ولما بين أنهم لا يتمنونه أثبت لهم ما هو فوق ذلك من تمني الضد الدال على علمهم بسوء منقلبهم فقال : ولتجدنهم أي : بما تعلم من أحوالهم مما منه الوجدان ، وهو إحساس الباطن بما هو فيه والإصابة أيضا لما له علقة الباطن ، كأنه فيه : أحرص صيغة مبالغة من الحرص ، [ ص: 62 ] وهو طلب الاستغراق فيما يختص فيه الحظ ، قاله . الحرالي الناس على حياة على أي حالة كانت وهم قاطعون بأنه لا يخلو يوم منها عن كدر ، فإنهم يعلمون أنها وإن كانت في غاية الكدر خير لهم مما بعد الموت ومن أي : وأحرص من الذين أشركوا الذين لا بعث عندهم على الحياة علما منهم بأنهم صائرون إلى العذاب الدائم بالسيئات المحيطة والشرك . قال الحرالي : إسناد الأمر المختص بواحد إلى من ليس له معه أمر ، انتهى .
ثم بين مقدار ما يتمنونه فقال : يود من الود وهو صحة نزوع النفس للشيء المستحق نزوعها له ، قاله . الحرالي أحدهم أي : أحد من تقدم من اليهود والمشركين بجميع أصنافهم ، أو من اليهود خاصة ، أو من المشركين فتكون ودادة اليهود من باب الأولى . قال : وهو نحو من الحرالي لا يصل إليه إبلاغ الخلق ، خطاب القرآن لو يعمر من التعمير وهو تمادي العمر كأنه تكرار ، والعمر أمد ما بين بدو الشيء [ ص: 63 ] وانقطاعه ، قاله . الحرالي ألف سنة خوفا من الموت أو ما بعده ، والألف كمال العدد بكمال ثالثة رتبة ; والسنة أمد تمام دورة الشمس وتمام ثنتي عشرة دورة القمر ، قاله . وهذا المعنى وإن كان موجودا في الحول والعام والحجة غير أن مأخذ الاشتقاق ملاحظ في الجملة ، فلبلاغة القرآن لا يطلق واحد من هذه الألفاظ إلا فيما يناسب السياق من أصل اشتقاق هذه الألفاظ ، فهذا السياق لما كان المراد به ذمهم بتهالكهم على بقائهم في الدنيا على أي حالة كانت علما منهم بأنها ولو كانت أسوأ الأحوال خير لهم مما بعد الموت لتحقق شقائهم عبر بما منه الإسنات وهو القحط وسوء الزمان ، أو ما منه الدوران الذي فيه كد وتعب إن كان أصلها من سنا يسنو إذا دار حول البئر . قال الحرالي السهيلي في الروض : وقد تسمى السنة دارا ; ففي الخبر : إن بين آدم ونوح ألف دار ; أي : سنة ، ثم قال : فتأمل هذا فإن العلم بتنزيل الكلام ووضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها يفتح بابا من العلم بإعجاز القرآن والله المستعان . وما هو أي : تعميره ، بمزحزحه والزحزحة : إبعاد الشيء المستثقل المترامي لما يبعد عنه ، قاله . الحرالي من العذاب [ ص: 64 ] أي : زحزحة مبتدأة من العذاب ، وعبر بمن دون عن إعلاما بأنهم لم يفارقوا العذاب دنيا ولا آخرة ، وإن لم يحسوا به في الدنيا ، ثم فسر الضمير بقوله : أن يعمر إنما تزحزحه الطاعة المقرونة بالإيمان الصحيح الذي ليس فيه تفرقة . ولما كان التقدير : لأنهم يعملون في أعمارهم الأعمال السيئة المحيطة ، عطف عليه قوله : والله الذي له الأمر كله بصير بما يعملون