لما ختمت "المزمل" بالبشارة لأرباب البصارة بعدما بدئت بالاجتهاد في الخدمة المهيئ للقيام بأعباء الدعوة، افتتحت هذه [بمحط -] حكمة الرسالة وهي النذارة لأصحاب الخسارة، فقال معبرا بما فيه بشارة بالسعة في المال والرجال والصلاح وحسن الحال في الحال والمآل، ومعرفا بأن المخاطب في غاية اليقظة بالقلب وإن [ ص: 40 ] ستر القالب: يا أيها المدثر المشتمل بثوبه، من تدثر بالثوب: اشتمل به، والدثار - بالكسر ما فوق الشعار من الثياب، والشعار ما لاصق البدن "الأنصار شعار والناس دثار" والدثر: المار الكثير، ودثر الشجر: أوراق، وتدثير الطائر: إصلاحه عشه، والتعبير بالأداة الصالحة للقرب والبعد يراد به غاية القرب بما عليه السياق وإن كان التعبير بالأداة فيه نوع ستر لذلك مناسبة للتدثر، واختير التعبير بها لأنه لا يقال بعدها إلى ما جل وعظم من الأمور، وكان الدثار لم يعم بدنه الشريف بما دل عليه التعبير بالإدغام دون الإظهار الدال على المبالغة لأن المراد إنما كان ستر العين ليجتمع القلب، فيكفي في ذلك ستر الرأس وما قاربه من البدن، والإدغام شديد المناسبة للدثار.