وأما إن كان جاهلا بما جاء به الرسول وهو معتقد مع ذلك أنه رسول الله إلى كل أحد في الأمور الباطنة والظاهرة وأنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم لكن
nindex.php?page=treesubj&link=27989_28823ظن أن هذه العبادات البدعية والحقائق الشيطانية هي مما جاء بها الرسول ولم يعلم أنها من الشيطان لجهله بسنته وشريعته ومنهاجه وطريقته وحقيقته ; لا لقصد مخالفته ولا يرجو الهدى في غير متابعته فهذا يبين له الصواب ويعرف ما به من السنة والكتاب فإن تاب وأناب وإلا ألحق بالقسم الذي قبله وكان كافرا مرتدا ولا تنجيه عبادته ولا زهادته من عذاب الله كما لم ينج من ذلك الرهبان وعباد الصلبان وعباد النيران وعباد الأوثان مع كثرة من فيهم ممن له خوارق شيطانية ومكاشفات شيطانية قال
[ ص: 449 ] تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2261&ayano=18قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=2262&ayano=18الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } .
قال
سعد بن أبي وقاص وغيره من
السلف نزلت في أصحاب الصوامع والديارات . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أنهم كانوا يتأولونها في
الحرورية ونحوهم من أهل البدع والضلالات . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3179&ayano=26هل أنبئكم على من تنزل الشياطين }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3180&ayano=26تنزل على كل أفاك أثيم } فالأفاك هو الكذاب والأثيم الفاجر كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6217&ayano=96لنسفعن بالناصية }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6218&ayano=96ناصية كاذبة خاطئة } .
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=27989تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا وإن كان لا يتعمد الكذب كما ثبت في الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596907عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له سبيعة الأسلمية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع فكانت حاملا فوضعت بعد موت زوجها بليال قلائل فقال لها أبو السنابل بن بعكك : ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب أبو السنابل بل حللت فانكحي } وكذلك لما قال
سلمة بن الأكوع إنهم يقولون : إن
عامرا قتل نفسه وحبط عمله فقال : " كذب من قالها ; إنه لجاهد مجاهد " وكان قائل ذلك لم يتعمد الكذب فإنه كان رجلا صالحا وقد روي أنه كان
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن الحضير ; لكنه لما تكلم بلا علم كذبه النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 450 ] وقد قال
أبو بكر وابن مسعود وغيرهما من
الصحابة فيما يفتون فيه باجتهادهم : إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه . فإذا كان خطأ المجتهد المغفور له هو من الشيطان فكيف بمن تكلم بلا اجتهاد يبيح له الكلام في الدين ؟ فهذا خطؤه أيضا من الشيطان مع أنه يعاقب عليه إذا لم يتب والمجتهد خطؤه من الشيطان وهو مغفور له ; كما أن الاحتلام والنسيان وغير ذلك من الشيطان وهو مغفور بخلاف من تكلم بلا اجتهاد يبيح له ذلك فهذا كاذب آثم في ذلك وإن كانت له حسنات في غير ذلك فإن الشيطان ينزل على كل إنسان ويوحي إليه بحسب موافقته له ويطرد بحسب إخلاصه لله وطاعته له قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1859&ayano=15إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } .
وعباده هم الذين عبدوه بما أمرت به رسله من أداء الواجبات والمستحبات وأما من عبده بغير ذلك فإنه من عباد الشيطان ; لا من عباد الرحمن . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3801&ayano=36ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3802&ayano=36وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3803&ayano=36ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون } . والذين يعبدون الشيطان أكثرهم لا يعرفون أنهم يعبدون الشيطان بل قد يظنون أنهم يعبدون الملائكة أو الصالحين كالذين يستغيثون بهم
[ ص: 451 ] ويسجدون لهم فهم في الحقيقة إنما عبدوا الشيطان وإن ظنوا أنهم يتوسلون ويستشفعون بعباد الله الصالحين . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3680&ayano=34ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3681&ayano=34قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } .
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
nindex.php?page=treesubj&link=28806_1491الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ; فإن الشيطان يقارنها حينئذ حتى يكون سجود عباد الشمس له وهم يظنون أنهم يسجدون للشمس وسجودهم للشيطان وكذلك أصحاب دعوات الكواكب الذين يدعون كوكبا من الكواكب ويسجدون له ويناجونه ويدعونه ويصنعون له من الطعام واللباس والبخور والتبركات ما يناسبه كما ذكره صاحب " السر المكتوم "
المشرقي وصاحب " الشعلة النورانية "
البوني المغربي وغيرهما ; فإن هؤلاء تنزل عليهم أرواح تخاطبهم وتخبرهم ببعض الأمور وتقضي لهم بعض الحوائج ويسمون ذلك روحانية الكواكب . ومنهم من يظن أنها ملائكة وإنما هي شياطين تنزل عليهم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4404&ayano=43ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } وذكر الرحمن هو الذي أنزله وهو الكتاب والسنة اللذان قال الله فيهما {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وهو الذكر الذي قال الله فيه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1826&ayano=15إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فمن
nindex.php?page=treesubj&link=28806_18634أعرض عن هذا الذكر وهو الكتاب والسنة قيض له قرين من الشياطين فصار من أولياء الشيطان بحسب ما تابعه . وإن كان مواليا للرحمن تارة وللشيطان أخرى كان فيه من الإيمان وولاية الله بحسب ما والى فيه الرحمن وكان فيه من عداوة الله والنفاق بحسب ما والى فيه الشيطان كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان القلوب " أربعة " قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن . وقلب أغلف فذلك قلب الكافر - و " الأغلف " الذي يلف عليه غلاف .
كما قال تعالى عن
اليهود : {
nindex.php?page=tafseer&surano=652&ayano=4وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم } وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596908من ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه } - وقلب منكوس فذلك قلب المنافق . وقلب فيه مادتان : مادة تمده للإيمان ومادة تمده للنفاق فأيهما غلب كان الحكم له . وقد روي هذا في " مسند الإمام
أحمد " مرفوعا . وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 453 ] أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596909أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر } . فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29559القلب يكون فيه شعبة نفاق وشعبة إيمان . فإذا كان فيه شعبة نفاق كان فيه شعبة من ولايته وشعبة من عداوته ; ولهذا يكون بعض هؤلاء يجري على يديه خوارق من جهة إيمانه بالله وتقواه تكون من كرامات الأولياء ، وخوارق من جهة نفاقه وعداوته تكون من أحوال الشياطين ; ولهذا أمرنا الله تعالى : أن نقول كل صلاة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهدنا الصراط المستقيم }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .
و " المغضوب عليهم " هم الذين يعلمون الحق ويعملون بخلافه و " الضالون " الذين يعبدون الله بغير علم . فمن
nindex.php?page=treesubj&link=29536_20450_20449اتبع هواه وذوقه ووجده مع علمه أنه مخالف للكتاب والسنة فهو من " المغضوب عليهم " وإن كان لا يعلم ذلك فهو من " الضالين " .
نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . والحمد لله رب العالمين . والعاقبة للمتقين . وصلى الله على
محمد .
وَأَمَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى اللَّهِ إلَّا بِمُتَابَعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27989_28823ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْبِدْعِيَّةَ وَالْحَقَائِقَ الشَّيْطَانِيَّةَ هِيَ مِمَّا جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ لِجَهْلِهِ بِسُنَّتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَحَقِيقَتِهِ ; لَا لِقَصْدِ مُخَالَفَتِهِ وَلَا يَرْجُو الْهُدَى فِي غَيْرِ مُتَابَعَتِهِ فَهَذَا يُبَيَّنُ لَهُ الصَّوَابُ وَيُعَرَّفُ مَا بِهِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ فَإِنْ تَابَ وَأَنَابَ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَكَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا وَلَا تُنْجِيهِ عِبَادَتُهُ وَلَا زَهَادَتُهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ كَمَا لَمْ يَنْجُ مِنْ ذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَعُبَّادُ الصُّلْبَانِ وَعُبَّادُ النِّيرَانِ وَعُبَّادُ الْأَوْثَانِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ فِيهِمْ مِمَّنْ لَهُ خَوَارِقُ شَيْطَانِيَّةٌ وَمُكَاشَفَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ قَالَ
[ ص: 449 ] تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2261&ayano=18قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=2262&ayano=18الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } .
قَالَ
سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُ مِنْ
السَّلَفِ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَهَا فِي
الحرورية وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3179&ayano=26هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=3180&ayano=26تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } فَالْأَفَّاكُ هُوَ الْكَذَّابُ وَالْأَثِيمُ الْفَاجِرُ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6217&ayano=96لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=6218&ayano=96نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } .
وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27989تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ كَانَ كَاذِبًا وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596907عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ سبيعة الأسلمية وَقَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ قَلَائِلَ فَقَالَ لَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بعكك : مَا أَنْتَ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْكِ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ بَلْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي } وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ
سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ
عَامِرًا قَتَلَ نَفْسَهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ فَقَالَ : " كَذَبَ مَنْ قَالَهَا ; إنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ " وَكَانَ قَائِلُ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْكَذِبَ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بْنَ الحضير ; لَكِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ كَذَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 450 ] وَقَدْ قَالَ
أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ
الصَّحَابَةِ فِيمَا يُفْتُونَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ : إنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَهُوَ مِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ . فَإِذَا كَانَ خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ الْمَغْفُورِ لَهُ هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَكَيْفَ بِمَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ الْكَلَامَ فِي الدِّينِ ؟ فَهَذَا خَطَؤُهُ أَيْضًا مِنْ الشَّيْطَانِ مَعَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتُبْ وَالْمُجْتَهِدُ خَطَؤُهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ ; كَمَا أَنَّ الِاحْتِلَامَ وَالنِّسْيَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَغْفُورٌ بِخِلَافِ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ فَهَذَا كَاذِبٌ آثِمٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِلُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ وَيُوحِي إلَيْهِ بِحَسَبِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ وَيُطْرَدُ بِحَسَبِ إخْلَاصِهِ لِلَّهِ وَطَاعَتِهِ لَهُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1859&ayano=15إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } .
وَعِبَادُهُ هُمْ الَّذِينَ عَبَدُوهُ بِمَا أَمَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ والْمُسْتَحَبَّاتِ وَأَمَّا مَنْ عَبَدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ عِبَادِ الشَّيْطَانِ ; لَا مِنْ عِبَادِ الرَّحْمَنِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3801&ayano=36أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3802&ayano=36وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3803&ayano=36وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ } . وَاَلَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ بَلْ قَدْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ أَوْ الصَّالِحِينَ كَاَلَّذِينَ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ
[ ص: 451 ] وَيَسْجُدُونَ لَهُمْ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا عَبَدُوا الشَّيْطَانَ وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَتَوَسَّلُونَ وَيَسْتَشْفِعُونَ بِعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3680&ayano=34وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3681&ayano=34قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } .
وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28806_1491الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ غُرُوبِهَا ; فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُقَارِنُهَا حِينَئِذٍ حَتَّى يَكُونَ سُجُودُ عُبَّادِ الشَّمْسِ لَهُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ وَسُجُودُهُمْ لِلشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ دَعَوَاتِ الْكَوَاكِبِ الَّذِينَ يَدْعُونَ كَوْكَبًا مِنْ الْكَوَاكِبِ وَيَسْجُدُونَ لَهُ وَيُنَاجُونَهُ وَيَدْعُونَهُ وَيَصْنَعُونَ لَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْبَخُورِ وَالتَّبَرُّكَاتِ مَا يُنَاسِبُهُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ " السِّرِّ الْمَكْتُومِ "
الْمَشْرِقِيُّ وَصَاحِبُ " الشُّعْلَةِ النُّورَانِيَّةِ "
البوني الْمَغْرِبِيُّ وَغَيْرُهُمَا ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ أَرْوَاحٌ تُخَاطِبُهُمْ وَتُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ الْأُمُورِ وَتَقْضِي لَهُمْ بَعْضَ الْحَوَائِجِ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ رُوحَانِيَّةَ الْكَوَاكِبِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهَا مَلَائِكَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ شَيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4404&ayano=43وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } وَذِكْرُ الرَّحْمَنِ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ فِيهِمَا {
nindex.php?page=tafseer&surano=240&ayano=2وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=460&ayano=3لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5241&ayano=62هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1826&ayano=15إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28806_18634أَعْرَضَ عَنْ هَذَا الذِّكْرِ وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قُيِّضَ لَهُ قَرِينٌ مِنْ الشَّيَاطِينِ فَصَارَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ بِحَسَبِ مَا تَابَعَهُ . وَإِنْ كَانَ مُوَالِيًا لِلرَّحْمَنِ تَارَةً وَلِلشَّيْطَانِ أُخْرَى كَانَ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَوِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ مَا وَالَى فِيهِ الرَّحْمَنَ وَكَانَ فِيهِ مِنْ عَدَاوَةِ اللَّهِ وَالنِّفَاقِ بِحَسَبِ مَا وَالَى فِيهِ الشَّيْطَانَ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ الْقُلُوبُ " أَرْبَعَةٌ " قَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ سِرَاجٌ يُزْهِرُ فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ . وَقَلْبٌ أَغْلَفُ فَذَلِكَ قَلْبُ الْكَافِرِ - و " الْأَغْلَفُ " الَّذِي يُلَفُّ عَلَيْهِ غِلَافٌ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ
الْيَهُودِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=652&ayano=4وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596908مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ } - وَقَلْبٌ مَنْكُوسٌ فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ . وَقَلْبٌ فِيهِ مَادَّتَانِ : مَادَّةٌ تَمُدُّهُ لِلْإِيمَانِ وَمَادَّةٌ تَمُدُّهُ لِلنِّفَاقِ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الْحُكْمُ لَهُ . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ
أَحْمَد " مَرْفُوعًا . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 453 ] أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596909أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } . فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29559الْقَلْبَ يَكُونُ فِيهِ شُعْبَةُ نِفَاقٍ وَشُعْبَةُ إيمَانٍ . فَإِذَا كَانَ فِيهِ شُعْبَةُ نِفَاقٍ كَانَ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ وِلَايَتِهِ وَشُعْبَةٌ مِنْ عَدَاوَتِهِ ; وَلِهَذَا يَكُونُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ خَوَارِقُ مِنْ جِهَةِ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ وَتَقْوَاهُ تَكُونُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَخَوَارِقُ مِنْ جِهَةِ نِفَاقِهِ وَعَدَاوَتِهِ تَكُونُ مِنْ أَحْوَالِ الشَّيَاطِينِ ; وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى : أَنْ نَقُولَ كُلَّ صَلَاةٍ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
{
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .
و " الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " هُمْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَعْمَلُونَ بِخِلَافِهِ و " الضَّالُّونَ " الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ . فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29536_20450_20449اتَّبَعَ هَوَاهُ وَذَوْقَهُ وَوَجْدَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مِنْ " الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ " الضَّالِّينَ " .
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ .