قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا .
قوله تعالى: " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي " سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ الإسراء: 85 ]، قالت اليهود: كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ؟ فنزلت هذه الآية، قاله ومعنى الآية: لو كان ماء البحر مدادا يكتب به . قال ابن عباس . [ والمعنى ]: لو كان البحر مدادا للقلم، والقلم يكتب . قال مجاهد: سمي المداد مدادا لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء . وقرأ ابن الأنباري: الحسن ( مددا لكلمات ربي ) بغير ألف . والأعمش:
قوله تعالى: " قبل أن تنفد كلمات ربي " قرأ ابن كثير، ونافع، ، وأبو عمرو ( تنفد) بالتاء . وقرأ وعاصم: ابن عامر، وحمزة، ( ينفد ) بالياء . قال والكسائي: أبو علي: التأنيث أحسن ; لأن المسند إليه الفعل مؤنث، والتذكير حسن ; لأن التأنيث ليس بحقيقي، وإنما لم تنفد كلمات الله ; لأن كلامه صفة من صفات [ ص: 202 ] ذاته، ولا يتطرق على صفاته النفاد . " ولو جئنا بمثله " ; أي: بمثل البحر " مددا " ; أي: زيادة، والمدد: كل شيء زاد في شيء .
فإن قيل: لم قال في أول الآية: " مدادا " ، وفي آخرها: " مددا " ، وكلاهما بمعنى واحد، واشتقاقهما غير مختلف ؟
فقد أجاب عنه فقال: لما كان الثاني آخر آية، وأواخر الآيات هاهنا أتت على الفعل والفعل، كقوله: " ابن الأنباري، نزلا " ، " هزوا " ، " حولا " ، كان قوله: " مددا " أشبه بهؤلاء الألفاظ من المداد، واتفاق المقاطع عند أواخر الآي، وانقضاء الأبيات، وتمام السجع والنثر، أخف على الألسن وأحلى موقعا في الأسماع، فاختلفت اللفظتان لهذه [ العلة ] . وقد قرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو رجاء، وقتادة، وابن محيصن: ( ولو جئنا بمثله مدادا )، فحملوها على الأولى ولم ينظروا إلى المقاطع . وقراءة الأولين أبين حجة وأوضح منهاجا .