باب النفحة الميتة ولبنها قال : أبو حنيفة طاهران لا يلحقهما حكم النجاسة " . لبن الميتة وإنفحتها
وقال أبو يوسف ومحمد : " يكره اللبن ؛ لأنه في وعاء نجس ، وكذلك الإنفحة إذا كانت مائعة ، فإن كانت جامدة فلا بأس " . وقالوا جميعا في البيضة إذا كانت من دجاجة ميتة : فلا بأس بها . وقال والثوري [ ص: 148 ] مالك وعبد الله بن الحسن : " لا يحل اللبن في ضروع الميتة " . وقال والشافعي : " لا تؤكل البيضة التي تخرج من دجاجة ميتة " . الليث بن سعد
وقال عبد الله بن الحسن : " أكره أن أرخص فيها " قال : اللبن لا يجوز أن يلحقه حكم الموت ؛ لأنه لا حياة فيه . ويدل عليه أنه يؤخذ منها وهي حية فيؤكل ، فلو كان مما يلحقه حكم الموت لم يحل إلا بذكاة الأصل كسائر أعضاء الشاة . وأيضا فإن قوله : أبو بكر نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين عام في سائر الألبان ، فاقتضى ذلك شيئين :
أحدهما : أن اللبن لا يموت ولا يحرمه موت الشاة ، والثاني : أنه لا ينجس بموت الشاة ولا يكون بمنزلة لبن جعل في وعاء ميت . فإن قيل : ما الفرق بينه وبين ما لو حلب من شاة حية ثم جعل في وعاء نجس وبين ما إذا كان في ضرع الميتة ؟ قيل : الفرق بينهما أن موضع الخلقة لا ينجس ما جاوره بما حدث فيه خلقة .
والدليل على ذلك اتفاق المسلمين على جواز أكل اللحم بما فيه من العروق مع مجاورة الدم لدواخلها من غير تطهير ولا غسل لذلك ، فدل ذلك على أن موضع الخلقة لا ينجس بالمجاورة لما خلق فيه .
ودليل آخر ، وهو قوله : من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين وهذا يدل من وجهين على ما ذكرنا :
أحدهما : ما قدمناه آنفا في صدر المسألة في اقتضائه لبن الحية ولبن الميتة ، والثاني : إخباره بخروجه من بين فرث ودم هما نجسان مع الحكم بطهارته ، ولم تكن مجاورته لهما موجبة لتنجيسه ؛ لأنه موضع الخلقة ، كذلك كونه في ضرع ميتة لا يوجب تنجيسه ويدل على ذلك أيضا ما رواه عن شريك جابر عن عن عكرمة قال : ابن عباس أتي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف بجبنة ، فجعلوا يقرعونها بالعصا ، فقال : أين يصنع هذا ؟ فقالوا : بأرض فارس ، فقال : اذكروا اسم الله عليه وكلوا .
ومعلوم أن ذبائح المجوس ميتة ، وقد أباح صلى الله عليه وسلم أكلها مع العلم بأنها من صنعة أهل فارس وأنهم كانوا ؛ إذ ذاك مجوسا ، ولا ينعقد الجبن إلا بإنفحة ، فثبت بذلك أن إنفحة الميتة طاهرة .
وقد روى القاسم بن الحكم ، عن غالب بن عبد الله ، عن ، عن عطاء بن أبي رباح زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ميمونة فأباح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أكل الجميع منه ولم يفصل بين ما صنع منه بإنفحة ميتة أو غيرها . سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجبن فقال : ضعي السكين واذكري اسم الله تعالى وكلي
وقد روي عن علي وعمر وسلمان وعائشة وابن عمر وطلحة بن عبيد الله وأم سلمة إباحة أكل الجبن الذي فيه إنفحة الميتة ، فدل ذلك على أن الإنفحة طاهرة وإن كانت [ ص: 149 ] من ميتة . وإذا ثبت بما وصفنا طهارة الإنفحة وإن كانت من ميتة ثبت طهارة لبن الميتة وإنفحتها ، ووجب أن يكون ذلك حكم البيضة الخارجة من الدجاجة الميتة ؛ لأنها تبين منها في حياتها وهي طاهرة يجوز أكلها ، فكذلك بعد موتها ؛ لأنها لو كانت مما يحتاج إلى ذكاة لما أباحها إلا ذكاة الأصل كسائر أعضائها ، لما كان شرط إباحتها الذكاة لم تحل إلا بذكاة الأصل . والحسن بن علي