[ ص: 327 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[157 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19573_32495_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون
"أولئك" إشارة إلى الصابرين باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت "عليهم صلوات من ربهم"
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : الصلاة ، وإن كانت في الأصل الدعاء ، فهي من الله البركة على وجه ، والمغفرة على وجه . وقال
الرازي : الصلاة من الله هي الثناء والمدح والتعظيم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : وإنما قال "صلوات" على الجمع ، تنبيها على كثرتها منه وأنها حاصلة في الدنيا توفيقا وإرشادا ، وفي الآخرة ثوابا ومغفرة "ورحمة" عظيمة في الدنيا عوض مصيبتهم "وأولئك هم المهتدون" أي إلى الوفاء بحق الربوبية والعبودية ، فلا بد أن يوفي الله عليهم صلواته ورحمته .
(تنبيه) ورد في
nindex.php?page=treesubj&link=19604_33155_24434_19586ثواب الاسترجاع وهو قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، عند المصائب ، وفي
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19579أجر الصابرين ، أحاديث كثيرة . منها ما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658534« ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيرا منها ، إلا أجره الله في مصيبته ، وأخلف له خيرا منها » . قالت : فلما توفي nindex.php?page=showalam&ids=233أبو سلمة قلت : من خير من أبي سلمة: صاحب رسول الله ؟ ثم عزم الله لي فقلتها . قالت : فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين بن علي عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=909371« ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها ، وإن طال عهدها ، فيحدث لذلك استرجاعا ، إلا جدد الله له عند ذلك ، فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب بها » .
[ ص: 328 ] وروى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بسنده عن
أبي سنان قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663312دفنت ابنا لي ، وإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة (يعني الخولاني) فأخرجني وقال : ألا أبشرك ؟ قال قلت : بلى . قال : حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال الله تعالى : يا ملك الموت ، قبضت ولد عبدي ، قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده ؟ قال : نعم . قال : فما قال ؟ قال : حمدك واسترجع . قال ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد » . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وقال : حسن غريب .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655213« من يرد الله به خيرا يصب منه » .
وروى الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655210« ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه » .
ورويا أيضا عن
عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655228« ما من مسلم يصيبه أذى من مرض [ ص: 329 ] فما سواه إلا حط الله به عنه من سيئاته ، كما تحط الشجرة ورقها » .
والأحاديث في ذلك متوافرة معروفة في كتب السنة .
وللإمام
عز الدين محمد بن عبد السلام ، رحمه الله تعالى ، كلام على فوائد المحن والرزايا يحسن إيراده هنا . قال عليه الرحمة : للمصائب والبلايا والمحن والرزايا فوائد تختلف باختلاف رتب الناس :
أحدها : معرفة عز الربوبية وقهرها .
والثاني : معرفة ذلة العبودية وكسرها ، وإليه الإشارة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده ، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره وقضائه وتقديره لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه .
والثالثة : الإخلاص لله تعالى ; إذ لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه ، ولا معتمد في كشفها إلا عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين [ ص: 330 ] الرابعة : الإنابة إلى الله تعالى والإقبال عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه
الخامسة : التضرع والدعاء :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وإذا مس الإنسان الضر دعانا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين
السادسة : الحلم ممن صدرت عنه المصيبة :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114إن إبراهيم لأواه حليم [ ص: 331 ] nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=53إنا نبشرك بغلام عليم [ وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=911616أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد قيس ] : « إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى : الحلم والأناة » . وتختلف مراتب الحلم باختلاف المصائب في صغرها وكبرها ، فالحلم عند أعظم المصائب أفضل من كل حلم .
السابعة : العفو عن جانيها :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والعافين عن الناس nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فمن عفا وأصلح فأجره على الله والعفو عن أعظمها أفضل من كل عفو .
الثامنة : الصبر عليها ، وهو موجب لمحبة الله تعالى وكثرة ثوابه :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146والله يحب الصابرين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر .
[ ص: 332 ] التاسعة : الفرح بها لأجل فوائدها : قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=692303« والذي نفسي بيده ! إن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء » . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : حبذا المكروهان الموت والفقر . وإنما فرحوا بها إذ لا وقع لشدتها ومرارتها بالنسبة إلى ثمرتها وفائدتها ، كما يفرح من عظمت أدواؤه بشرب الأدوية الحاسمة لها ، مع تجرعه لمرارتها .
العاشرة : الشكر عليها لما تضمنته من فوائدها . كما يشكر المريض الطبيب القاطع لأطرافه ، المانع من شهواته ، لما يتوقع في ذلك من البرء والشفاء .
الحادية عشرة : تمحيصها للذنوب والخطايا :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير nindex.php?page=hadith&LINKID=661678« ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الهم يهمه [ ص: 333 ] والشوكة يشاكها إلا كفر به من سيئاته » .
الثانية عشرة : رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم ; فالناس معافى ومبتلى ، فارحموا أهل البلاء واشكروا الله تعالى على العافية ، وإنما يرحم العشاق من عشق .
الثالثة عشرة : معرفة قدر نعمة العافية والشكر عليها . فإن النعم لا تعرف أقدارها إلا بعد فقدها .
الرابعة عشرة : ما أعده الله تعالى على هذه الفوائد من ثواب الآخرة على اختلاف مراتبها .
الخامسة عشرة: ما في طيها من الفوائد الخفية :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم [ ص: 334 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
ولما أخذ الجبار
سارة من
إبراهيم كان في طي تلك البلية أن أخدمها
هاجر . فولدت
إسماعيل لإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، فكان من ذرية
إسماعيل خاتم النبيين ، فأعظم بذلك من خبر كان في طي تلك البلية ، وقد قيل :
كم نعمة مطوية لك بين أثناء المصائب
[ ص: 335 ] وقال آخر :
رب مبغوض كريه فيه لله لطائف
السادسة عشرة : إن المصائب والشدائد تمنع من الأشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر ، فإن
نمرود ، لو كان فقيرا سقيما ، فاقد السمع والبصر ، لما حاج
إبراهيم في ربه ، لكن حمله بطر الملك على ذلك ، وقد علل الله سبحانه وتعالى محاجته بإتيانه الملك ، ولو ابتلي
فرعون بمثل ذلك لما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إن الإنسان ليطغى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أن رآه استغنى nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=27ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16لأسقيناهم ماء غدقا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لنفتنهم فيه nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=34وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال [ ص: 336 ] مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون
والفقراء والضعفاء هم الأولياء وأتباع الأنبياء . ولهذه الفوائد الجليلة كان أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ; نسبوا إلى الجنون ، والسحر ، والكهانة واستهزئ بهم وسخر منهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34فصبروا على ما كذبوا وأوذوا وقيل لنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ ص: 337 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا كالذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وتغربوا عن أوطانهم ، وكثر عناهم ، واشتد بلاهم ، وتكاثر أعداهم . فغلبوا في بعض المواطن ، وقتل منهم بأحد وبئر معونة من قتل . وشج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وقتل أعزاؤه ومثل بهم ، فشمتت أعداؤه واغتم أولياؤه ، وابتلوا يوم الخندق ، وزلزلوا زلزالا شديدا ، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وكانوا في خوف دائم وعري لازم . وفقر مدقع . حتى شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع . ولم يشبع سيد الأولين والآخرين من خبز بر في يوم مرتين ، وأوذي بأنواع الأذية حتى قذفوا أحب أهله إليه .
ثم ابتلي في آخر الأمر
[ ص: 338 ] بمسيلمة وطليحة والعنسي ، ولقي هو وأصحابه في جيش العسرة ما لقوه ، ومات ودرعه عند يهودي على آصع من شعير . ولم تزل الأنبياء والصالحون يتعهدون بالبلاء الوقت بالوقت
nindex.php?page=hadith&LINKID=682366 (يبتلى الرجل على قدر دينه ، فإن كان صلبا في دينه شدد في بلائه . nindex.php?page=hadith&LINKID=653563ولقد كان أحدهم يوضع المنشار على مفرقه فلا يصده ذلك عن دينه) . وقال عليه الصلاة والسلام :
[ ص: 339 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=662032« مثل المؤمن مثل الزرع ، لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء » . وقال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662033« مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح ، تصرعها مرة وتعدلها مرة حتى تهيج » فحال الشدة والبلوى مقبلة بالعبد إلى الله عز وجل ، وحال العافية والنعماء صارفة للعبد عن الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه فلأجل ذلك تقللوا في المأكل والمشارب والمناكح والمجالس والمراكب وغير ذلك . ليكونوا على حالة توجب لهم الرجوع إلى الله تعالى عز وجل والإقبال عليه .
السابعة عشرة : الرضا الموجب لرضوان الله تعالى ، فإن المصائب تنزل بالبر والفاجر ، فمن سخطها فله السخط وخسران الدنيا والآخرة ، ومن رضيها فله الرضا . والرضا أفضل من الجنة وما فيها ; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72ورضوان من الله أكبر أي : من جنات عدن ومساكنها الطيبة .
[ ص: 340 ] فهذه نبذة مما حضرنا من فوائد البلوى ونحن نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة فلسنا من رجال البلوى.وفقنا الله تعالى لما يحب ويرضى وعافانا من المحن والرزايا بمنه وكرمه . آمين
[ ص: 327 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[157 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19573_32495_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=157أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
"أُولَئِكَ" إِشَارَةٌ إِلَى الصَّابِرِينَ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِمْ بِمَا ذَكَرَ مِنَ النُّعُوتِ "عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ"
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ : الصَّلَاةُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ الدُّعَاءَ ، فَهِيَ مِنَ اللَّهِ الْبَرَكَةُ عَلَى وَجْهٍ ، وَالْمَغْفِرَةُ عَلَى وَجْهٍ . وَقَالَ
الرَّازِيُّ : الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ هِيَ الثَّنَاءُ وَالْمَدْحُ وَالتَّعْظِيمُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ : وَإِنَّمَا قَالَ "صَلَوَاتٌ" عَلَى الْجَمْعِ ، تَنْبِيهًا عَلَى كَثْرَتِهَا مِنْهُ وَأَنَّهَا حَاصِلَةٌ فِي الدُّنْيَا تَوْفِيقًا وَإِرْشَادًا ، وَفِي الْآخِرَةِ ثَوَابًا وَمَغْفِرَةً "وَرَحْمَةٌ" عَظِيمَةٌ فِي الدُّنْيَا عِوَضُ مُصِيبَتِهِمْ "وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" أَيْ إِلَى الْوَفَاءِ بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُوَفِّيَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتِهُ وَرَحْمَتَهُ .
(تَنْبِيهٌ) وَرَدَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19604_33155_24434_19586ثَوَابِ الِاسْتِرْجَاعِ وَهُوَ قَوْلُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، عِنْدَ الْمَصَائِبِ ، وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=19572_19579أَجْرِ الصَّابِرِينَ ، أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ . مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658534« مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي ، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا » . قَالَتْ : فَلَمَّا تُوُفِّيَ nindex.php?page=showalam&ids=233أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ : مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ: صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ؟ ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُهَا . قَالَتْ : فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَرَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=909371« مَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَذْكُرُهَا ، وَإِنْ طَالَ عَهْدُهَا ، فَيَحْدُثُ لِذَلِكَ اسْتِرْجَاعًا ، إِلَّا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ ، فَأَعْطَاهُ مِثْلَ أَجْرِهَا يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا » .
[ ص: 328 ] وَرَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ عَنْ
أَبِي سِنَانٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663312دَفَنْتُ ابْنًا لِي ، وَإِنِّي لَفِي الْقَبْرِ إِذْ أَخَذَ بِيَدِي أَبُو طَلْحَةَ (يَعْنِي الْخَوْلَانِيَّ) فَأَخْرَجَنِي وَقَالَ : أَلَا أُبَشِّرُكَ ؟ قَالَ قُلْتُ : بَلَى . قَالَ : حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ، قَبَضْتَ وَلَدَ عَبْدِي ، قَبَضْتَ قُرَّةَ عَيْنِهِ وَثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَمَا قَالَ ؟ قَالَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ . قَالَ ابْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ » . وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655213« مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ » .
وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655210« مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمُ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » .
وَرَوَيَا أَيْضًا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655228« مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ [ ص: 329 ] فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا » .
وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مُتَوَافِرَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ .
وَلِلْإِمَامِ
عِزِّ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، كَلَامٌ عَلَى فَوَائِدِ الْمِحَنِ وَالرَّزَايَا يَحْسُنُ إِيرَادُهُ هُنَا . قَالَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ : لِلْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا وَالْمِحَنِ وَالرَّزَايَا فَوَائِدُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ رُتَبِ النَّاسِ :
أَحَدُهَا : مَعْرِفَةُ عِزِّ الرُّبُوبِيَّةِ وَقَهْرِهَا .
وَالثَّانِي : مَعْرِفَةُ ذِلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ وَكَسْرِهَا ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ وَعَبِيدُهُ ، وَأَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى حُكْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَقَضَائِهِ وَتَقْدِيرِهِ لَا مَفَرَّ لَهُمْ مِنْهُ وَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ .
وَالثَّالِثَةُ : الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى ; إِذْ لَا مَرْجِعَ فِي رَفْعِ الشَّدَائِدِ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَا مُعْتَمَدَ فِي كَشْفِهَا إِلَّا عَلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=17وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ ص: 330 ] الرَّابِعَةُ : الْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=8وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ
الْخَامِسَةُ : التَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=67وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=41بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=63قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
السَّادِسَةُ : الْحِلْمُ مِمَّنْ صَدَرَتْ عَنْهُ الْمُصِيبَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [ ص: 331 ] nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=53إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ [ وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=911616أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ قَيْسٍ ] : « إِنَّ فِيكَ لِخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ تَعَالَى : الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ » . وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ الْحِلْمِ بِاخْتِلَافِ الْمَصَائِبِ فِي صِغَرِهَا وَكِبَرِهَا ، فَالْحِلْمُ عِنْدَ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ حِلْمٍ .
السَّابِعَةُ : الْعَفْوُ عَنْ جَانِيهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَالْعَفْوُ عَنْ أَعْظَمِهَا أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ عَفْوٍ .
الثَّامِنَةُ : الصَّبْرُ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَثْرَةِ ثَوَابِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=146وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ .
[ ص: 332 ] التَّاسِعَةُ : الْفَرَحُ بِهَا لِأَجْلِ فَوَائِدِهَا : قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=692303« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! إِنْ كَانُوا لَيَفْرَحُونِ بِالْبَلَاءِ كَمَا تَفْرَحُونَ بِالرَّخَاءِ » . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : حَبَّذَا الْمَكْرُوهَانِ الْمَوْتُ وَالْفَقْرُ . وَإِنَّمَا فَرِحُوا بِهَا إِذْ لَا وَقْعَ لِشِدَّتِهَا وَمَرَارَتِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَمَرَتِهَا وَفَائِدَتِهَا ، كَمَا يَفْرَحُ مَنْ عَظُمَتْ أَدْوَاؤُهُ بِشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ الْحَاسِمَةِ لَهَا ، مَعَ تَجَرُّعِهِ لِمَرَارَتِهَا .
الْعَاشِرَةُ : الشُّكْرُ عَلَيْهَا لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ فَوَائِدِهَا . كَمَا يَشْكُرُ الْمَرِيضُ الطَّبِيبَ الْقَاطِعَ لِأَطْرَافِهِ ، الْمَانِعَ مِنْ شَهَوَاتِهِ ، لِمَا يَتَوَقَّعُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْبُرْءِ وَالشِّفَاءِ .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : تَمْحِيصُهَا لِلذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=661678« وَلَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ وَصَبٌ وَلَا نَصَبٌ حَتَّى الْهَمِّ يُهِمُّهُ [ ص: 333 ] وَالشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ » .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : رَحْمَةُ أَهْلِ الْبَلَاءِ وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى بَلْوَاهُمْ ; فَالنَّاسُ مُعَافًى وَمُبْتَلًى ، فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى الْعَافِيَةِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ الْعُشَّاقَ مَنْ عَشَقَ .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : مَعْرِفَةُ قَدْرِ نِعْمَةِ الْعَافِيَةِ وَالشُّكْرُ عَلَيْهَا . فَإِنَّ النِّعَمَ لَا تُعْرَفُ أَقْدَارُهَا إِلَّا بَعْدَ فَقْدِهَا .
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْفَوَائِدِ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: مَا فِي طَيِّهَا مِنَ الْفَوَائِدِ الْخَفِيَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ ص: 334 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَلَمَّا أَخَذَ الْجَبَّارُ
سَارَّةَ مِنْ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ فِي طَيِّ تِلْكَ الْبَلِيَّةِ أَنْ أَخْدَمَهَا
هَاجَرَ . فَوَلَدَتْ
إِسْمَاعِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَكَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ
إِسْمَاعِيلَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، فَأَعْظِمْ بِذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ كَانَ فِي طَيِّ تِلْكَ الْبَلِيَّةِ ، وَقَدْ قِيلَ :
كَمْ نِعْمَةٍ مَطْوِيَّةٍ لَكَ بَيْنَ أَثْنَاءِ الْمَصَائِبِ
[ ص: 335 ] وَقَالَ آخَرُ :
رُبَّ مَبْغُوضٍ كَرِيهٍ فِيهِ لِلَّهِ لَطَائِفُ
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : إِنَّ الْمَصَائِبَ وَالشَّدَائِدَ تَمْنَعُ مِنَ الْأَشَرِ وَالْبَطَرِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ ، فَإِنَّ
نَمْرُودَ ، لَوْ كَانَ فَقِيرًا سَقِيمًا ، فَاقِدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، لَمَا حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ، لَكِنْ حَمَلَهُ بَطَرُ الْمُلْكِ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ عَلَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحَاجَّتَهُ بِإِتْيَانِهِ الْمُلْكَ ، وَلَوِ ابْتُلِيَ
فِرْعَوْنُ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=74وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=27وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=116وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=17لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=34وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ [ ص: 336 ] مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
وَالْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ هُمُ الْأَوْلِيَاءُ وَأَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ . وَلِهَذِهِ الْفَوَائِدِ الْجَلِيلَةِ كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ ، ثُمَّ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ ; نُسِبُوا إِلَى الْجُنُونِ ، وَالسِّحْرِ ، وَالْكَهَانَةِ وَاسْتُهْزِئَ بِهِمْ وَسُخِرَ مِنْهُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا وَقِيلَ لَنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=214أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [ ص: 337 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا كَالَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَتَغَرَّبُوا عَنْ أَوْطَانِهِمْ ، وَكَثُرَ عَنَاهُمْ ، وَاشْتَدَّ بَلَاهُمْ ، وَتَكَاثَرَ أَعْدَاهُمْ . فَغُلِبُوا فِي بَعْضِ الْمُوَاطِنِ ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ بِأُحُدٍ وَبِئْرِ مَعُونَةَ مَنْ قُتِلَ . وَشُجَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ ، وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَقُتِلَ أَعِزَّاؤُهُ وَمُثِّلَ بِهِمْ ، فَشَمِتَتْ أَعْدَاؤُهُ وَاغْتَمَّ أَوْلِيَاؤُهُ ، وَابْتُلُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ، وَزَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ، وَكَانُوا فِي خَوْفٍ دَائِمٍ وَعُرْيٍ لَازِمٍ . وَفَقْرٍ مُدْقِعٍ . حَتَّى شَدُّوا الْحِجَارَةَ عَلَى بُطُونِهِمْ مِنَ الْجُوعِ . وَلَمْ يَشْبَعْ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ، وَأُوذِيَ بِأَنْوَاعِ الْأَذِيَّةِ حَتَّى قَذَفُوا أَحَبَّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ .
ثُمَّ ابْتُلِيَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ
[ ص: 338 ] بِمُسَيْلِمَةَ وَطُلَيْحَةَ وَالْعَنْسِيِّ ، وَلَقِيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ مَا لَقُوهُ ، وَمَاتَ وَدِرْعُهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى آصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ . وَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ يَتَعَهَّدُونَ بِالْبَلَاءِ الْوَقْتَ بِالْوَقْتِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=682366 (يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ صُلْبًا فِي دِينِهِ شُدِّدَ فِي بَلَائِهِ . nindex.php?page=hadith&LINKID=653563وَلَقَدْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِهِ فَلَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ) . وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
[ ص: 339 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=662032« مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الزَّرْعِ ، لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ » . وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662033« مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تَفِيئُهَا الرِّيحُ ، تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً حَتَّى تَهِيجَ » فَحَالُ الشِّدَّةِ وَالْبَلْوَى مُقْبِلَةٌ بِالْعَبْدِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَحَالُ الْعَافِيَةِ وَالنَّعْمَاءِ صَارِفَةٌ لِلْعَبْدِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَقَلَّلُوا فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَنَاكِحِ وَالْمَجَالِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . لِيَكُونُوا عَلَى حَالَةٍ تُوجِبُ لَهُمُ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِقْبَالَ عَلَيْهِ .
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : الرِّضَا الْمُوجِبُ لِرِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ الْمَصَائِبَ تَنْزِلُ بِالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ ، فَمَنْ سَخَطَهَا فَلَهُ السُّخْطُ وَخُسْرَانُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ رَضِيَهَا فَلَهُ الرِّضَا . وَالرِّضَا أَفْضَلُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ أَيْ : مِنْ جَنَّاتِ عَدْنٍ وَمَسَاكِنِهَا الطَّيِّبَةِ .
[ ص: 340 ] فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِمَّا حَضَرَنَا مِنْ فَوَائِدِ الْبَلْوَى وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَسْنَا مِنْ رِجَالِ الْبَلْوَى.وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وَعَافَانَا مِنَ الْمِحَنِ وَالرَّزَايَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ . آمِينَ