ولما أخبرهم سبحانه وتعالى بإيجاب القتال عليهم مرسلا في جميع الأوقات وكان قد أمرهم فيما مضى بقتلهم حيث ثقفوهم ثم قيد عليهم في القتال في
المسجد الحرام كان بحيث يسأل هنا: هل
[ ص: 225 ] الأمر في
الحرم والحرام كما مضى أم لا؟ وكان المشركون قد نسبوهم في سرية
عبد الله بن جحش التي قتلوا فيها من المشركين
عمرو بن الحضرمي إلى
nindex.php?page=treesubj&link=8193التعدي بالقتال في الشهر الحرام واشتد تعييرهم لهم به فكان موضع السؤال: هل سألوا عما عيرهم به الكفار من ذلك؟ فقال مخبرا عن سؤالهم مبينا لحالهم:
nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30501_30515_30539_30551_30857_31788_32024_32361_32495_33478_34134_34200_34330_34370_8193_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك أي أهل الإسلام لا سيما أهل سرية
عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عن [ ص: 223 ] الشهر الحرام فلم يعين الشهر وهو رجب ليكون أعم، وسميت
الحرم لتعظيم حرمتها حتى حرموا القتال فيها، فأبهم المراد من السؤال ليكون للنفس إليه التفات ثم بينه ببدل الاشتمال في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قتال فيه ثم أمر بالجواب في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قل قتال فيه أي قتال كان فالمسوغ العموم.
ولما كان مطلق القتال فيه في زعمهم لا يجوز حتى ولا لمستحق القتل وكان في الواقع القتال عدوانا فيه أكبر منه في غيره قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كبير أي في الجملة.
ولما كان من المعلوم أن المؤمنين في غاية السعي في تسهيل سبيل الله فليسوا من الصد عنه ولا من الكفر في شيء لم يشكل أن ما بعده كلام مبتدأ هو للكفار وهو قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وصد أي صد كان
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عن سبيل الله الملك الذي له الأمر كله أي الذي هو دينه الموصل إليه أي إلى رضوانه، أو
البيت الحرام فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الحج سبيل الله.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : والصد صرف إلى ناحية بإعراض وتكره، والسبيل طريق الجادة السابلة عليه الظاهر لكل سالك
[ ص: 227 ] منهجه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وكفر به أي كفر كان، أي بالدين، أو بذلك الصد أي بسببه فإنه كفر إلى كفرهم، وحذف الخبر لدلالة ما بعده عليه دلالة بينة لمن أمعن النظر وهو أكبر أي من القتال في الشهر الحرام، والتقييد فيما يأتي بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عند الله يدل على ما فهمته من أن المراد بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كبير في زعمهم وفي الجملة لا أنه من الكبائر.
ولما كان في تقدم
nindex.php?page=treesubj&link=8193الإذن بالقتال في الشهر الحرام وفي
المسجد الحرام بشرط كما مضى كان مما يوجب السؤال عن القتال فيه في الجملة بدون ذلك الشرط أو بغيره توقعا للإطلاق لا سيما والسرية التي كانت سببا لنزول هذه الآية وهي سرية
عبد الله بن جحش كان الكلام فيها كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق عن الأمرين كليهما فإنه قال: إنهم لقوا الكفار الذين قتلوا منهم وأسروا وأخذوا عيرهم في آخر يوم من رجب فهابوهم فلطفوا لهم حتى سكنوا فتشاوروا في أمرهم وقالوا: لئن تركتموهم
[ ص: 228 ] هذه الليلة ليدخلن
الحرم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فترددوا ثم شجعوا أنفسهم ففعلوا ما فعلوا فعيرهم المشركون بذلك فاشتد تعييرهم لهم واشتد قلق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لا سيما أهل السرية من ذلك ولا شك أنهم أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بكل ذلك فإخبارهم له على هذه الصورة كاف في عدة سؤالاتهم فضلا عن دلالة ما مضى على التشوف إلى السؤال عنه لما كان ذلك قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217والمسجد أي ويسألونك عن
المسجد nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217الحرام أي
الحرم الذي هو للصلاة والعبادة بالخضوع لا لغير ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قتال فيه قل قتال فيه كبير عندكم على نحو ما مضى ثم ابتدأ قائلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وإخراج كما ابتدأ قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وصد عن سبيل الله وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217أهله أي
المسجد الذي كتبه الله لهم في القدم وهم أولى الناس به
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217منه أكبر أي من القتال في الشهر الحرام خطأ وبناء على الظن والقتل فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عند الله أي المحيط بكل شيء قدرة وعلما
[ ص: 229 ] فقد حذف من كل جملة ما دل عليه ما ثبت في الأخرى فهو من وادي الاحتباك، وسر ما صنع في هذا الموضع من الاحتباك أنه لما كان القتال في الشهر الحرام قد وقع من المسلمين حين هذا السؤال في سرية
عبد الله بن جحش أبرز السؤال عنه والجواب، ولما كان القتال في
المسجد الحرام لم يقع بعد وسيقع من المسلمين أيضا عام الفتح طواه وأضمره، ولما كان الصد عن سبيل الله الذي هو
البيت والكفر الواقع بسببه لم يقع وسيقع من الكفار عام
الحديبية أخفى خبره وقدره، ولما كان الإخراج قد وقع منهم ذكر خبره وأظهره; فأظهر سبحانه وتعالى ما أبرزه على يد الحدثان، وأضمر ما أضمره في صدر الزمان، وصرح بما صرح به لسان الواقع، ولوح إلى ما لوح إليه صارم الفتح القاطع - والله الهادي.
والمراد
بالمسجد الحرام الحرم كله، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي من أصحابنا: كل موضع ذكر الله فيه
المسجد الحرام فالمراد به
الحرم إلا قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فول وجهك شطر المسجد الحرام فإن المراد به
الكعبة - نقله عن
ابن الملقن .
وقال غيره: إنه يطلق أيضا على نفس
مكة مثل
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا [ ص: 227 ] من المسجد الحرام فإن في بعض طرق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650336فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست - إلى أن قال: ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء ويطلق أيضا على نفس المسجد نحو قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد
ولما كان كل ما تقدم من أمر الكفار فتنة كان كأنه قيل: أكبر، لأن ذلك فتنة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217والفتنة أي بالكفر والتكفير بالصد والإخراج وسائر أنواع الأذى التي ترتكبونها بأهل الله في
الحرم والأشهر الحرم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217أكبر من القتل ولو كان في الشهر الحرام لأن همه يزول وغمها يطول.
ولما كان التقدير: وقد فتنوكم وقاتلوكم وكان الله سبحانه وتعالى عالما بأنهم إن تراخوا في قتالهم ليتركوا الكفر لم يتراخوا هم في قتالهم
[ ص: 231 ] ليتركوا الإسلام وكان أشد الأعداء من إذا تركته لم يتركك قال تعالى عاطفا على ما قدرته:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ولا يزالون أي الكفار
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يقاتلونكم أي يجددون قتالكم كلما لاحت لهم فرصة.
ولما كان قتالهم إنما هو لتبديل الدين الحق بالباطل علله تعالى بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حتى ولكنهم لما كانوا يقدرون أنه هين عليهم لقلة المسلمين وضعفهم تصوروه غاية لا بد من انتهائهم إليها، فدل على ذلك بالتعبير بأداة الغاية،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يردوكم أي كافة ما بقي منكم واحد
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عن دينكم الحق، ونبه على أن
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حتى تعليلية بقوله مخوفا من التواني عنهم فيستحكم كيدهم ملهبا للأخذ في الجد في حربهم وإن كان يشعر بأنهم لا يستطيعون:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217إن استطاعوا أي إلى ذلك سبيلا،
[ ص: 232 ] فأنتم أحق بأن لا تزالوا كذلك، لأنكم قاطعون بأنكم على الحق وأنكم منصورون وأنهم على الباطل وهم مخذولون; ولا بد وإن طال المدى لاعتمادكم على الله واعتمادهم على قوتهم، ومن وكل إلى نفسه ضاع; فالأمر الذي بينكم وبينهم أشد من الكلام فينبغي الاستعداد له بعدته والتأهب له بأهبته فضلا عن أن يلتفت إلى التأثر بكلامهم الذي توحيه إليهم الشياطين طعنا في الدين وصدا عن السبيل وشبههم التي أضلوا عليهم دينهم ولا أصل لها، وفي الآية إشارة إلى ما وقع من الردة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن القتال على الدين لم ينقض إلا بعد الفروغ من أمرهم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : الاستطاعة مطاوعة النفس في العمل وإعطاؤها الانقياد فيه، ثم قال: فيه إشعار بأن طائفة ترتد عن دينها وطائفة تثبت، لأن كلام الله لا يخرج في بته واشتراطه إلا لمعنى واقع لنحو ما ويوضحه تصريح الخطاب في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ومن يرتدد إلى آخره; وهو من الردة ومنه الردة وهو كف بكره لما شأنه الإقبال بوفق - انتهى.
وكان صيغة الافتعال المؤذنة بالتكلف والعلاج إشارة إلى أن الدين لا يرجع عنه إلا بإكراه النفس لما في مفارقة الإلف من الألم; وإجماع القراء على الفك هنا للإشارة إلى أن الحبوط
[ ص: 233 ] مشروط بالكفر ظاهرا باللسان وباطنا بالقلب فهو مليح بالعفو عن نطق اللسان مع طمأنينة القلب، وأشارت قراءة الإدغام في المائدة إلى أن الصبر أرفع درجة من الإجابة باللسان وإن كان القلب مطمئنا.
ولما حماهم سبحانه وتعالى بإضافة الدين إليهم بأنهم يريدون سلبهم ما اختاروه لأنفسهم لحقيته وردهم قهرا إلى ما رغبوا عنه لبطلانه خوفهم من التراخي عنهم حتى يصلوا إلى ذلك فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217ومن يرتدد منكم أي يفعل ما يقصدونه من الردة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عن دينه وعطف على الشرط قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فيمت أي فيتعقب ردته أنه يموت
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وهو أي
[ ص: 234 ] والحال أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كافر
ولما أفرد الضمير على اللفظ نصا على كل فرد فرد جمع لأن إخزاء الجمع إخزاء لكل فرد منهم ولا عكس، وقرنه بفاء السبب إعلاما بأن سوء أعمالهم هو السبب في وبالهم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فأولئك البعداء البغضاء
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حبطت أعمالهم أي بطلت معانيها وبقيت صورها; من حبط الجرح إذا برأ ونفي أثره.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : من الحبط وهو فساد في الشيء الصالح يأتي عليه من وجه يظن به صلاحه وهو في الأعمال بمنزلة البطح في الشيء القائم الذي يقعده عن قيامه كذلك الحبط في الشيء الصالح يفسده عن وهم صلاحه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217في الدنيا بزوال ما فيها من روح الأنس بالله سبحانه وتعالى ولطيف الوصلة به وسقوط إضافتها إليهم إلا مقرونة ببيان حبوطها فقط بطل ما كان لها من الإقبال من الحق
[ ص: 235 ] والتعظيم من الخلق
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217والآخرة بإبطال ما كان يستحق عليها من الثواب بصادق الوعد.
ولما كانت
nindex.php?page=treesubj&link=9926الردة أقبح أنواع الكفر كرر المناداة بالبعد على أهلها فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وأولئك أصحاب النار فدل بالصحبة على أنهم أحق الناس بها فهم غير منفكين منها.
ولما كانوا كذلك كانوا كأنهم المختصون بها دون غيرهم لبلوغ ما لهم فيها من السفول إلى حد لا يوازيه غيره فتكون لذلك اللحظ لهم بالأيام من غيرهم فقال تقريرا للجملة التي قبلها:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217هم فيها خالدون أي مقيمون إقامة لا آخر لها، وهذا الشرط ملوح إلى ما وقع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم من الردة لأن الله سبحانه وتعالى إذا ساق شيئا مساق الشرط اقتضى أنه سيقع شيء منه فيكون المعنى: ومن يرتد فيتب عن ردته يتب الله عليه كما وقع لأكثرهم، وكان التعبير بما قد يفيد الاختصاص إشارة إلى أن عذاب غيرهم
[ ص: 236 ] عدم بالنسبة إلى عذابهم لأن كفرهم أفحش أنواع الكفر.
وَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِيجَابِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ مُرْسَلًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ فِيمَا مَضَى بِقَتْلِهِمْ حَيْثُ ثَقِفُوهُمْ ثُمَّ قَيَّدَ عَلَيْهِمْ فِي الْقِتَالِ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَانَ بِحَيْثُ يَسْأَلُ هُنَا: هَلِ
[ ص: 225 ] الْأَمْرُ فِي
الْحَرَمِ وَالْحَرَامِ كَمَا مَضَى أَمْ لَا؟ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ نَسَبُوهُمْ فِي سُرِّيَّةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الَّتِي قَتَلُوا فِيهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=8193التَّعَدِّي بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَاشْتَدَّ تَعْيِيرُهُمْ لَهُمْ بِهِ فَكَانَ مَوْضِعُ السُّؤَالِ: هَلْ سَأَلُوا عَمَّا عَيَّرَهُمْ بِهِ الْكُفَّارُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ سُؤَالِهِمْ مُبَيِّنًا لِحَالِهِمْ:
nindex.php?page=treesubj&link=30431_30437_30501_30515_30539_30551_30857_31788_32024_32361_32495_33478_34134_34200_34330_34370_8193_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ أَيْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا سِيَّمَا أَهْلَ سُرِّيَّةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عَنِ [ ص: 223 ] الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَلَمْ يُعَيِّنِ الشَّهْرَ وَهُوَ رَجَبٌ لِيَكُونَ أَعَمَّ، وَسُمِّيَتِ
الْحُرُمَ لِتَعْظِيمِ حُرْمَتِهَا حَتَّى حَرَّمُوا الْقِتَالَ فِيهَا، فَأَبْهَمَ الْمُرَادُ مِنَ السُّؤَالِ لِيَكُونَ لِلنَّفْسِ إِلَيْهِ الْتِفَاتٌ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِبَدَلِ الِاشْتِمَالِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قِتَالٍ فِيهِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قُلْ قِتَالٌ فِيهِ أَيَّ قِتَالٍ كَانَ فَالْمُسَوِّغُ الْعُمُومُ.
وَلَمَّا كَانَ مُطْلَقُ الْقِتَالِ فِيهِ فِي زَعْمِهِمْ لَا يَجُوزُ حَتَّى وَلَا لِمُسْتَحَقِّ الْقَتْلِ وَكَانَ فِي الْوَاقِعِ الْقِتَالُ عُدْوَانًا فِيهِ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كَبِيرٌ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَايَةِ السَّعْيِ فِي تَسْهِيلِ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَيْسُوا مِنَ الصَّدِّ عَنْهُ وَلَا مِنَ الْكُفْرِ فِي شَيْءٍ لَمْ يُشْكِلْ أَنَّ مَا بَعْدَهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ هُوَ لِلْكُفَّارِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَصَدٌّ أَيَّ صَدٍّ كَانَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْمَلِكِ الَّذِي لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ أَيِ الَّذِي هُوَ دِينُهُ الْمُوصِلُ إِلَيْهِ أَيْ إِلَى رِضْوَانِهِ، أَوِ
الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى الْحَجَّ سَبِيلَ اللَّهِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : وَالصَّدُّ صَرْفٌ إِلَى نَاحِيَةٍ بِإِعْرَاضٍ وَتَكَرُّهٍ، وَالسَّبِيلُ طَرِيقُ الْجَادَّةِ السَّابِلَةِ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ لِكُلِّ سَالِكٍ
[ ص: 227 ] مَنْهَجُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَكُفْرٌ بِهِ أَيَّ كُفْرٍ كَانَ، أَيْ بِالدِّينِ، أَوْ بِذَلِكَ الصَّدِّ أَيْ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ كُفْرٌ إِلَى كُفْرِهِمْ، وَحُذِفَ الْخَبَرُ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ دَلَالَةً بَيِّنَةً لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَهُوَ أَكْبَرُ أَيْ مِنَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالتَّقْيِيدُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عِنْدَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى مَا فَهِمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كَبِيرٌ فِي زَعْمِهِمْ وَفِي الْجُمْلَةِ لَا أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ.
وَلَمَّا كَانَ فِي تَقَدُّمِ
nindex.php?page=treesubj&link=8193الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِشَرْطٍ كَمَا مَضَى كَانَ مِمَّا يُوجِبُ السُّؤَالَ عَنِ الْقِتَالِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ أَوْ بِغَيْرِهِ تَوَقُّعًا لِلْإِطْلَاقِ لَا سِيَّمَا وَالسُّرِّيَّةُ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ سُرِّيَّةُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُمْ لَقُوا الْكُفَّارَ الَّذِينَ قَتَلُوا مِنْهُمْ وَأَسَرُوا وَأَخَذُوا عِيرَهُمْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَهَابُوهُمْ فَلَطُفُوا لَهُمْ حَتَّى سَكَنُوا فَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا: لَئِنْ تَرَكْتُمُوهُمْ
[ ص: 228 ] هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلُنَّ
الْحَرَمَ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنَّهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَتَرَدَّدُوا ثُمَّ شَجَّعُوا أَنْفُسَهُمْ فَفَعَلُوا مَا فَعَلُوا فَعَيَّرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ فَاشْتَدَّ تَعْيِيرُهُمْ لَهُمْ وَاشْتَدَّ قَلَقُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ لَا سِيَّمَا أَهْلَ السُّرِّيَّةِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ ذَلِكَ فَإِخْبَارُهُمْ لَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ كَافٍ فِي عِدَّةِ سُؤَالَاتِهِمْ فَضْلًا عَنْ دَلَالَةِ مَا مَضَى عَلَى التَّشَوُّفِ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَالْمَسْجِدِ أَيْ وَيَسْأَلُونَك عَنِ
الْمَسْجِدِ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217الْحَرَامِ أَيِ
الْحَرَمِ الَّذِي هُوَ لِلصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ بِالْخُضُوعِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ عِنْدَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا مَضَى ثُمَّ ابْتَدَأَ قَائِلًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَإِخْرَاجُ كَمَا ابْتَدَأَ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217أَهْلِهِ أَيِ
الْمَسْجِدِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي الْقِدَمِ وَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217مِنْهُ أَكْبَرُ أَيْ مِنَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ خَطَأٌ وَبِنَاءٌ عَلَى الظَّنِّ وَالْقَتْلِ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عِنْدَ اللَّهِ أَيِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وَعِلْمًا
[ ص: 229 ] فَقَدْ حَذَفَ مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ فِي الْأُخْرَى فَهُوَ مِنْ وَادِي الِاحْتِبَاكِ، وَسِرُّ مَا صَنَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الِاحْتِبَاكِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ قَدْ وَقَعَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ هَذَا السُّؤَالِ فِي سُرِّيَّةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ أَبْرَزَ السُّؤَالَ عَنْهُ وَالْجَوَابَ، وَلَمَّا كَانَ الْقِتَالُ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ وَسَيَقَعُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا عَامَ الْفَتْحِ طَوَاهُ وَأَضْمَرَهُ، وَلَمَّا كَانَ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ
الْبَيْتُ وَالْكُفْرُ الْوَاقِعُ بِسَبَبِهِ لَمْ يَقَعْ وَسَيَقَعُ مِنَ الْكُفَّارِ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ أَخْفَى خَبَرَهُ وَقَدَّرَهُ، وَلَمَّا كَانَ الْإِخْرَاجُ قَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ ذَكَرَ خَبَرَهُ وَأَظْهَرَهُ; فَأَظْهَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا أَبْرَزَهُ عَلَى يَدِ الْحَدَثَانِ، وَأَضْمَرَ مَا أَضْمَرَهُ فِي صَدْرِ الزَّمَانِ، وَصَرَّحَ بِمَا صَرَّحَ بِهِ لِسَانُ الْوَاقِعِ، وَلَوَّحَ إِلَى مَا لَوَّحَ إِلَيْهِ صَارِمُ الْفَتْحِ الْقَاطِعِ - وَاللَّهُ الْهَادِي.
وَالْمُرَادُ
بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْحَرَمُ كُلُّهُ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: كُلُّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَالْمُرَادُ بِهِ
الْحَرَمُ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ
الْكَعْبَةُ - نَقَلَهُ عَنِ
ابْنِ الْمُلَقِّنِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى نَفْسِ
مَكَّةَ مِثْلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا [ ص: 227 ] مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650336فُرِّجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ - إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى نَفْسِ الْمَسْجِدِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ
وَلَمَّا كَانَ كُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ الْكُفَّارِ فِتْنَةً كَانَ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَكْبَرُ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِتْنَةٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَالْفِتْنَةُ أَيْ بِالْكُفْرِ وَالتَّكْفِيرِ بِالصَّدِّ وَالْإِخْرَاجِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَذَى الَّتِي تَرْتَكِبُونَهَا بِأَهْلِ اللَّهِ فِي
الْحَرَمِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَوْ كَانَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لِأَنَّ هَمَّهُ يَزُولُ وَغَمَّهَا يَطُولُ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: وَقَدْ فَتَنُوكُمْ وَقَاتَلُوكُمْ وَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمًا بِأَنَّهُمْ إِنْ تَرَاخَوْا فِي قِتَالِهِمْ لِيَتْرُكُوا الْكُفْرَ لَمْ يَتَرَاخَوْا هُمْ فِي قِتَالِهِمْ
[ ص: 231 ] لِيَتْرُكُوا الْإِسْلَامَ وَكَانَ أَشَدُّ الْأَعْدَاءِ مَنْ إِذَا تَرَكْتَهُ لَمْ يَتْرُكْكَ قَالَ تَعَالَى عَاطِفًا عَلَى مَا قَدَّرْتَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَلا يَزَالُونَ أَيِ الْكُفَّارُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يُقَاتِلُونَكُمْ أَيْ يُجَدِّدُونَ قِتَالَكُمْ كُلَّمَا لَاحَتْ لَهُمْ فُرْصَةٌ.
وَلَمَّا كَانَ قِتَالُهُمْ إِنَّمَا هُوَ لِتَبْدِيلِ الدِّينِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ عَلَّلَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حَتَّى وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا يُقَدِّرُونَ أَنَّهُ هَيِّنٌ عَلَيْهِمْ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَضَعْفِهِمْ تَصَوَّرُوهُ غَايَةً لَا بُدَّ مِنِ انْتِهَائِهِمْ إِلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِأَدَاةِ الْغَايَةِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَرُدُّوكُمْ أَيْ كَافَّةً مَا بَقِيَ مِنْكُمْ وَاحِدٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عَنْ دِينِكُمْ الْحَقِّ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ بِقَوْلِهِ مُخَوِّفًا مِنَ التَّوَانِي عَنْهُمْ فَيَسْتَحْكِمُ كَيْدُهُمْ مُلْهِبًا لِلْأَخْذِ فِي الْجِدِّ فِي حَرْبِهِمْ وَإِنْ كَانَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217إِنِ اسْتَطَاعُوا أَيْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا،
[ ص: 232 ] فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِأَنْ لَا تَزَالُوا كَذَلِكَ، لِأَنَّكُمْ قَاطِعُونَ بِأَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ وَهُمْ مَخْذُولُونَ; وَلَا بُدَّ وَإِنْ طَالَ الْمَدَى لِاعْتِمَادِكُمْ عَلَى اللَّهِ وَاعْتِمَادِهِمْ عَلَى قُوَّتِهِمْ، وَمَنْ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ ضَاعَ; فَالْأَمْرُ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ أَشَدُّ مِنَ الْكَلَامِ فَيَنْبَغِي الِاسْتِعْدَادُ لَهُ بِعُدَّتِهِ وَالتَّأَهُّبُ لَهُ بِأُهْبَتِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَى التَّأَثُّرِ بِكَلَامِهِمُ الَّذِي تُوحِيهِ إِلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ طَعْنًا فِي الدِّينِ وَصَدًّا عَنِ السَّبِيلِ وَشُبَهِهِمُ الَّتِي أَضَلُّوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَا أَصْلَ لَهَا، وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ مِنَ الرِّدَّةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْقِتَالَ عَلَى الدِّينِ لَمْ يَنْقَضِ إِلَّا بَعْدَ الْفُرُوغِ مِنْ أَمْرِهِمْ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : الِاسْتِطَاعَةُ مُطَاوَعَةُ النَّفْسِ فِي الْعَمَلِ وَإِعْطَاؤُهَا الِانْقِيَادَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ طَائِفَةً تَرْتَدُّ عَنْ دِينِهَا وَطَائِفَةً تَثْبُتُ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يَخْرُجُ فِي بَتِّهِ وَاشْتِرَاطِهِ إِلَّا لِمَعْنًى وَاقِعٍ لِنَحْوٍ مَا وَيُوَضِّحُهُ تَصْرِيحُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَمَنْ يَرْتَدِدْ إِلَى آخِرِهِ; وَهُوَ مِنَ الرِّدَّةِ وَمِنْهُ الرِّدَّةُ وَهُوَ كَفٌّ بِكُرْهٍ لِمَا شَأْنُهُ الْإِقْبَالُ بِوَفْقٍ - انْتَهَى.
وَكَانَ صِيغَةُ الِافْتِعَالِ الْمُؤْذِنَةِ بِالتَّكَلُّفِ وَالْعِلَاجِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الدِّينَ لَا يُرْجَعُ عَنْهُ إِلَّا بِإِكْرَاهِ النَّفْسِ لِمَا فِي مُفَارَقَةِ الْإِلْفِ مِنَ الْأَلَمِ; وَإِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ عَلَى الْفَكِّ هُنَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْحُبُوطَ
[ ص: 233 ] مَشْرُوطٌ بِالْكُفْرِ ظَاهِرًا بِاللِّسَانِ وَبَاطِنًا بِالْقَلْبِ فَهُوَ مُلِيحٌ بِالْعَفْوِ عَنْ نُطْقِ اللِّسَانِ مَعَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَأَشَارَتْ قِرَاءَةُ الْإِدْغَامِ فِي الْمَائِدَةِ إِلَى أَنَّ الصَّبْرَ أَرْفَعُ دَرَجَةٍ مِنَ الْإِجَابَةِ بِاللِّسَانِ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ مُطْمَئِنًّا.
وَلَمَّا حَمَاهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِضَافَةِ الدِّينِ إِلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ سَلْبَهُمْ مَا اخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ لِحَقِّيَّتِهِ وَرَدِّهُمْ قَهْرًا إِلَى مَا رَغِبُوا عَنْهُ لِبُطْلَانِهِ خَوَّفَهُمْ مِنَ التَّرَاخِي عَنْهُمْ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ أَيْ يَفْعَلُ مَا يَقْصِدُونَهُ مِنَ الرِّدَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217عَنْ دِينِهِ وَعَطَفَ عَلَى الشَّرْطِ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فَيَمُتْ أَيْ فَيَتَعَقَّبُ رِدَّتَهُ أَنَّهُ يَمُوتُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَهُوَ أَيْ
[ ص: 234 ] وَالْحَالُ أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217كَافِرٌ
وَلَمَّا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ عَلَى اللَّفْظِ نَصًّا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ جَمَعَ لِأَنَّ إِخْزَاءَ الْجَمْعِ إِخْزَاءٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ وَلَا عَكْسَ، وَقَرَنَهُ بِفَاءِ السَّبَبِ إِعْلَامًا بِأَنَّ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ هُوَ السَّبَبُ فِي وَبَالِهِمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فَأُولَئِكَ الْبُعَدَاءُ الْبَغْضَاءُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ أَيْ بَطَلَتْ مَعَانِيهَا وَبَقِيَتْ صُوَرُهَا; مِنْ حَبِطَ الْجُرْحُ إِذَا بَرَأَ وَنُفِيَ أَثَرُهُ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : مِنَ الْحَبَطِ وَهُوَ فَسَادٌ فِي الشَّيْءِ الصَّالِحِ يَأْتِي عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ يُظَنُّ بِهِ صَلَاحُهُ وَهُوَ فِي الْأَعْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الْبَطْحِ فِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ الَّذِي يُقْعِدُهُ عَنْ قِيَامِهِ كَذَلِكَ الْحَبَطُ فِي الشَّيْءِ الصَّالِحِ يُفْسِدُهُ عَنْ وَهْمِ صَلَاحِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217فِي الدُّنْيَا بِزَوَالِ مَا فِيهَا مِنْ رُوحِ الْأُنْسِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَطِيفِ الْوُصْلَةِ بِهِ وَسُقُوطِ إِضَافَتِهَا إِلَيْهِمْ إِلَّا مَقْرُونَةً بِبَيَانِ حُبُوطِهَا فَقَطْ بَطَلَ مَا كَانَ لَهَا مِنَ الْإِقْبَالِ مِنَ الْحَقِّ
[ ص: 235 ] وَالتَّعْظِيمِ مِنَ الْخَلْقِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَالآخِرَةِ بِإِبْطَالِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ بِصَادِقِ الْوَعْدِ.
وَلَمَّا كَانَتِ
nindex.php?page=treesubj&link=9926الرِّدَّةُ أَقْبَحَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ كَرَّرَ الْمُنَادَاةَ بِالْبُعْدِ عَلَى أَهْلِهَا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ فَدَلَّ بِالصُّحْبَةِ عَلَى أَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا فَهُمْ غَيْرُ مُنْفَكِّينَ مِنْهَا.
وَلَمَّا كَانُوا كَذَلِكَ كَانُوا كَأَنَّهُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ لِبُلُوغِ مَا لَهُمْ فِيهَا مِنَ السُّفُولِ إِلَى حَدٍّ لَا يُوَازِيهِ غَيْرُهُ فَتَكُونُ لِذَلِكَ اللَّحْظِ لَهُمْ بِالْأَيَّامِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَقَالَ تَقْرِيرًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أَيْ مُقِيمُونَ إِقَامَةً لَا آخِرَ لَهَا، وَهَذَا الشَّرْطُ مُلَوِّحٌ إِلَى مَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّدَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا سَاقَ شَيْئًا مَسَاقَ الشَّرْطِ اقْتَضَى أَنَّهُ سَيَقَعُ شَيْءٌ مِنْهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَمَنْ يَرْتَدَّ فَيَتُبْ عَنْ رِدَّتِهِ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ لِأَكْثَرِهِمْ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِمَا قَدْ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ عَذَابَ غَيْرِهِمْ
[ ص: 236 ] عَدَمٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَذَابِهِمْ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ.