ولما تم ما أراد من الدليل على أن ما ذكره لهم نبأ عظيم؛ هم عنه معرضون؛ بما أخبر به من الغيب؛ مع ما له من الإعجاز؛ فثبت بذلك ما اقتضى أنه صادق في نسبته إلى الله (تعالى) ؛ وختم بالتحذير من اتباع إبليس؛ أمره بالبراءة من طريقه؛ وأن ينفي عن نفسه ما قد يحمل على التقول؛ بقوله: قل ؛ أي: لأمتك؛ ما أسألكم ؛ سؤالا مستعليا؛ وعلق به؛ لا بـ "أجر"؛ قوله: عليه ؛ أي: على التبليغ؛ والإنذار؛ مما أنتم متعرضون له من الهلاك بالإعراض؛ فأداة الاستعلاء للاحتراز عن سؤال المودة في القربى؛ وحسن الاتباع؛ فإنهما مسؤولان؛ وهما روح الدين؛ ولكن سؤالهما ليس مستعليا على الإبلاغ؛ بحيث إنهما لو انتفيا انتفى؛ وأعرق في النفي بقوله: من أجر ؛ أي: فيكون لكم في الرد شبهة؛ وما أنا من المتكلفين ؛ أي: المتحلين بما ليسوا من أهله من قول؛ [ ص: 433 ] ولا فعل؛ الذين يكلفون أنفسهم تزوير الكلام؛ والتصنع فيه؛ وترتيبه على طريق من الطرق؛ بنظم؛ أو نثر سجع؛ أو خطب؛ أو غير ذلك؛ أو وضع أنفسهم في غير مواضعها؛ كما فعل إبليس؛ لست منهم بسبيل؛ ولا أعد في عدادهم بوجه؛ لا أفعل أفعالهم؛ ولا أحبهم؛ ولا أتعصب لهم؛ فهو أبلغ من "وما أنا متكلفا"؛ قد عرفتموني طول عمري كذلك؛ ومن المعلوم أن ذلك لو كان في غريزتي لما كففت عنه طول زماني النمو من الصبا؛ والشباب؛ اللذين توجد فيهما الغرائز؛ ولا توجد بعدهما؛ فإذا ثبت أن ذلك لم يكن لي إذ ذاك؛ ثبت أنه متعذر بعده؛ لما تقرر من أنه لا توجد غريزة بعد الوقوف عن النمو؛ في سن الثلاث والأربعين؛ فإذا علم أني لست كذلك؛ علم أني مأمور بما أنا فيه من القول؛ والفعل؛ فأنا من المكلفين؛ لا المتكلفين؛ فكل من قال؛ أو فعل ما لم يؤمر به؛ فهو متكلف؛ وروى ؛ بسنده؛ من حديث الثعلبي سلمة بن نفيل - رضي الله عنه - مرفوعا؛ ؛ في الشعب؛ من قول والبيهقي علي بن أرطأة؛ ؛ في الحلية؛ من قول وأبو نعيم : وهب "علامة المتكلف ثلاث: ينازع من فوقه؛ ويتعاطى ما لا ينال؛ ويقول ما لا يعلم".