قوله تعالى: " فكانت لمساكين " في المراد بمسكنتهم قولان:
أحدهما: أنهم كانوا ضعفاء في أكسابهم . والثاني: في أبدانهم . وقال كانت لعشرة إخوة، خمسة زمنى، وخمسة يعملون في البحر . كعب:
قوله تعالى: " فأردت أن أعيبها " ; أي: أجعلها ذات عيب، يعني: بخرقها، " وكان وراءهم " فيه قولان:
أحدهما: أمامهم، قاله ابن عباس، وقتادة، وأبو عبيدة، وقرأ وابن قتيبة . أبي بن كعب ( وكان أمامهم ملك ) . وابن مسعود:
والثاني: خلفهم، قال وهو أجود الوجهين، فيجوز أن يكون رجوعهم في طريقهم كان عليه، ولم يعلموا بخبره، فأعلم الله تعالى الزجاج: الخضر خبره . [ ص: 179 ]
قوله تعالى: " يأخذ كل سفينة غصبا " ; أي: كل سفينة صالحة . وفي قراءة ( كل سفينة صحيحة ) . قال أبي [ بن كعب ]: الخضر: إنما خرقتها ; لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها فانتفعوا بها .
قوله تعالى: " وأما الغلام " روي عن أنه كان يقرأ: ( وأما الغلام فكان كافرا ) . وروى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أبي بن كعب الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا " . قال إن الغلام الذي قتله كان الغلام على الطريق لا يمر به أحد إلا قتله أو غصبه، فيدعو ذلك عليه وعلى أبويه . وقال الربيع بن أنس: كان الغلام لصا، فإذا جاء من يطلبه حلف أبواه أنه لم يفعل . ابن السائب:
قوله تعالى: " فخشينا " في القائل لهذا قولان:
أحدهما: الله عز وجل . ثم في معنى الخشية المضافة إليه قولان: أحدهما: أنها بمعنى العلم . قال معناه: فعلمنا . وقال الفراء: ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي . والثاني: الكراهة، قاله الأخفش والزجاج .
والثاني: أنه الخضر، فتكون الخشية بمعنى الخوف للأمر المتوهم، قاله وقد استدل بعضهم على أنه من كلام ابن الأنباري . الخضر بقوله: " فأردنا أن يبدلهما ربهما " . قال المعنى: فأراد الله ; لأن لفظ الخبر عن الله تعالى هكذا أكثر من أن يحصى . ومعنى " الزجاج: يرهقهما " : يحملهما على الرهق، وهو الجهل . قال " أبو عبيدة: يرهقهما " : يغشيهما . قال خشينا [ ص: 180 ] أن يحملهما حبه على أن يدخلا في دينه . وقال سعيد بن جبير: فرحا به حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فرضي امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره، خير له من قضائه فيما يحب . الزجاج:
قوله تعالى: " فأردنا أن يبدلهما ربهما " قرأ ابن كثير عن وأبو بكر ( أن يبدلهما ) بالتخفيف . وقرأ عاصم: نافع بالتشديد . وأبو عمرو
قوله تعالى: " خيرا منه زكاة " فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: دينا، قاله والثاني: عملا، قاله ابن عباس . والثالث: صلاحا، قاله مقاتل . الفراء .
قوله تعالى: " وأقرب رحما " قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وحمزة، ( رحما ) ساكنة الحاء . وقرأ والكسائي: ( رحما ) مثقلة . وعن ابن عامر: كالقراءتين . وقرأ أبي عمرو ابن عباس، وابن جبير، ( رحما ) بفتح الراء وكسر الحاء . وأبو رجاء:
وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: أوصل للرحم وأبر للوالدين، قاله ابن عباس وقال وقتادة . أقرب عطفا وأمس بالقرابة . ومعنى الرحم والرحم في اللغة: العطف والرحمة، قال الشاعر: الزجاج:
وكيف بظلم جارية ومنها اللين والرحم
والثاني: أقرب أن يرحما به، قاله وفيما بدلا به قولان: [ ص: 181 ] الفراء .
أحدهما: جارية، قاله الأكثرون . وروى عن عطاء قال: أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيا . ابن عباس،
والثاني: غلام مسلم، قاله ابن جريج .
قوله تعالى: " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة " يعني: القرية المذكورة في قوله: " أتيا أهل قرية " ، قال واسمهما: مقاتل: أصرم وصريم .
قوله تعالى: " وكان تحته كنز لهما " فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان ذهبا وفضة، رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أبو الدرداء الحسن، وعكرمة، كان مالا . وقتادة:
والثاني: أنه كان لوحا من ذهب، فيه مكتوب: عجبا لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجبا لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبا لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، أنا الله الذي لا إله إلا أنا، محمد عبدي ورسولي ; وفي الشق الآخر: أنا الله لا إلا إلا أنا وحدي لا شريك لي، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه، رواه عن عطاء قال ابن عباس . فسمي كنزا من جهة الذهب، وجعل اسمه هو المغلب . ابن الأنباري:
والثالث: كنز علم، رواه عن العوفي وقال ابن عباس . صحف فيها علم، وبه قال مجاهد: سعيد بن جبير قال والسدي . فيكون المعنى على هذا القول: كان تحته مثل الكنز ; لأنه يتعجل من نفعه أفضل مما [ ص: 182 ] ينال من الأموال . قال ابن الأنباري: والمعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد، فمعناه: المال المدفون المدخر، فإذا لم يكن المال، قيل: عنده كنز علم، وله كنز فهم، والكنز هاهنا بالمال أشبه، وجائز أن يكون الكنز كان مالا، مكتوب فيه علم، على ما روي، فهو مال وعلم عظيم . الزجاج:
قوله تعالى: " وكان أبوهما صالحا " قال حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحا . وقال ابن عباس: جعفر بن محمد عليه السلام: كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء . وقال كان أبوهما ذا أمانة . مقاتل:
قوله تعالى: " فأراد ربك " قال لما كان قوله: ( فأردت ) ( وأردنا ) كل واحد منهما يصلح أن يكون خبرا عن الله عز وجل وعن ابن الأنباري: الخضر، أتبعهما بما يحصر الإرادة عليه ويزيلها عن غيره، ويكشف البغية من اللفظتين الأوليين . وإنما قال: " فأردت، فأردنا، فأراد ربك " ; لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتفاقه مع تساوي المعاني ; لأنه أعذب على الألسن، وأحسن موقعا في الأسماع، فيقول الرجل: قال لي فلان كذا، وأنبأني بما كان، وخبرني بما نال . فأما " الأشد " فقد سبق ذكره في مواضع [ الأنعام: 152، ويوسف: 22، والإسراء: 34 ]، ولو أن الخضر لم يقم الحائط لنقض، وأخذ ذلك الكنز قبل بلوغهما .
قوله تعالى: " رحمة من ربك " ; أي: رحمهما الله بذلك . " وما فعلته عن أمري " قال كان عبدا مأمورا . قتادة:
فأما قوله: " تسطع " فإن استطاع واسطاع بمعنى واحد . [ ص: 183 ]