القول في تأويل قوله تعالى :
[78-79]
nindex.php?page=treesubj&link=28659_32412_32438_32688_33147_34275_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون nindex.php?page=treesubj&link=28659_32433_32438_33679_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا عطف على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا منتظم معه في سلك أدلة التوحيد من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=65والله أنـزل من السماء ماء وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=70والله خلقكم وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71والله فضل بعضكم على بعض أفاده
أبو السعود . و ( شيئا ) منصوب على المصدرية أو مفعول ( تعلمون ) والنفي منصب عليه . أي : لا تعلمون شيئا أصلا من حق المنعم وغيره .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وجعل لكم السمع أي : فتدركون به الأصوات :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والأبصار فتحسون المرئيات :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والأفئدة أي : العقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78لعلكم تشكرون أي : لتصرفوها فيما خلقت له من التوحيد والاعتبار بها ، والمشي على السنن الكونية . ثم نبه تعالى على آيته في خلقه الطير بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ألم يروا إلى الطير مسخرات أي : مذللات :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79في جو السماء ما يمسكهن إلا الله أي : ما يمسكهن في الجو من غير تعلق بمادة ولا اعتماد على جسم ثقيل إلا هو سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون قال الحجة الغزالي في " الحكمة في خلق المخلوقات " ، في حكمة الطير ، في هذه الآية ، ما مثاله :
اعلم رحمك الله أن الله تعالى خلق الطير وأحكمه حكمة تقتضي الخفة للطيران . ولم يخلق فيه ما يثقله . وخلق فيه ما يحتاج إليه وما فيه قوامه وصرف غذائه ، فقسم لكل عضو منه ما يناسبه . فإن كان رخوا أو يابسا أو بين ذلك ، انصرف إلى كل عضو من غذائه ما هو لائق به .
[ ص: 3842 ] فخلق للطير الرجلين دون اليدين لضرورة مشيه وتنقله ، وإعانة له في ارتفاعه عن الأرض وقت طيرانه ، واسعة الأسفل ليثبت في موطن على الأرض وهي خف فيه . أو بعض أصابع مخلوقة من جلد رقيق صلب من نسبة جلد ساقيه . وجعل جلد ساقيه غليظا متقنا جدا ليستغني به عن الريش في الحر والبرد . وكان من الحكمة ، خلقه على هذه الصفة ؛ لأنه في رعيه وطلب قوته لا يستغني عن مواضع فيها الطين والماء ، فلو كسيت ساقاه بريش لتضرر ببلله وتلويثه . فأغناه سبحانه عن الريش في موضع لا يليق به حتى يكون مخلصا للطيران . وما خلق من الطير ذا أرجل طوال جعلت رقبته طويلة لينال غذاءه من غير حرج بها . إذ لو طالت رجله وقصر عنقه لم يمكنه الرعي في البراري ولا في البحائر حتى ينكب على صدره . وكثيرا ما يعان بطول المنقار أيضا مع طول العنق ؛ ليزداد مطلبه عليه سهولة . ولو طال عنقه وقصرت رجلاه أثقله عنقه واختل رعيه . وخلق صدره ودائره ملفوفا على عظم كهيئة نصف دائرة ، حتى يخرق في الهواء بغير كلفة ، وكذلك رؤوس أجنحته مدورة إعانة له على الطيران . وجعل لكل جنس من الطير منقارا يناسب رعيه ويصلح لما يغتذي به من تقطيع ولقط وحفر وغير ذلك . فمنه مخلب لتقطيع خص به الكواسر وما قوته اللحم . ومنه عريض مشرشر جوانبه تنطبق على ما يلتقطه انطباقا محكما . ومنه معتدل اللقط وأكل الخضر . ومنه طويل المنقار جعله صلبا شديدا شبه العظم وفيه ليونة ، وما هي في العظم ؛ لكثرة الحاجة إلى استعماله . وهو مقام الأسنان في غير الطير من الحيوان . وقوى سبحانه أصل الريش وجعله قصبا منسوبا فيما يناسبه من الجلد الصلب في الأجنحة ولأجل كثرة الطيران ، ولأن حركة الطيران قوية فهو محتاج إلى الإتقان لأجل الريش . وجعل ريشه وقاية مما يضره من حر أو برد . ومعونة متخللة الهواء للطيران . وخص الأجنحة بأقوى الريش وأثبته وأتقنه ؛ لكثرة دعاء الحاجة إليه . وجعل في سائر بدنه ريشا غيره كسوة ووقاية وجمالا له . وجعل في ريشه من الحكمة ، أن البلل لا يفسده والأدران لا توسخه . فإن أصابه ماء كان أيسر انتفاض
[ ص: 3843 ] يطرد عنه بلله ، فيعود إلى خفته . وجعل له منفذا واحدا للولادة وخروج فضلاته لأجل خفته . وخلق ريش ذنبه معونة له على استقامته في طيرانه ، فلولاه لما مالت به الأجنحة في حال الطيران يمينا وشمالا ، فكان له بمنزل رجل السفينة الذي يعدل بها سيرها . وخلق في طباعه الحذر وقاية لسلامته . ولما كان طعامه يبتلعه بلعا بلا مضغ ، جعل لبعضه منقارا صلبا يقطع به اللحم ويقوم له مقام ما يقطع بالمدية . وصار يزدرد ما يأكله صحيحا . وأعين بفضل حرارة في جوفه تطحن الطعام طحنا يستغني به عن المضغ وثقل الأسنان . واعتبر ذلك بحب العنب وغيره . فإنه يخرج من بطون الحيوان صحيحا ، وينسحق في أجواف الطير . ثم إنه خلقه يبيض ولا يلد ، لئلا يثقل عن الطيران . فإنه لو خلقت فراخه في جوفه حتى يكمل خلقها لثقل بها وتعوق عن النهوض للطيران . أفلا ترى كيف دبر كل شيء من خلقه بما يليق به من الحكمة ؟ ! انتهى ملخصا .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[78-79]
nindex.php?page=treesubj&link=28659_32412_32438_32688_33147_34275_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ nindex.php?page=treesubj&link=28659_32433_32438_33679_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=72وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا مُنْتَظِمٌ مَعَهُ فِي سِلْكِ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=65وَاللَّهُ أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=70وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَفَادَهُ
أَبُو السُّعُودِ . وَ ( شَيْئًا ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَوْ مَفْعُولُ ( تَعْلَمُونَ ) وَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَيْهِ . أَيْ : لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا أَصْلًا مِنْ حَقِّ الْمُنْعِمِ وَغَيْرِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ أَيْ : فَتُدْرِكُونَ بِهِ الْأَصْوَاتَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَالأَبْصَارَ فَتُحِسُّونَ الْمَرْئِيَّاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَالأَفْئِدَةَ أَيِ : الْعُقُولَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ : لِتَصْرِفُوهَا فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالِاعْتِبَارِ بِهَا ، وَالْمَشْيِ عَلَى السُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ . ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى آيَتِهِ فِي خَلْقِهِ الطَّيْرَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ أَيْ : مُذَلَّلَاتٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ أَيْ : مَا يُمْسِكُهُنَّ فِي الْجَوِّ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ بِمَادَّةٍ وَلَا اعْتِمَادٍ عَلَى جِسْمٍ ثَقِيلٍ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قَالَ الْحُجَّةُ الْغَزَالِيُّ فِي " الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ " ، فِي حِكْمَةِ الطَّيْرِ ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، مَا مِثَالُهُ :
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الطَّيْرَ وَأَحْكَمَهُ حِكْمَةً تَقْتَضِي الْخِفَّةَ لِلطَّيَرَانِ . وَلَمْ يَخْلُقْ فِيهِ مَا يُثْقِلُهُ . وَخَلَقَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَا فِيهِ قِوَامُهُ وَصَرْفُ غِذَائِهِ ، فَقَسَّمَ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ مَا يُنَاسِبُهُ . فَإِنْ كَانَ رَخْوًا أَوْ يَابِسًا أَوْ بَيْنَ ذَلِكَ ، انْصَرَفَ إِلَى كُلِّ عُضْوٍ مِنْ غِذَائِهِ مَا هُوَ لَائِقٌ بِهِ .
[ ص: 3842 ] فَخَلَقَ لِلطَّيْرِ الرِّجْلَيْنِ دُونَ الْيَدَيْنِ لِضَرُورَةِ مَشْيِهِ وَتَنَقُّلِهِ ، وَإِعَانَةً لَهُ فِي ارْتِفَاعِهِ عَنِ الْأَرْضِ وَقْتَ طَيَرَانِهِ ، وَاسِعَةَ الْأَسْفَلِ لِيَثْبُتَ فِي مَوْطِنٍ عَلَى الْأَرْضِ وَهِيَ خُفٌّ فِيهِ . أَوْ بَعْضُ أَصَابِعَ مَخْلُوقَةٍ مِنْ جِلْدٍ رَقِيقٍ صُلْبٍ مِنْ نِسْبَةِ جِلْدِ سَاقَيْهِ . وَجَعَلَ جِلْدَ سَاقَيْهِ غَلِيظًا مُتْقَنًا جِدًّا لِيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ الرِّيشِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ . وَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ ، خَلْقُهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي رَعْيِهِ وَطَلَبِ قُوتِهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مَوَاضِعَ فِيهَا الطِّينُ وَالْمَاءُ ، فَلَوْ كُسِيَتْ سَاقَاهُ بِرِيشٍ لِتَضَرَّرَ بِبَلَلِهِ وَتَلْوِيثِهِ . فَأَغْنَاهُ سُبْحَانَهُ عَنِ الرِّيشِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَلِيقُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ مُخَلَّصًا لِلطَّيَرَانِ . وَمَا خَلَقَ مِنَ الطَّيْرِ ذَا أَرْجُلٍ طِوَالٍ جُعِلَتْ رَقَبَتُهُ طَوِيلَةً لِيَنَالَ غِذَاءَهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ بِهَا . إِذْ لَوْ طَالَتْ رِجْلُهُ وَقَصُرَ عُنُقُهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّعْيُ فِي الْبَرَارِيِّ وَلَا فِي الْبَحَائِرِ حَتَّى يَنْكَبَّ عَلَى صَدْرِهِ . وَكَثِيرًا مَا يُعَانُ بِطُولِ الْمِنْقَارِ أَيْضًا مَعَ طُولِ الْعُنُقِ ؛ لِيَزْدَادَ مَطْلَبُهُ عَلَيْهِ سُهُولَةً . وَلَوْ طَالَ عُنُقُهُ وَقَصُرَتْ رِجْلَاهُ أَثْقَلَهُ عُنُقُهُ وَاخْتَلَّ رَعْيُهُ . وَخَلَقَ صَدْرَهُ وَدَائِرَهُ مَلْفُوفًا عَلَى عَظْمٍ كَهَيْئَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ ، حَتَّى يَخْرُقَ فِي الْهَوَاءِ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ ، وَكَذَلِكَ رُؤُوسُ أَجْنِحَتِهِ مُدَوَّرَةٌ إِعَانَةً لَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ . وَجَعَلَ لِكُلِّ جِنْسٍ مِنَ الطَّيْرِ مِنْقَارًا يُنَاسِبُ رَعْيَهُ وَيَصْلُحُ لِمَا يَغْتَذِي بِهِ مِنْ تَقْطِيعٍ وَلَقْطٍ وَحَفْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَمِنْهُ مِخْلَبٌ لِتَقْطِيعٍ خَصَّ بِهِ الْكَوَاسِرَ وَمَا قُوتُهُ اللَّحْمُ . وَمِنْهُ عَرِيضٌ مُشَرْشَرٌ جَوَانِبُهُ تَنْطَبِقُ عَلَى مَا يَلْتَقِطُهُ انْطِبَاقًا مُحْكَمًا . وَمِنْهُ مُعْتَدِلُ اللَّقْطِ وَأَكْلُ الْخُضْرِ . وَمِنْهُ طَوِيلُ الْمِنْقَارِ جَعَلَهُ صُلْبًا شَدِيدًا شِبْهَ الْعَظْمِ وَفِيهِ لُيُونَةٌ ، وَمَا هِيَ فِي الْعَظْمِ ؛ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ . وَهُوَ مَقَامُ الْأَسْنَانِ فِي غَيْرِ الطَّيْرِ مِنَ الْحَيَوَانِ . وَقَوَّى سُبْحَانَهُ أَصْلَ الرِّيشِ وَجَعَلَهُ قَصَبًا مَنْسُوبًا فِيمَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْجِلْدِ الصُّلْبِ فِي الْأَجْنِحَةِ وَلِأَجْلِ كَثْرَةِ الطَّيَرَانِ ، وَلِأَنَّ حَرَكَةَ الطَّيَرَانِ قَوِيَّةٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْإِتْقَانِ لِأَجْلِ الرِّيشِ . وَجَعَلَ رِيشَهُ وِقَايَةً مِمَّا يَضُرُّهُ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ . وَمَعُونَةُ مُتَخَلِّلَةِ الْهَوَاءِ لِلطَّيَرَانِ . وَخَصَّ الْأَجْنِحَةَ بِأَقْوَى الرِّيشِ وَأَثْبَتِهِ وَأَتْقَنِهِ ؛ لِكَثْرَةِ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ . وَجَعَلَ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ رِيشًا غَيْرَهُ كُسْوَةً وَوِقَايَةً وَجَمَالًا لَهُ . وَجَعَلَ فِي رِيشِهِ مِنَ الْحِكْمَةِ ، أَنَّ الْبَلَلَ لَا يُفْسِدُهُ وَالْأَدْرَانُ لَا تُوَسِّخُهُ . فَإِنْ أَصَابَهُ مَاءٌ كَانَ أَيْسَرُ انْتِفَاضٍ
[ ص: 3843 ] يَطْرُدُ عَنْهُ بَلَلَهُ ، فَيَعُودُ إِلَى خِفَّتِهِ . وَجَعَلَ لَهُ مَنْفَذًا وَاحِدًا لِلْوِلَادَةِ وَخُرُوجِ فَضَلَاتِهِ لِأَجْلِ خِفَّتِهِ . وَخَلَقَ رِيشَ ذَنَبِهِ مَعُونَةً لَهُ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ فِي طَيَرَانِهِ ، فَلَوْلَاهُ لَمَا مَالَتْ بِهِ الْأَجْنِحَةُ فِي حَالِ الطَّيَرَانِ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَكَانَ لَهُ بِمَنْزِلِ رِجْلِ السَّفِينَةِ الَّذِي يَعْدِلُ بِهَا سَيْرَهَا . وَخَلَقَ فِي طِبَاعِهِ الْحَذَرَ وِقَايَةً لِسَلَامَتِهِ . وَلَمَّا كَانَ طَعَامُهُ يَبْتَلِعُهُ بَلْعًا بِلَا مَضْغٍ ، جَعَلَ لِبَعْضِهِ مِنْقَارًا صُلْبًا يَقْطَعُ بِهِ اللَّحْمَ وَيَقُومُ لَهُ مَقَامَ مَا يُقْطَعُ بِالْمُدْيَةِ . وَصَارَ يَزْدَرِدُ مَا يَأْكُلُهُ صَحِيحًا . وَأُعِينَ بِفَضْلِ حَرَارَةٍ فِي جَوْفِهِ تَطْحَنُ الطَّعَامَ طَحْنًا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ الْمَضْغِ وَثِقَلِ الْأَسْنَانِ . وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِحَبِّ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ . فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِ الْحَيَوَانِ صَحِيحًا ، وَيَنْسَحِقُ فِي أَجْوَافِ الطَّيْرِ . ثُمَّ إِنَّهُ خَلَقَهُ يَبِيضُ وَلَا يَلِدُ ، لِئَلَّا يَثْقُلَ عَنِ الطَّيَرَانِ . فَإِنَّهُ لَوْ خُلِقَتْ فِرَاخُهُ فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَكْمُلَ خَلْقُهَا لَثَقُلَ بِهَا وَتَعَوَّقَ عَنِ النُّهُوضِ لِلطَّيَرَانِ . أَفَلَا تَرَى كَيْفَ دَبَّرَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْحِكْمَةِ ؟ ! انْتَهَى مُلَخَّصًا .