وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا
قوله تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا في سبب نزولها ثلاثة أقوال .
أحدها: خشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله لا تطلقني ، وأمسكني ، واجعل يومي سودة ففعل ، فنزلت هذه الآية ، لعائشة ، رواه أن عن عكرمة ، ابن عباس .
[ ص: 217 ] والثاني: أن بنت محمد بن مسلمة كانت تحت فكره منها أمرا ، إما كبرا ، وإما غيرة ، فأراد طلاقها ، فقالت: لا تطلقني ، واقسم لي ما شئت ، فنزلت هذه الآية ، رواه رافع بن خديج ، عن الزهري قال سعيد بن المسيب . واسمها مقاتل: خويلة .
والثالث: قد ذكرناه عن سالم الأفطس عن في نزول الآية التي قبلها . وقالت سعيد بن جبير نزلت في المرأة تكون عند الرجل ، فلا يستكثر منها ويريد فراقها ، ولعلها تكون له محبة أو يكون لها ولد فتكره فراقه ، فتقول له: لا تطلقني وأمسكني ، وأنت في حل من شأني . رواه عائشة: البخاري ، ومسلم .
[ ص: 218 ] وفي خوف النشوز قولان . أحدهما: أنه العلم به عند ظهوره .
والثاني: الحذر من وجوده لأماراته . قال : والنشوز من بعل المرأة: أن يسيء عشرتها ، وأن يمنعها نفسه ونفقته . وقال الزجاج نشوزا ، أي: نبوا عنها إلى غيرها ، وإعراضا عنها ، واشتغالا بغيرها . أبو سليمان:
فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، يصالحا بينهما بفتح الياء ، والتشديد . والأصل: "يتصالحا" ، فأدغمت التاء في الصاد . وقرأ وابن عامر: عاصم ، وحمزة ، "يصلحا" بضم الياء ، والتخفيف . قال المفسرون: والمعنى: أن يوقعا بينهما أمرا يرضيان به ، وتدوم بينهم الصحبة ، مثل أن تصبر على تفضيله . وروي عن والكسائي: علي ، أنهما أجازا لهما أن يصطلحا على ترك بعض مهرها ، أو بعض أيامها ، بأن يجعله لغيرها . وفي قوله: وابن عباس: والصلح خير قولان .
أحدهما: خير من الفرقة ، قاله ، مقاتل والزجاج .
والثاني: خير من النشوز والإعراض ، ذكره . قال الماوردي متى ما رضيت بدون ما كان لها ، واصطلحا عليه ، جاز ، فإن أبت لم يصلح أن يحبسها على الخسف . قتادة:
قوله تعالى: وأحضرت الأنفس الشح "أحضرت" بمعنى: ألزمت . و "الشح": الإفراط في الحرص على الشيء . وقال "الشح": البخل مع الحرص ، وتشاح الرجلان على الأمر: لا يريدان أن يفوتهما . وفيمن يعود إليه هذا الشح من الزوجين قولان . ابن فارس:
أحدهما: المرأة ، فتقديره: وأحضرت نفس المرأة الشح بحقها من زوجها ، هذا قول ابن عباس ، [ ص: 219 ] والثاني: الزوجان جميعا ، فالمرأة تشح على مكانها من زوجها ، والرجل يشح عليها بنفسه إذا كان غيرها أحب إليه ، هذا قول وسعيد بن جبير . وقال الزجاج . ابن زيد: لا تطيب نفسه أن يعطيها شيئا فتحلله ، ولا تطيب نفسها أن تعطيه شيئا من مالها ، فتعطفه عليها .
قوله تعالى: وإن تحسنوا فيه قولان .
أحدهما: بالصبر على التي يكرهها . والثاني: بالإحسان إليها في عشرتها .
قوله تعالى: وتتقوا يعني: الجور عليها فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم عليه .