لأملأن ؛ وما بينهما اعتراض مبين أن هذا مما لا يخلف أصلا؛ جهنم ؛ أي: النار العظيمة؛ التي من شأنها تجهم من حكم بدخوله إياها؛ منك ؛ أي: نفسك؛ وكل من كان على شاكلتك؛ من جنسك؛ من [ ص: 428 ] جميع الجن؛ وممن ؛ ولما كان الأغلب على سياقات هذه السورة سلامة العاقبة؛ كان توحيد الضمير في "تبع"؛ أولى؛ وليفهم الحكم على كل فرد؛ ثم الحكم على المجموع؛ فقال: تبعك ؛ ولما كان ربما قال متعنت: إن المالئ لجهنم من غير البشر؛ قال: منهم ؛ أي: الناس الذين طلبت الإمهال لأجلهم؛ وأكد ضمير "منك"؛ والموصول في "ممن"؛ بقوله: أجمعين ؛ لا تفاوت في ذلك بين أحد منكم؛ وهذا الخصام الذي بين - سبحانه - أنه كان بين الملإ الأعلى؛ كان سببا لهم إلى انكشاف علوم كثيرة؛ منها أن السجود؛ والتحيات؛ والاستغفار؛ والكفارات؛ سبب الوصول إلى الله؛ والقربات؛ فصاروا بعد ذلك يختصمون فيها؛ فكانت هذه القضية سببا لإطلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على أسرار الملك؛ والملكوت؛ وإلى ذلك الإشارة بالحديث الذي رواه ؛ أحمد - وقال: حسن غريب - والترمذي ؛ والدارمي ؛ في تفسيره؛ عن والبغوي - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ابن عباس محمد) ؛ قلت: لبيك ربي؛ وسعديك؛ قال: (هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟) ؛ فقلت: لا يا رب - وفي رواية: قلت: أنت أعلم أي رب "مرتين" - قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي - أو قال: نحري - فعلمت ما في السماوات وما في الأرض"؛ وفي رواية: ما بين المشرق والمغرب"؛ وفي رواية ؛ الدارمي : "ثم تلا هذه الآية: والبغوي وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ؛ قال: (يا محمد؛ هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟) ؛ قلت: نعم؛ في الدرجات؛ والكفارات؛ قال: (وما هن؟) ؛ قلت: المكث في المساجد بعد الصلوات؛ والمشي على الأقدام إلى الجماعات؛ وإسباغ الوضوء في المكاره - وفي رواية: "في السبرات -؛ وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ قال: (من فعل ذاك عاش بخير؛ ومات بخير؛ وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه) ؛ وقال: (يا محمد) ؛ قلت: لبيك وسعديك؛ قال: (إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات؛ وترك المنكرات؛ وحب المساكين؛ وأن تغفر لي؛ وترحمني؛ وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك [ ص: 430 ] غير مفتون) ؛ قال: (والدرجات: إفشاء السلام؛ وإطعام الطعام؛ والصلاة بالليل والناس نيام) ؛ قال "إني نعست؛ فاستثقلت [ ص: 429 ] نوما؛ فأتاني ربي - وفي رواية: آت من ربي - في أحسن صورة؛ فقال لي: (يا المنذري: الملأ الأعلى: الملائكة المقربون؛ و"السبرات"؛ بفتح السين المهملة؛ وسكون الباء الموحدة: جمع "سبرة"؛ وهي شدة البرد؛ وعزاه شيخنا في تخريج أحاديث الفردوس إلى ؛ أحمد ؛ عن والترمذي - رضي الله عنه - أيضا؛ وقال: وفي الباب عن معاذ - رضي الله عنه - عند ثوبان ؛ وعن أحمد بن منيع ؛ أبي هريرة ؛ وأبي سعيد الخدري وأبي رافع؛ ؛ وأبي أمامة ؛ وأبي عبيدة وأسامة؛ ؛ وجابر بن سمرة ؛ وجبير بن مطعم وأسامة بن عمير؛ - رضي الله عنهم - عند وأنس ؛ فهذا اختصام سبب العلم بتفاصيله الاختصام الأول؛ وهو ما في شأن أحمد آدم - عليه السلام - وذريته؛ والعلم الموهوب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بسبب السؤال عن هذا الاختصام؛ كالعلم الموهوب لأبيه آدم - عليه السلام - بسبب ذلك الاختصام؛ وهذا الاختصام - والله أعلم - هو اختلافهم في مقادير جزاء العاملين من الثواب المشار إليه بالدرجات؛ الحامل عليها العقل الداعي إلى أحسن تقويم؛ والعقاب المشار إليه بالكفارات؛ الداعي إلى أسبابها الوساوس الشيطانية الرادة إلى أسفل سافلين؛ التي سأل إبليس الإنظار لأجلها؛ وسبب اختلافهم في [ ص: 431 ] مقادير الجزاء اختلاف مقادير الأعمال الباطنة؛ من صحة النيات؛ وقوة العزائم؛ وشدة المجاهدات؛ ولينها؛ على حسب دواعي الحظوظ والشهوات التي كان سبب علمهم بها الاختصام في أمر آدم - عليه السلام - وما نشأ عنه تفصيله بأمور دقيقة المأخذ؛ المظهرة لأن الفضل ليس بالأمور الظاهرة؛ وإنما هو بما يهبه الله من الأمور الباطنة؛ وسمي تقاولهم في ذلك اختصاما؛ دلالة على عظمة ما تقاولوا فيه؛ لأن الخصومة لا تكون إلا بسبب أمر نفيس؛ فالمعنى أن الملائكة كل واحد منهم مشغول بما أقيم فيه من الخدمة؛ فليس بينهم تقاول يكون بغاية الجد والرغبة؛ كما هو شأن الخصام؛ إلا في هذا؛ لشدة عجبهم منه؛ لما يعلمون من صعوبة هذه الأمور على الآدمي؛ لما عنده من الشواغل والصوارف عنها؛ بما وهبهم الله من العلم؛ جزاء لانقيادهم للطاعة بالسجود بعد ذلك الخصام؛ فنزوع الآدمي عن صوارفه وحظوظه إلى ما للملائكة من الصفوف في الطاعة والإعراض أصلا عن المعصية؛ غاية في العجب؛ وعلمه - صلى الله عليه وسلم - لما في السماوات وما في الأرض علم عام؛ لما كان في حين الرؤيا؛ ظهر له به ملكوتهما؛ ونسبة ذلك كله إلى علم الله (تعالى) ؛ كالنسبة التي ذكرها الخضر لموسى - عليهما السلام - في نقرة العصفور من البحر؛ والذي ذكره العلماء في ذلك أنه تقريب للأفهام؛ فإنه لا نسبة في الحقيقة لعلم أحد من علمه (تعالى) ؛ ولا بنقص علمه أصلا - سبحانه - عما يلم بنقص؛ أو يدني إلى وهن : قل [ ص: 432 ] لو كان البحر مدادا ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا ويقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ناس اختلجوا دونه عن حوضه: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"؛ فيقول: "فسحقا سحقا".