قوله تعالى: " ويجادل الذين كفروا بالباطل " قال يريد: المستهزئين والمقتسمين وأتباعهم، وجدالهم بالباطل أنهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم ; " ابن عباس: ليدحضوا به الحق " ; أي: ليبطلوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل: جدالهم: قولهم: أإذا كنا عظاما ورفاتا [ الإسراء: 49 ]، أإذا ضللنا في الأرض [ السجدة: 10 ]، ونحو ذلك ليبطلوا به ما جاء في القرآن من ذكر البعث والجزاء . قال ومعنى " أبو عبيدة: ليدحضوا " : ليزيلوا ويذهبوا، يقال: مكان دحض ; أي: مزل لا يثبت فيه قدم ولا حافر .
قوله تعالى: " واتخذوا آياتي " يعني: القرآن . " وما أنذروا " ; أي: خوفوا به من النار والقيامة، " هزوا " ; أي: مهزوءا به .
قوله تعالى: " ومن أظلم " قد شرحنا هذه الكلمة في ( البقرة: 114 ) . و " ذكر " بمعنى: وعظ . وآيات ربه: القرآن، وإعراضه عنها: تهاونه بها . " ونسي ما قدمت يداه " ; أي: ما سلف من ذنوبه، وقد شرحنا ما بعد هذا في ( الأنعام: 21 ) إلى قوله: وإن تدعهم إلى الهدى وهو الإيمان والقرآن، " فلن يهتدوا " هذا إخبار عن علمه فيهم .
قوله تعالى: " وربك الغفور ذو الرحمة " إذ لم يعاجلهم بالعقوبة . " بل لهم [ ص: 160 ] موعد " للبعث والجزاء، " لن يجدوا من دونه موئلا " قال الموئل: المنجى، وهو الملجأ في المعنى ; لأن المنجى ملجأ، الفراء: والعرب تقول: إنه ليوائل إلى موضعه ; أي: يذهب إلى موضعه، قال الشاعر:
لا واءلت نفسك خليتها للعامريين ولم تكلم
يريد: لا نجت نفسك، وأنشد أبو عبيدة للأعشى:
وقد أخالس رب البيت غفلته وقد يحاذر مني ثم ما يئل
أي: ما ينجو . وقال الموئل: الملجأ، يقال: وآل فلان إلى كذا: إذا لجأ . ابن قتيبة:
فإن قيل: ظاهر هذه الآية يقتضي أن تأخير العذاب عن الكفار برحمة الله، ومعلوم أنه لا نصيب لهم في رحمته ؟
فعنه جوابان: أحدهما: [ أن ] الرحمة هاهنا بمعنى النعمة، ونعمة الله لا يخلو منها مؤمن ولا كافر . فأما الرحمة التي هي الغفران والرضى، فليس للكافر فيها نصيب . والثاني: أن رحمة الله محظورة على الكفار يوم القيامة، فأما في الدنيا فإنهم ينالون منها العافية والرزق .
قوله تعالى: " وتلك القرى " يريد: التي قصصنا عليك ذكرها، والمراد: أهلها ; ولذلك قال: " أهلكناهم " والمراد: قوم هود وصالح، ولوط وشعيب . قال قوله: " الفراء: لما ظلموا " معناه: بعدما ظلموا . [ ص: 161 ]
قوله تعالى: " وجعلنا لمهلكهم " قرأ الأكثرون بضم الميم وفتح اللام . قال وفيه وجهان: الزجاج:
أحدهما: أن يكون مصدرا، فيكون المعنى: وجعلنا لإهلاكهم .
والثاني: أن يكون وقتا، فالمعنى: لوقت هلاكهم .
وقرأ أبو بكر عن بفتح الميم واللام، وهو مصدر مثل الهلاك . وقرأ عاصم حفص عن بفتح الميم وكسر اللام، ومعناه: لوقت إهلاكهم . عاصم