الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المراد في سورتي "النساء"؛ و"الحج"؛ ذم الكفرة بفعل ما ليس في كونه شرا لبس؛ وبوضع النفس باتباع ما لا شك في دناءته؛ ببعده عن الخير بعد الإخفاء به؛ عبر بـ "المريد"؛ للمبالغة؛ وكما أنه حرس السماء المحسوسة بما ذكره - سبحانه وتعالى - فكذلك زين - عز وجل - قلوب الأولياء؛ التي هي كالسماء لأراضي أجسامهم؛ بنجوم المعارف؛ فإذا مسهم طيف [ ص: 196 ] من الشيطان تذكروا؛ فرشقته شهب أحوالهم؛ ومعارفهم؛ وأقوالهم؛ ولما تشوف السامع إلى معرفة هذا الحفظ؛ وثمرته؛ وبيان كيفيته؛ استأنف قوله: لا يسمعون ؛ أي: الشياطين المفهومون من "كل شيطان"؛ لا يتجدد لهم سمع أصلا؛ قال ابن الجوزي : قال الفراء : "لا"؛ هنا؛ كقوله: "كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به"؛ ويصلح في "لا"؛ على هذا المعنى الجزم؛ والعرب تقول: "ربطت في شيء لا ينفلت"؛ انتهى؛ ويؤخذ من التسوير بـ "كل"؛ ثم الجمع؛ نظرا إلى المعنى؛ والإفراد لضمير "الخاطف"؛ و"للخطفة"؛ أنهم معزولون عن السمع؛ جمعهم؛ ومفردهم من الجمع؛ وأن الخطف يكون - إن اتفق - في الواحد؛ لا الجمع؛ ومن الواحد؛ لا الجمع؛ وللكلمة وما في حكمها؛ لا أكثر؛ وإليه يشير حديث الصحيح: "تلك الكلمة من الحق؛ يخطفها الجني"؛ وأكد بعدهم بإثبات حرف الغاية؛ فقال - مضمنا "سمع"؛ بعد قصره معنى "انتهى"؛ أو "أصغى"؛ ليكون المعنى: لا ينتهي سمعهم؛ أو تسمعهم أو إصغاؤهم -: إلى الملإ ؛ أي: الجمع العظيم الشريف؛ وأوضحت هذا المعنى قراءة [ ص: 197 ] من شدد السين؛ والميم؛ بمعنى "يتسمعون"؛ أي بنوع حيلة؛ تسمعا منتهيا إلى ذلك؛ وهو يفهم أنهم يتسمعون؛ ولكن لا ينتهي تسمعهم إلى ما ذكر؛ بما أشار إليه الإدغام؛ ويشير أيضا إلى أنهم يجتهدون في إخفاء أمرهم؛ وأفرد الوصف دلالة أيضا على أن العطف يكون من واحد؛ لا من جمع؛ فقال: الأعلى ؛ أي: مكانا؛ ومكانة؛ بحيث يملؤون العيون بهجة؛ والصدور هيبة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "لأنهم يطردون طردا قويا"؛ دل عليه بالعاطف في قوله: ويقذفون ؛ أي: الشياطين؛ يرمون رميا وحيا شديدا؛ يطردون به؛ وبني للمفعول لأن النافع قذفهم؛ لا تعيين قاذفهم؛ مع أنه أدل على القدرة الإلهية - عزت وجلت - من كل جانب ؛ أي: من جوانب السماوات؛ بالشهب؛ إذا قصدوا السماع بالاستراق؛

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية