[ ص: 169 ] يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا في سبب نزولها أربعة أقوال .
أحدها: المقداد بن الأسود ، فلما أتوا القوم ، وجدوهم قد تفرقوا ، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح ، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، فأهوى إليه المقداد فقتله . فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا يشهد أن لا إله إلا الله؟ لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: [ ص: 170 ] يا رسول الله إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله ، فقتله المقداد ، فقال: ادعوا لي المقداد فقال: يا مقداد أقتلت رجلا قال لا إله إلا الله ، فكيف لك بـ " لا إله إلا الله" غدا!
قال: فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد: كان رجلا مؤمنا يخفي إيمانه مع قوم كفار ، فأظهر إيمانه فقتلته؟ وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل . رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عن سعيد بن جبير ابن عباس .
والثاني: بني سليم مر على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه غنم ، فسلم ، فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ [منا] ، فعمدوا إليه فقتلوه ، وأخذوا غنمه ، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة ، عن أن رجلا من ابن عباس .
[ ص: 171 ] والثالث: أن قوما من أهل مكة سمعوا بسرية لرسول الله أنها تريدهم فهربوا ، وأقام رجل منهم كان قد أسلم ، يقال له: مرداس ، وكان على السرية رجل يقال له: غالب بن فضالة ، فلما رأى مرداس الخيل ، كبر ، ونزل إليهم ، فسلم عليهم ، فقتله واستاق غنمه ، ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجدا شديدا ، ونزلت هذه الآية . أسامة بن زيد ، رواه عن أبو صالح ، وقال ابن عباس . كان السدي: أمير السرية . أسامة
والرابع: أن رسول الله بعث أبا حدرد الأسلمي ، وأبا قتادة ، ومحلم بن جثامة في سرية إلى إضم ، فلقوا عامر بن الأضبط الأشجعي ، فحياهم بتحية الإسلام ، فحمل عليه محلم بن جثامة ، فقتله ، وسلبه بعيرا وسقاء . فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، أخبروه ، فقال: أقتلته بعد ما قال آمنت؟! ونزلت هذه الآية . رواه ابن أبي حدرد عن أبيه .
فأما التفسير ، فقوله إذا ضربتم في سبيل الله أي: سرتم وغزوتم .
وقوله (فتبينوا) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، فتبينوا بالنون من التبيين للأمر قبل الإقدام عليه ، وقرأ وابن عامر: حمزة ، والكسائي ، [ ص: 172 ] (فتثبتوا) بالثاء من الثبات وترك الاستعجال ، وكذلك قرؤوا في (الحجرات) وخلف
قوله تعالى: لمن ألقى إليكم السلام قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر ، وحفص ، عن عاصم ، "السلام" بالألف مع فتح السين . قال والكسائي: : يجوز أن يكون بمعنى: التسليم ، ويجوز أن يكون بمعنى: الاستسلام . وقرأ الزجاج نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، وخلف ، وجبلة ، عن عن المفضل ، "السلم" بفتح السين واللام من غير ألف ، وهو من الاستسلام . وقرأ عاصم: عن أبان بن يزيد ، بكسر السين وإسكان اللام من غير ألف ، و "السلم": الصلح . وقرأ الجمهور: لست مؤمنا ، بكسر الميم ، وقرأ عاصم: علي ، وابن عباس ، وعكرمة ، وأبو العالية ، ويحيى بن يعمر ، بفتح الميم من الأمان . وأبو جعفر:
قوله تعالى: تبتغون عرض الحياة الدنيا و "عرضها": ما فيها من مال ، قل أو كثر ، قال المفسرون: والمراد به: ما غنموه من الرجل الذي قتلوه .
قوله تعالى: فعند الله مغانم كثيرة فيه قولان .
أحدهما: أنه ثواب الجنة ، قاله . مقاتل
والثاني: أنها أبواب الرزق في الدنيا ، قاله أبو سليمان الدمشقي .
قوله تعالى: كذلك كنتم من قبل فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أن معناه: كذلك كنتم تأمنون من قومكم المؤمنين بهذه الكلمة ، فلا تخيفوا من قالها ، رواه عن أبو صالح ابن عباس .
والثاني: كذلك كنتم تخفون إيمانكم بمكة كما كان هذا يخفي إيمانه ، رواه عن سعيد بن جبير ابن عباس .
والثالث: كذلك كنتم من قبل مشركين ، قاله مسروق ، وقتادة ، وابن زيد .
[ ص: 173 ] قوله تعالى: فمن الله عليكم في الذي من به أربعة أقوال .
أحدها: الهجرة ، قاله والثاني: إعلان الإيمان ، قاله ابن عباس . والثالث: الإسلام ، قاله سعيد بن جبير . قتادة ، والرابع: التوبة على الذي قتل ذلك الرجل ، قاله ومسروق . السدي .
قوله تعالى: (فتبينوا) تأكيد للأول .