ولما كانت حكمة النهي عن الأنصاب والأزلام قد تقدمت في أول السورة؛ وهي أنها فسق؛ اقتصر على بيان إعلاما بأنهما المقصودان بالذات؛ وإن كان الآخران ما ضما إلا لتأكيد تحريم هذين - كما تقدم -؛ لأن المخاطب أهل الإيمان؛ وقد كانوا مجتنبين لذينك؛ فقال - مؤكدا لأن الإقلاع عما حصل التمادي في المرون عليه يحتاج إلى مثل ذلك -: علة النهي عن الخمر؛ والميسر؛ إنما يريد الشيطان ؛ أي: بتزيين الشرب؛ والقمار لكم؛ أن يوقع بينكم العداوة .
ولما كانت العداوة قد تزول أسبابها؛ ذكر ما ينشأ عنها؛ مما إذا استحكم تعسر؛ أو تعذر زواله؛ فقال: والبغضاء في الخمر والميسر ؛ أي: تعاطيهما؛ لأن الخمر تزيل العقل؛ فيزول المانع من إظهار الكامن من الضغائن؛ والمناقشة؛ والمحاسدة؛ فربما أدى ذلك إلى حروب طويلة؛ وأمور مهولة؛ والميسر يذهب المال؛ فيوجب ذلك الإحنة على من سلبه ماله؛ ونغص عليه أحواله.
ولما ذكر ضررهما في الدنيا؛ ذكر ضررهما في الدين؛ فقال: [ ص: 294 ] ويصدكم عن ذكر الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ الذي لا إله لكم غيره؛ ولا كفؤ له؛ وكرر الجار؛ تأكيدا للأمر؛ وتغليظا في التحذير؛ فقال: وعن الصلاة ؛ أما في الخمر فواضح؛ وأما في الميسر فلأن الفائز ينسى ببطر الغلبة؛ والخائب مغمور بهمه؛ وأعظم التهديد بالاستفهام؛ والجملة الاسمية الدالة على الثبات بعد التأكيد بالحصر؛ والضم إلى فعل الجاهلية؛ وبيان الحكم الداعية إلى الترك؛ والشرور المنفرة عن الفعل؛ فقال: فهل أنتم منتهون ؛ أي: قبل أن يقع بكم ما لا تطيقون.