الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح [ ص: 316 ] عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ولقد قال لهم هارون من قبل " ; أي : من قبل أن يأتي موسى ، " يا قوم إنما فتنتم به " ; أي : ابتليتم ، " وإن ربكم الرحمن " لا العجل ، " قالوا لن نبرح عليه عاكفين " ; أي : لن نزال مقيمين على عبادة العجل ، " حتى يرجع إلينا موسى " فلما رجع موسى ، " قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا " بعبادة العجل . " ألا تتبعني " قرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( ألا تتبعني ) بياء في الوصل ساكنة ، ويقف ابن كثير بالياء ، وأبو عمرو بغير ياء . وروى إسماعيل بن جعفر عن نافع : ( ألا تتبعني أفعصيت ) بياء منصوبة . وروى قالون عن نافع مثل أبي عمرو سواء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بغير ياء في الوصل والوقف ، والمعنى : ما منعك من اتباعي ، و " لا " كلمة زائدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المعنى ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : تسير ورائي بمن معك من المؤمنين وتفارقهم ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن تناجزهم القتال ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : في الإنكار عليهم ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " أفعصيت أمري " وهو قوله في وصيته إياه : " اخلفني في قومي وأصلح " ، قال المفسرون : ثم أخذ برأس أخيه ولحيته غضبا منه عليه . وهذا وإن لم [ ص: 317 ] يذكر هاهنا ، فقد ذكر في ( الأعراف : 150 ) ، فاكتفي بذلك ، وقد شرحنا هناك معنى " يا ابن أم " ، واختلاف القراء فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ولا برأسي " ; أي : بشعر رأسي . وهذا الغضب كان لله عز وجل لا لنفسه ; لأنه وقع في نفسه أن هارون عصى الله بترك اتباع موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إني خشيت " ; أي : إن فارقتهم واتبعتك ، " أن تقول فرقت بين بني إسرائيل " وفيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : باتباعي إياك ومن معي من المؤمنين . والثاني : بقتالي لبعضهم ببعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله تعالى : " ولم ترقب قولي " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : لم ترقب قولي لك : " اخلفني في قومي وأصلح " .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : لم تنتظر أمري فيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية