قوله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ في سبب نزولها قولان .
أحدهما: أن عياش بن أبي ربيعة أسلم بمكة قبل هجرة رسول الله ، ثم خاف أن يظهر إسلامه لقومه ، فخرج إلى المدينة فقالت أمه لابنيها أبي جهل ، والحارث ابني هشام ، وهما أخواه لأمه: والله لا يظلني سقف ، ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتياني به . فخرجا في طلبه . ومعهما الحارث بن زيد ، حتى أتوا عياشا وهو متحصن في أطم ، فقالوا له: انزل فإن أمك لم يؤوها سقف ، ولم تذق طعاما ، ولا شرابا ، ولك علينا أن لا نحول بينك وبين دينك ، فنزل ، فأوثقوه ، وجلده كل واحد منهم مائة جلدة ، فقدموا به على أمه ، فقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر ، فطرح موثقا في الشمس حتى أعطاهم ما أرادوا ، فقال [ ص: 162 ] له الحارث بن زيد: يا عياش: لئن كان ما كنت عليه هدى لقد تركته ، وإن كان ضلالا لقد ركبته . فغضب ، وقال: والله لا ألقاك خاليا إلا قتلتك ، ثم أفلت عياش بعد ذلك ، وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، ثم أسلم الحارث بعده ، وهاجر ولم يعلم عياش ، فلقيه يوما فقتله ، فقيل له: إنه قد أسلم ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان ، وقال: لم أشعر بإسلامه ، فنزلت هذه الآية ، رواه عن أبو صالح ، وهو قول ابن عباس . سعيد بن جبير ، والجمهور . والسدي ،
والثاني: أن قتل رجلا قال لا إله إلا الله في بعض السرايا ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر له ما صنع ، فنزلت هذه الآية ، أبا الدرداء هذا قول ابن زيد .
قال : معنى الآية: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة . والاستثناء ليس من الأول ، وإنما المعنى: إلا أن يخطئ المؤمن . وروى الزجاج عن أبو عبيدة ، يونس: أنه سأل عن هذه الآية ، فقال: ليس له أن يقتله عمدا ولا خطأ ، ولكنه أقام "إلا" مقام "الواو" . قال الشاعر: رؤبة
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
[ ص: 163 ] أراد: والفرقدان . وقال بعض أهل المعاني: تقدير الآية: لكن قد يقتله خطأ ، وليس ذلك فيما جعل الله له ، لأن الخطأ لا تصح فيه الإباحة ، ولا النهي . وقيل: إنما وقع الاستثناء على ما تضمنته الآية من استحقاق الإثم ، وإيجاب القتل .
قوله تعالى: فتحرير رقبة مؤمنة قال سعيد بن جبير: عتق الرقبة واجب على القاتل في ماله ، واختلفوا في الذي لا يصح منه فعل الصلاة والصيام ، فروي عن عتق الغلام جوازه ، وكذلك روى أحمد ابن أبي طلحة ، عن وهذا قول ابن عباس ، عطاء ، وروي عن ومجاهد . لا يجزئ إلا من صام وصلى ، وهو قول أحمد: في رواية ، ابن عباس والحسن ، والشعبي ، وإبراهيم ، وقتادة .
قوله تعالى: ودية مسلمة إلى أهله قال ليس في هذه الآية بيان من تلزمه هذه الدية ، واتفق الفقهاء على أنها عاقلة القاتل ، تحملها عنه على طريق المواساة ، وتلزم العاقلة في ثلاث سنين ، كل سنة ثلثها . والعاقلة: العصبات من ذوي الأنساب ، ولا يلزم الجاني منها شيء . وقال القاضي أبو يعلى: أبو حنيفة: هو كواحد من العاقلة . 50 [ ص: 164 ] وللنفس ستة أبدال: من الذهب ألف دينار ، ومن الورق اثنا عشر ألف درهم ، ومن الإبل مائة ، ومن البقر مائتا بقرة ، ومن الغنم ألفا شاة ، وفي الحلل روايتان عن إحداهما: أنها أصل ، فتكون مائتا حلة . فهذه أحمد . ، دية الذكر الحر المسلم على النصف من ذلك . ودية الحرة المسلمة
قوله تعالى: إلا أن يصدقوا قال إلا أن يتصدق أولياء المقتول بالدية على القاتل . سعيد بن جبير:
قوله تعالى: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فيه قولان . [ ص: 165 ] أحدهما: أن معناه: وإن كان المقتول خطأ من قوم كفار ، ففيه تحرير رقبة من غير دية ، لأن أهل ميراثه كفار .
والثاني: وإن كان مقيما بين قومه ، فقتله من لا يعلم بإيمانه ، فعليه تحرير رقبة ولا دية ، لأنه ضيع نفسه بإقامته مع الكفار ، والقولان . مرويان عن وبالأول قال ابن عباس ، وبالثاني النخعي ، وعلى الأول تكون "من" للتبعيض ، وعلى الثاني تكون بمعنى: في . سعيد بن جبير .
قوله تعالى: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فيه قولان .
أحدهما: أنه الرجل من أهل الذمة يقتل خطأ ، فيجب على قاتله الدية . والكفارة ، هذا قول ابن عباس ، والشعبي ، وقتادة ، والزهري ، وأبي حنيفة ، ولأصحابنا تفصيل في مقدار ما يجب من الدية . والشافعي .
والثاني: أنه المؤمن يقتل ، وقومه مشركون ، ولهم عقد ، فديته لقومه ، وميراثه للمسلمين ، هذا قول النخعي .
قوله تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين اختلفوا هل هذا الصيام بدل من الرقبة وحدها إذا عدمها ، أو بدل من الرقبة والدية؟ فقال الجمهور: عن الرقبة وحدها ، وقال مسروق ، ومجاهد ، عنهما . واتفق العلماء على [ ص: 166 ] أنه إذا تخلل صوم الشهرين إفطار لغير عذر ، فعليه الابتداء ، فأما إذا تخللها المرض ، أو الحيض ، فعندنا لا ينقطع التتابع ، وبه قال وابن سيرين: وقال مالك . أبو حنيفة: المرض يقطع ، والحيض لا يقطع ، وفرق بينهما بأنه يمكن في العادة صوم شهرين بلا مرض ، ولا يمكن ذلك في الحيض ، وعندنا أنها معذورة في الموضعين .
قوله تعالى: توبة من الله قال : معناه: فعل الله ذلك توبة منه . الزجاج
قوله وكان الله عليما أي: لم يزل عليما بما يصلح خلقه من التكليف (حكيما) فيما يقضي بينهم ، ويدبره في أمورهم .