2297 - غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن
فلما كانا متقاربين في المعنى صحت البدلية على ما ذكرته لك، ويدل على مقاربة ما بينهما كما قال قوله: [ ص: 466 ] الواحدي
2298 - . . . . . . . . . . . . . . . فحزن كل أخي حزن أخو الغضب
وقال الأعشى:
2299 - أرى رجلا منكم أسيفا كأنما يضم إلى كشحيه كفا مخضبا
فهذا بمعنى غضبان. وفي الحديث: رجل أسيف" أبا بكر أي: حزين، ورجل أسف: إذا قصد ثبوت الوصف واستقراره، فإن قصد به الزمان جاء على فاعل. "إن
قوله: قال بئسما هذا جواب "لما" وتقدم الكلام على "بئسما"، ولكن المخصوص بالذم محذوف، والفاعل مستتر يفسره "ما خلفتموني" والتقدير: بئس خلافة خلفتمونيها خلافتكم.
قوله: أعجلتم أمر ربكم في "أمر" وجهان أحدهما: أنه منصوب على المفعول بعد إسقاط الخافض وتضمين الفعل معنى ما يتعدى بنفسه، والأصل: أعجلتم عن أمر ربكم. قال "يقال: عجل عن الأمر: إذا تركه غير تام، ونقيضه تم، وأعجله عنه غيره، ويضمن معنى سبق فيتعدى تعديته فيقال: عجلت الأمر، والمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم" . والثاني: أنه متعد بنفسه غير مضمن معنى فعل آخر. حكى الزمخشري: "عجلت الشيء سبقته" وأعجلت الرجل استعجلته، أي: حملته على العجل . يعقوب:
قوله: يجره إليه فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن الجملة حال من ضمير موسى المستتر في "أخذ"، أي: أخذ جارا إليه. الثاني: أنها حال من "رأس" [ ص: 467 ] قاله وفيه نظر لعدم الرابط. الثالث: أنها حال من "أخيه" قال أبو البقاء وهو ضعيف، يعني من حيث إن الحال من المضاف إليه يقل مجيئها أو يمتنع عند بعضهم. قلت: وقد تقدم غير مرة أن بعضهم يجوزه في صور هذه منها، وهو كون المضاف جزءا من المضاف إليه. أبو البقاء:
قوله: قال ابن أم قرأ الأخوان وأبو بكر هنا وفي طه بكسر الميم والباقون بفتحها. فأما قراءة الفتح ففيها مذهبان: مذهب البصريين أنهما بنيا على الفتح لتركبهما تركيب خمسة عشر، فعلى هذا فليس "ابن" مضافا لـ "أم" بل مركب معها فحركتهما حركة بناء. وابن عامر
والثاني: مذهب الكوفيين وهو أن "ابن" مضاف لـ "أم" و "أم" مضافة لياء المتكلم، وياء المتكلم قد قلبت ألفا كما تقلب في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم نحو: يا غلاما، ثم حذفت الألف واجتزئ عنها بالفتحة كما يجتزأ عن الياء بالكسرة، فحينئذ حركة "ابن" حركة إعراب وهو مضاف لـ "أم" فهي في محل خفض بالإضافة.
وأما قراءة الكسر فعلى رأي البصريين هو كسر بناء لأجل ياء المتكلم، بمعنى أنا أضفنا هذا الاسم المركب كله لياء المتكلم فكسر آخره، ثم اجتزئ عن الياء بالكسرة فهو نظير: يا أحد عشري ثم: يا أحد عشر بالحذف، ولا جائز أن يكونا باقيين على الإضافة إذ لم يجز حذف الياء لأن الاسم ليس منادى، ولكنه مضاف إليه المنادى فلم يجز حذف الياء منه. وعلى رأي الكوفيين يكون الكسر كسر إعراب وحذفت الياء مجتزأ عنها بالكسرة كما اجتزئ عن ألفها بالفتحة. وهذان الوجهان يجريان في "ابن أم" و "ابن عم" [ ص: 468 ] و "ابنة أم" و "ابنة عم" . فاعلم أنه يجوز في هذه الأمثلة الأربعة خاصة خمس لغات، فصحاهن: حذف الياء مجتزأ عنها بالكسرة، ثم قلب الياء ألفا فيلزم قلب الكسرة فتحة، ثم حذف الألف مجتزأ عنها بالفتحة، ثم إثبات الياء ساكنة أو مفتوحة، وأما غير هذه الأمثلة الأربعة مما أضيف إلى مضاف إلى ياء المتكلم في النداء فإنه لا يجوز فيه إلا ما يجوز في غير باب النداء لأنه ليس منادى نحو: يا غلام أبي ويا غلام أمي، وإنما جرت هذه الأمثلة خاصة هذا المجرى تنزيلا للكلمتين منزلة كلمة واحدة ولكثرة الاستعمال.
وقرئ "يابن أمي" بإثبات الياء ساكنة، ومثله قوله:
2300 - يابن أمي ويا شقيق نفسي أنت خلفتني لدهر شديد
وقول الآخر:
2301 - يا بن أمي فدتك نفسي ومالي . . . . . . . . . . . . . . .
وقرئ أيضا: "ابن إم" بكسر الهمزة والميم وهو إتباع. ومن قلب الياء ألفا قوله:
2302 - يا بنة عما لا تلومي واهجعي ... ... ... ...
2303 - كن لي لا علي يا بن عما ندم عزيزين ونكف الذما
قوله: فلا تشمت العامة على ضم التاء وكسر الميم وهو من أشمت رباعيا، "الأعداء" مفعول به. وقرأ ابن محيصن "فلا تشمت" بفتح التاء وكسر الميم، ومجاهد بفتح التاء أيضا وفتح الميم، "الأعداء" نصب على المفعول به. وفي: هاتين القراءتين تخريجان، أظهرهما: أن شمت أو شمت بكسر الميم أو فتحها متعد بنفسه كأشمت الرباعي، يقال: شمت بي زيد العدو، كما يقال: أشمت بي العدو.
والثاني: أن "تشمت" مسند لضمير الباري تعالى، أي: فلا تشمت يا رب، وجاز هذا كما جاز الله يستهزئ بهم ثم أضمر ناصبا للأعداء كقراءة الجماعة قاله ولا حاجة إلى هذا التكلف لأن "شمت" الثلاثي يكون متعديا بنفسه، والإضمار على خلاف الأصل. وقال ابن جني، في هذا التخريج: "فلا تشمت أنت" فجعل الفاعل ضمير أبو البقاء موسى، وهو أولى من إسناده إلى ضمير الله تعالى. وأما تنظيره بقوله الله يستهزئ بهم فإنما جاز ذلك للمقابلة في قوله: إنما نحن مستهزئون وكقوله: ومكروا ومكر الله ولا يجوز ذلك في غير المقابلة.
وقرأ حميد بن قيس: "فلا تشمت" كقراءة ابن محيصن، [ ص: 470 ] كقراءته فيه أولا، إلا أنهما رفعا الأعداء على الفاعلية، جعلا شمت لازما فرفعا به "الأعداء" على الفاعلية، فالنهي في اللفظ للمخاطب والمراد به غيره كقولهم: "لا أرينك ههنا"، أي: لا يكن منك ما يقتضي أن تشمت بي الأعداء. ومجاهد
والإشمات والشماتة: الفرح ببلية تنال عدوك قال:
2304 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . والموت دون شماتة الأعداء
قيل: واشتقاقها من شوامت الدابة وهي قوائمها; لأن الشماتة تقلب قلب الحاسد في حالتي الفرح والترح كتقلب شوامت الدابة. وتشميت العاطس وتسميته بالشين والسين الدعاء له بالخير، قال "الشين أعلى اللغتين". وقال أبو عبيد: "الأصل فيهما السين من السمت، وهو القصد والهدي". وقيل: معنى تشميت العاطس بالمعجمة أن يثبته الله كما يثبت قوائم الدابة. وقيل: بل التفعيل للسلب، أي: أزال الله الشماتة به، وبالسين المهملة، أي: رده الله إلى سمته الأول أي هيئته لأنه يحصل له انزعاج. وقال ثعلب: يقال: سمته وسمت عليه، وفي الحديث: أبو بكر: "وسمت عليهما".