ولما انقضى توبيخهم على إيمانهم بالباطل؛ وكفرانهم بالحق؛ وما استتبعه؛ وختم بأمر الساعة؛ عطف على قوله (تعالى): "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا"؛ ما هو من أدلة الساعة؛ وكمال القدرة؛ والفعل بالاختيار من النشأة الأولى؛ فقال (تعالى): والله ؛ أي: الذي له العظمة كلها [ ص: 222 ] أخرجكم ؛ بعلمه وقدرته؛ من بطون أمهاتكم ؛ والذي أخرجكم منها قادر على إخراجكم من بطن الأرض؛ بلا فارق؛ بل بطريق الأولى؛ حال كونكم عند الإخراج؛ لا تعلمون شيئا ؛ من الأشياء؛ قل أو جل؛ وعطف على "أخرجكم"؛ قوله: وجعل لكم ؛ بذلك أيضا؛ السمع والأبصار والأفئدة ؛ آلات؛ لإزالة الجهل؛ الذي وقعت الولادة عليه؛ وفتق مواضعها؛ وسواها؛ وعدلها وأنتم في البطون؛ حيث لا تصل إليه يده؛ ولا يتمكن من شق شيء منه بآلة؛ فالذي قدر على ذلك في البطون إبداعا؛ قادر على إعادته في بطن الأرض؛ بل بطريق الأولى؛ ولعله جمعهما دون السمع؛ لأن التفاوت فيهما أكثر من التفاوت فيه؛ بما لا يعلمه إلا الله; و"الأفئدة"؛ هي القلوب؛ التي هيأها للفهم؛ وإصلاح البدن؛ بما أودعها من الحرارة اللطيفة؛ القابلة للمعاني الدقيقة؛ لعلكم تشكرون ؛ أي: لتصيروا - بمعارف القلوب التي وهبكموها؛ إذا سمعتم المواعظ وأبصرتم الآيات - في حال يرجى فيها شكركم؛ لما أفاض عليكم من لطائف صنعه؛ بأن تعرفوا ما له من العلم؛ والقدرة؛ وحسن التعرف؛ فتعترفوا له بجميع ما أتتكم به رسله؛ وأهمه [ ص: 223 ] الذي تبنى عليه جميع مقاصد الأصول؛ أن المنعم عليكم بهذه النعم إله واحد؛ عالم بكل شيء؛ قادر على كل شيء؛ فاعل بالاختيار؛ وأن الطبائع من جملة مقدوراته؛ لا فعل لها إلا بتصريفه.