[ ص: 1131 ] القول في تأويل قوله تعالى:
وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا [8]
وإذا حضر القسمة أي: قسمة التركة أولو القربى ذوو القرابة ممن لا يرث، قدمهم لأن إعطاءهم صدقة وصلة واليتامى الضعفاء بفقد الآباء والمساكين الضعفاء بفقد ما يكفيهم من المال فارزقوهم منه أي: أعطوهم من الميراث شيئا وقولوا لهم قولا معروفا بتلطيف القول لهم والدعاء لهم بمثل: بارك الله عليكم.
قال في هذه الآية: المعنى أنه إذا حضر هؤلاء الفقراء - من القرابة الذين لا يرثون - واليتامى والمساكين قسمة مال جزيل فإن أنفسهم تتوق إلى شيء منه إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ، وهم يائسون لا يعطون شيئا، فأمر الله تعالى - وهو الرءوف الرحيم - أن يرضخ لهم شيء من الوسط يكون برا بهم، وصدقة عليهم، وإحسانا إليهم، وجبرا لكسرهم، كما قال الله تعالى: ابن كثير كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده [الأنعام: من الآية 141] وذم الذين ينقلون المال خفية؛ خشية أن يطلع عليهم المحاويج وذوو الفاقة كما أخبر به عن أصحاب الجنة: إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين [القلم: من الآية 17] فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين [القلم: 23-24] [ ص: 1132 ] دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها [محمد: 10] فمن جحد حق الله عليه عاقبه في أعز ما يملكه، ولهذا جاء في الحديث: ما خالطت الصدقة مالا إلا أفسدته أي: منعها يكون سبب محق ذلك المال بالكلية، انتهى.
وقد روى ، عن البخاري في الآية قال: هي محكمة وليست بمنسوخة، وفي لفظ عنه: هي قائمة يعمل بها. ابن عباس
وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين في هذه الآية أنها واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم.
وروى في: "مصنفه" أن عبد الرزاق عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه - عبد الرحمن حية - فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه، وتلا: وعائشة وإذا حضر القسمة أولو القربى الآية.
وأخرج ، عن سعيد بن منصور قال: ثلاث آيات مدنيات محكمات ضيعهن كثير من الناس: يحيى بن يعمر وإذا حضر القسمة وآية الاستئذان: والذين لم يبلغوا الحلم منكم وقوله: إنا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية.
وقد ذكر ههنا كثير من المفسرين آثارا عن بعض السلف بأن هذه الآية منسوخة بآية الميراث، وهي من الضعف بمكان، ولقد أبعد القائل بالنسخ عن فهم سر الآية فيما ندبت إليه من هذه المكرمة الجليلة، وهي إسعاف من ذكر من المال الموروث، والنفس الأبية تنفر من أن تأخذ المال الجزل وذو الرحم حاضر محروم، ولا يسعف ولا يساعد، فالآية بينة بنفسها، واضحة في معناها وضوح الشمس في الظهيرة، لا تنسخ أو تقوم الساعة.