ولما كان [في -] حال تدثره قد لزم موضعا واحدا فلزم من ذلك إخفاء نفسه الشريفة، أمره صلى الله عليه وسلم بالقيام، وسبب عنه الإنذار إشارة إلى أن ما يراد به من أنه يكون أشهر الخلق بالرسالة العامة مقتض لتشمير الذيل والحمل على النفس بغاية الجد والاجتهاد اللازم عنه كثرة الانتشار، فهو مناف للتدثر بكل اعتبار فقال: قم أي مطلق قيام، ولا سيما من محل تدثرك بغاية العزم والجد. [ ص: 41 ] ولما كان الأمر عند نزول هذه السورة في أوله والناس قد عمهم الفساد، ذكر أحد واصفي الرسالة إيذانا بشدة الحاجة إليه فقال مسببا عن قيامه: فأنذر أي فافعل الإنذار لكل من يمكن إنذاره فأنذر من كان راقدا في غفلاته، متدثرا بأثواب سكراته، لاهيا عما أمامه من أهوال يوم القيامة، وكذا من كان مستيقظا ولكنه متدثر بأثواب تشويفاته وأغشيته فتراته، فإنه [يجب -] على كل مربوب أن يشكر ربه وإلا عاقبه بعناده له أو غفلته عنه بما أقله الإعراض عنه، وحذف المفعول إشارة إلى وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان نزل عليه عموم الإنذار لكل من يمكن منه المخالفة عقلا وهم جميع الخلق، جبريل عليه السلام ب اقرأ باسم ربك ونحوها فكان بذلك نبيا ثم نزلت عليه هذه [الآية -] فكان بها رسولا، وذلك أنه نودي وهو في جبل حراء، فلما سمع الصوت نظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا، فرفع رأسه فإذا جبريل عليه الصلاة والسلام جالس على عرش بين السماء والأرض، ففرق من ذلك أشد الفرق، [ ص: 42 ] فبادر المجيء إلى البيت ترجف بوادره وقال:
. "دثروني دثروني، لقد خشيت على نفسي، صبوا علي ماء باردا"