ولما كان هذا بما أكد به من ذكر الميثاق في مظهر العظمة وإضافة الجناية إلى نفس الجاني جديرا بالبعد منه أشار إلى ذلك بقوله : ثم أنتم هؤلاء الحقيرون المقدور عليهم المجهولون الذين لا يعرف لهم اسم ينادون به ، أو الموجودون الآن ; ثم استأنف البيان عن هذه الجملة فقال : تقتلون أنفسكم من غير التفات إلى هذا العهد الوثيق ، وتخرجون فريقا منكم أي : ناسا هم أشقاء لكم فهم جديرون منكم بالإحسان لا بالإخراج من ديارهم
ولما كان من المستبعد جدا بعد الاستبعاد الأول أن يقعوا في [ ص: 11 ] ذلك على طريق العدوان استأنف البيان لذلك بقوله : تظاهرون أي : تتعاونون ، من التظاهر ، وهو تكلف المظاهرة وهي تساند القوة كأنه استناد ظهر إلى ظهر ، قاله الحرالي . عليهم بالإثم أي : مصاحبين للإثم وهو أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال ، ويقال لكذوب : أثوم ، لاعتدائه بالقول على غيره ، والإثم : الخمر لما يقع بها من العداوة والعدوى ، قاله . الحرالي والعدوان أي : والامتلاء في مجاوزة الحدود ، وإن يأتوكم أي : هؤلاء الذين تعاونتم أو عاونتم عليهم ، أسارى جمع أسرى جمع أسير ، وأصله المشدود بالأسر ، وهو القد وهو ما يقد ، أي : يقطع من السير ، تفادوهم أي : تخلصوهم بالمال ، من الفداء وهو الفكاك بعوض ، و تفادوهم من المفاداة وهي الاستواء في العوضين ، قاله . الحرالي
ثم أكد تحريم الإخراج بزيادة الضمير والجملة الاسمية في قوله : [ ص: 12 ] وهو محرم من التحريم ، وهو تكرار الحرمة بالكسر وهي المنع من الشيء لدنايته ، والحرمة بالضم المنع من الشيء لعلوه ، قاله . الحرالي عليكم ولما كان يظن أن الضمير للفداء عينه فقال : إخراجهم ثم أنكر عليهم التفرقة بين الأحكام فقال : أفتؤمنون ببعض الكتاب أي : التوراة وهو الموجب للمفاداة ، وتكفرون ببعض وهو المحرم للقتل والإخراج ، ثم سبب عن ذلك قوله : فما جزاء من يفعل ذلك الأمر العظيم الشناعة ، منكم إلا خزي ضد ما قصدتم بفعلكم من العز ، والخزي إظهار القبائح التي يستحى من إظهارها عقوبة ، قاله . الحرالي في الحياة الدنيا تعجيلا للعقوبة له في الدار التي جعلها محط قصده . [ ص: 13 ] وقد فعل سبحانه ذلك بأنواع الذل والقتل فما دونه ، ويوم القيامة هي فعالة تفهم فيها التاء المبالغة والغلبة ، وهو قيام أمر مستعظم ، والقيام هو الاستقلال بأعباء ثقيلة ، يردون أي : بالبعث ، والرد هو الرجوع إلى ما كان منه بدء المذهب ، قاله . الحرالي إلى أشد العذاب لأنه الخزي الأعظم .
ولما كانت المواجهة بالتهديد أدل على الغضب التفت إليهم في قراءة الجماعة فعطف على ما تقديره ذلك بأن الله عالم بما قصدتموه في ذلك فهو يجازيكم بما تستحقون ، قوله : وما الله أي : المحيط علما وقدرة ، بغافل عما أي : عن شيء بما ، تعملون من ذلك ومن غيره ، وقراءة نافع بالغيب على الأسلوب الماضي .
وابن كثير