[ ص: 386 ] ولما كانت أقوالهم في أمر القرآن قد اضطربت، والاضطراب من أمارات الباطل، وكان وصفهم له بأنه سحر مما يهول السامع ويعلم منه أنه معجز، فربما أدى إلى الاستبصار في أمره، أخبر أنهم نزلوا به عن رتبة السحر على سبيل الاضطراب فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31788_32024_32408_34199_34200_34202_34207_34214_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بل قالوا أي عن هذا الذكر الحكيم أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5أضغاث أحلام أي تخاليط نائم مبناه الباطل وإن كان ربما صدق بالإخبار ببعض المغيبات التي كشف الزمان عن أنها كما أخبر القرآن، ثم نزلوا عن ذلك إلى وصف موجب لأعظم النفرة عنه [و -] عمن ظهر عنه فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بل افتراه [أي -] تعمد وصفه من عند نفسه ونسبه إلى الله.
ولما كان ذلك لا ينافي كون مضمونه صادقا في نفسه، قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بل هو شاعر أي يخيل ما لا حقيقة له كغيره من الشعراء، نتربص به ريب المنون لأنه بشر كما تقدم، فلا بد أن يموت ونستريح بعد موته، وإليه أشار في آخر التي قبلها
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=135قل كل متربص إلى آخره، فاضطربت أقوالهم وعولوا أخيرا على قريب من السحر في نفي الحقيقة.
ولما كانوا يصفون القرآن بجميع هذه الأوصاف جملة، يقولون لكل شخص ما رأوه أنسب له منها، نبه الله سبحانه كل من له لب على بطلانها كلها بتناقضها بحرف الإضراب إشارة إلى أنه كان يجب على
[ ص: 387 ] من قالها على قلة عقله وعدم حيائه أن لا ينتقل إلى قول منها إلا بعد الإعراض عن الذي قبله، وأنه مما يضرب عنه لكونه غلطا، ما قيل إلا عن سبق لسان وعدم تأمل، سترا لعناده وتدليسا لفجوره، ولو فعل ذلك لكانت جديرة بانكشاف بطلانها بمجرد الانتقال فكيف عند اجتماعها. ولما كانت نسبته إلى الشعر أضعفها شأنا، وأوضحها بطلانا، لم يحتج إلى إضراب عنه، وعبروا في الأضغاث بوصف القرآن تأكيدا لعيبه، وفي الافتراء والشعر بوصفه صلى الله عليه وسلم لذلك.
ولما أنتج لهم ذلك على زعمهم القدح في أعظم المعجزات، سببوا عن هذا القدح طلب آية فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5فليأتنا أي دليلا على رسالته
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بآية أي لأنا قد بينا بطعننا أن القرآن ليس بآية; ثم خيلوا النصفة بقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5كما أي مثل ما، وبنوا الفعل للمفعول إشارة إلى أنه متى صحت الرسالة كان ذلك بزعمهم من غير تخلف لشيء أصلا فقالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5أرسل الأولون أي بالآيات مثل تسبيح الجبال، وتسخير الريح، وتفجير الماء، وإحياء الموتى، وهذا تناقض آخر في اعترافهم برسالة الأولين مع معرفتهم أنهم بشر، وإنكارهم رسالته صلى الله عليه وسلم لكونه بشرا، ولم يستحيوا بعد التناقض من المكابرة فيما أتاهم به من
[ ص: 388 ] انشقاق القمر، وتسبيح الحصى، ونبع الماء، والقرآن المعجز، مع كونه أميا - إلى غير ذلك.
[ ص: 386 ] وَلَمَّا كَانَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ قَدِ اضْطَرَبَتْ، وَالِاضْطِرَابُ مِنْ أَمَارَاتِ الْبَاطِلِ، وَكَانَ وَصْفُهُمْ لَهُ بِأَنَّهُ سِحْرٌ مِمَّا يَهُولُ السَّامِعَ وَيَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُعْجِزٌ، فَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى الِاسْتِبْصَارِ فِي أَمْرِهِ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ نَزَلُوا بِهِ عَنْ رُتْبَةِ السِّحْرِ عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَابِ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31788_32024_32408_34199_34200_34202_34207_34214_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بَلْ قَالُوا أَيْ عَنْ هَذَا الذِّكْرِ الْحَكِيمِ أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5أَضْغَاثُ أَحْلامٍ أَيْ تَخَالِيطُ نَائِمٍ مَبْنَاهُ الْبَاطِلُ وَإِنْ كَانَ رُبَّمَا صَدَقَ بِالْإِخْبَارِ بِبَعْضِ الْمُغَيَّبَاتِ الَّتِي كَشَفَ الزَّمَانُ عَنْ أَنَّهَا كَمَا أَخْبَرَ الْقُرْآنُ، ثُمَّ نَزَلُوا عَنْ ذَلِكَ إِلَى وَصْفٍ مُوجِبٍ لِأَعْظَمِ النَّفْرَةِ عَنْهُ [وَ -] عَمَّنْ ظَهَرَ عَنْهُ فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بَلِ افْتَرَاهُ [أَيْ -] تَعَمَّدَ وَصْفَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَنَسَبَهُ إِلَى اللَّهِ.
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَ مَضْمُونِهِ صَادِقًا فِي نَفْسِهِ، قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بَلْ هُوَ شَاعِرٌ أَيْ يُخَيِّلُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الشُّعَرَاءِ، نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ لِأَنَّهُ بَشَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ وَنَسْتَرِيحَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي آخِرِ الَّتِي قَبْلَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=135قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ إِلَى آخِرِهِ، فَاضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمْ وَعَوَّلُوا أَخِيرًا عَلَى قَرِيبٍ مِنَ السِّحْرِ فِي نَفْيِ الْحَقِيقَةِ.
وَلَمَّا كَانُوا يَصِفُونَ الْقُرْآنَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ جُمْلَةً، يَقُولُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ مَا رَأَوْهُ أَنْسَبَ لَهُ مِنْهَا، نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كُلَّ مَنْ لَهُ لُبٌّ عَلَى بُطْلَانِهَا كُلِّهَا بِتَنَاقُضِهَا بِحَرْفِ الْإِضْرَابِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى
[ ص: 387 ] مَنْ قَالَهَا عَلَى قِلَّةِ عَقْلِهِ وَعَدَمِ حَيَائِهِ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إِلَى قَوْلٍ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ مِمَّا يُضْرَبُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ غَلَطًا، مَا قِيلَ إِلَّا عَنْ سَبْقِ لِسَانٍ وَعَدَمِ تَأَمُّلٍ، سَتْرًا لِعِنَادِهِ وَتَدْلِيسًا لِفُجُورِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَكَانَتْ جَدِيرَةً بِانْكِشَافِ بُطْلَانِهَا بِمُجَرَّدِ الِانْتِقَالِ فَكَيْفَ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا. وَلَمَّا كَانَتْ نِسْبَتُهُ إِلَى الشِّعْرِ أَضْعَفَهَا شَأْنًا، وَأَوْضَحَهَا بُطْلَانًا، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِضْرَابٍ عَنْهُ، وَعَبَّرُوا فِي الْأَضْغَاثِ بِوَصْفِ الْقُرْآنِ تَأْكِيدًا لِعَيْبِهِ، وَفِي الِافْتِرَاءِ وَالشِّعْرِ بِوَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ.
وَلَمَّا أَنْتَجَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِهِمُ الْقَدْحَ فِي أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ، سَبَّبُوا عَنْ هَذَا الْقَدْحِ طَلَبَ آيَةٍ فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5فَلْيَأْتِنَا أَيْ دَلِيلًا عَلَى رِسَالَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5بِآيَةٍ أَيْ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا بِطَعْنِنَا أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِآيَةٍ; ثُمَّ خَيَّلُوا النَّصَفَةَ بِقَوْلِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5كَمَا أَيْ مِثْلُ مَا، وَبَنَوُا الْفِعْلَ لِلْمَفْعُولِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مَتَى صَحَّتِ الرِّسَالَةُ كَانَ ذَلِكَ بِزَعْمِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ لِشَيْءٍ أَصْلًا فَقَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=5أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ أَيْ بِالْآيَاتِ مِثْلِ تَسْبِيحِ الْجِبَالِ، وَتَسْخِيرِ الرِّيحِ، وَتَفْجِيرِ الْمَاءِ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَهَذَا تَنَاقُضٌ آخَرُ فِي اعْتِرَافِهِمْ بِرِسَالَةِ الْأَوَّلِينَ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ أَنَّهُمْ بَشَرٌ، وَإِنْكَارِهِمْ رِسَالَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ بَشَرًا، وَلَمْ يَسْتَحْيُوا بَعْدَ التَّنَاقُضِ مِنَ الْمُكَابَرَةِ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنَ
[ ص: 388 ] انْشِقَاقِ الْقَمَرِ، وَتَسْبِيحِ الْحَصَى، وَنَبْعِ الْمَاءِ، وَالْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ، مَعَ كَوْنِهِ أُمِّيًّا - إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.