باب شعر الميتة وصوفها والفراء وجلود السباع قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومحمد بن صالح وعبيد الله بن الحسن : " يجوز . الانتفاع بعظام الميتة
ولا بأس بشعر الميتة وصوفها ، ولا يكون ميتة ؛ لأنه يؤخذ منها في حال الحياة " وقال : " لا ينتفع بعصب الميتة ولا بعقبها ولا أرى بأسا بالقرن والظلف أن ينتفع به ، ولا بأس بعظام الميتة ولا الشعر ولا الصوف " . الليث
حدثنا قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال : حدثنا يوسف بن الشقر ، قال : حدثنا عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أبي سلمة قال : سمعت قالت : أم سلمة حدثنا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ ، ولا بأس بصوفها وشعرها وقرنها إذا اغتسل بالماء قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا الحسن بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن سلمة عن ، عن ابن أبي ليلى ، عن ثابت البناني قال : حدثني أبي أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فسأله رجل عن الصلاة في الفراء والمساتق قال : " وقى الدباغ عنكم " . عبد الرحمن بن أبي ليلى
وروى يحيى الحماني قال : حدثنا سيف بن هارون البرجمي ، عن ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي سلمان الفارسي قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفراء والجبن والسمن فقال : إن الحلال الذي أحل الله تعالى في القرآن ، والحرام الذي حرم الله تعالى في القرآن ، وما سكت عنه فهو عفو منه .
قال : هذه الأخبار فيها إباحة الشعر والصوف والفراء والجبن من وجهين : أبو بكر
أحدهما : ما ذكرناه في حديث من النص على إباحة أم سلمة ، وحديث الشعر والصوف من الميتة في إباحة الفراء والمساتق . والآخر : ما ذكر في حديث ابن أبي ليلى سلمان ، وفيه دلالة على الإباحة من وجهين :
أحدهما : أنه لو كان محرما لأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريم .
والثاني : أن ما لم يذكر بتحريم ولا تحليل فهو مباح بقوله : . وما سكت عنه فهو عفو
وليس في القرآن تحريم الشعر والصوف ونحوهما ، بل فيه ما يوجب الإباحة وهو قوله : والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع والدفء : ما يتدفأ به من شعرها ووبرها [ ص: 150 ] وصوفها ، وذلك يقتضي إباحة الجميع من الميتة والحي . وقال تعالى : ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين فعم الجميع بالإباحة من غير فصل بين المذكى منه وبين الميتة .
ومن حظر هذه الأشياء من الميتة احتج فيه بقوله تعالى : حرمت عليكم الميتة وذلك يتناولها بجميع أجزائها ، فإذا كان الصوف والشعر والعظام ونحوها من أجزائها اقتضت الآية تحريم جميعها فيقال له : إنما المراد بالآية ما يتأتى فيه الأكل ، والدليل عليه قوله تعالى في الآية الأخرى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه فأخبر أن التحريم مقصور على ما يتأتى فيه الأكل .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وفي خبر آخر : إنما حرم من الميتة لحمها فأبان النبي صلى الله عليه وسلم عن مراد الله تعالى بتحريم الميتة . فلما لم يكن الشعر والصوف والعظم ونحوها مما ذكرنا من المأكول لم يتناولها التحريم ، ومن حيث خصصنا جلد الميتة المدبوغ بالإباحة للآثار الواردة فيه وجب تخصيص الشعر والصوف وما لا يتأتى فيه الأكل من جملة المحرم بالآثار المروية فيها مما قدمنا ذكره . إنما حرم أكلها
ويدل عليه أيضا من جهة أخرى ، وهي أن جلد الميتة لما كان خروجه عن حد الأكل بالدباغ مبيحا له وجب أن يكون ذلك حكم سائر ما لا يتأتى فيه الأكل منها من الشعر والصوف ونحوهما ويدل عليه أيضا أن الأخبار الواردة في إباحة الانتفاع بجلود الميتة لم يذكر فيها حلق الشعر والصوف عنها ، بل فيها الإباحة على الإطلاق ، فاقتضى ذلك إباحة الانتفاع بها بما عليها من الشعر والصوف ، ولو كان التحريم ثابتا في الصوف والشعر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الجلود لا تخلو من أجزاء الحيوان مما ليس فيه حياة وما لا حياة فيه لا يلحقه حكم الموت .
والدليل على أن الشعر ونحوه لا حياة فيه ، أن الحيوان لا يألم بقطعها ، ولو كانت فيه حياة لتألم بقطعها كما يؤلمه قطع سائر أعضائه ، فدل ذلك على أن الشعر والصوف والعظم والقرن والظلف والريش لا حياة فيها ، فلا يلحقها حكم الموت ، ووجود النماء فيها لا يوجب لها حياة ؛ لأن الشجر والنبات ينميان ولا حياة فيهما ولا يلحقهما حكم الموت ، فكذلك الشعر والصوف .
ويدل عليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ويبين منها الشعر والصوف ولا يلحقهما حكم الموت ، فلو كان مما يلحقهما حكم الموت لوجب أن لا يحل إلا بذكاة الأصل كسائر أعضاء الحيوان ، فدل ذلك على أنه لا يلحقه حكم الموت ولا يحتاج إلى ذكاة . ما بان من البهيمة وهي حية فهو ميت
وقد روي عن الحسن ومحمد بن سيرين [ ص: 151 ] وسعيد بن المسيب إباحة شعر الميتة وصوفها . وإبراهيم
وروي عن عطاء ، وعن كراهية الميتة وعظام الفيل كراهة عظام الفيل . طاوس
وروي عن أنه رأى على رجل فروا فقال : لو أعلمه ذكيا لسرني أن يكون لي منه ثوب . وذكر ابن عمر أن أنس رأى على رجل قلنسوة ثعلب فنزعها وقال : ما يدريك لعله مما لم يذك عمر
وقد اختلف في ، فكرهها قوم وأباحها أصحابنا ومن قدمنا ذكره من الصحابة والتابعين . جلود السباع
وقد روى عن عطاء ، ابن عباس عن وأبو الزبير جابر عن ومطرف إباحة الانتفاع بجلود السباع . عمار
وعن علي بن حسين والحسن وإبراهيم والضحاك : " لا بأس بلبس جلود السباع " . وعن وابن سيرين عن عطاء في الفراء : " دباغها ذكاتها " . فإن قال قائل : روى عائشة عن قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أبي المليح نهى عن جلود السباع عن وقتادة أبي شيخ الهنائي أن قال لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : تعلمون معاوية . أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سروج النمور أن يركب عليها ؟ قالوا : نعم
وقد تنازع أهل العلم معنى هذين الحديثين ، فقال قائلون : هذا نهي تحريم يقتضي تحريم لبسها على كل حال ، وقال آخرون : هو على وجه الكراهية والتشبه بزي العجم ، كما روى أبو إسحاق عن هبيرة بن يريم عن قال : علي . وما روي عن الصحابة في إباحة لبس جلود السباع والانتفاع بها يدل على أن النهي على وجه الكراهية والتشبه بالعجم . نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي وعن الثياب الحمر
وقد تقدم ذكر حديث سلمان وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم في إباحة لبس الفراء والانتفاع بها ، وقوله صلى الله عليه وسلم : وقوله : أيما إهاب دبغ فقد طهر عام في جلود السباع وغيرها ، وهذا يدل على أن النهي عن جلود السباع ليس من جهة النجاسة بل على وجه الكراهة والتشبه بالعجم . دباغ الأديم ذكاته