛ كذلك اجتباء الطاعات والواجبات ، فمن حيث وجبت وجب بيان الشر ليجتنبه ؛ إذ لا يصل إلى تركه واجتنابه إلا بعد العلم به ومن الناس من يزعم أن قوله : وما أنزل على الملكين معناه أن الشياطين كذبوا على ما أنزل على الملكين كما كذبوا على سليمان ، وأن السحر الذي يتلوه هؤلاء لم ينزل عليهما .
وزعم أن قوله تعالى : فيتعلمون منهما معناه : من السحر والكفر ؛ لأن قوله : ولكن الشياطين كفروا يتضمن الكفر فرجع الضمير إليهما ، كقوله تعالى : سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى أي يتجنب الأشقى الذكرى قال : وقوله وما يعلمان من أحد معناه أن الملكين لا يعلمان ذلك أحدا ومع ذلك لا يقتصران على أن لا يعلماه حتى يبالغا في نهيه فيقولا : إنما نحن فتنة فلا تكفر
والذي حمله على هذا التأويل استنكاره أن ينزل الله على الملكين السحر مع ذمه السحر والساحر ؛ وهذا الذي ذهب إليه لا يوجب ؛ لأن المذموم من يعمل بالسحر لا من يبينه للناس ويزجرهم عنه ، كما أن على كل من علم من الناس معنى السحر أن يبينه لمن لا يعلم وينهاه عنه ليجتنبه ؛ وهذا من الفروض التي ألزمنا إياها الله تعالى إذا رأينا من اختدع به وتموه عليه أمره .