الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                لكن من ليس بمكلف من الأطفال والمجانين قد رفع القلم عنهم فلا يعاقبون وليس لهم من الإيمان بالله وتقواه باطنا وظاهرا ما يكونون به من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وجنده الغالبين لكن يدخلون في الإسلام تبعا لآبائهم كما قال تعالى : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين } . [ ص: 432 ] وهم مع عدم العقل لا يكونون ممن في قلوبهم حقائق الإيمان ومعارف أهل ولاية الله وأحوال خواص الله ; لأن هذه الأمور كلها مشروطة بالعقل ; فالجنون مضاد العقل والتصديق والمعرفة واليقين والهدى والثناء وإنما يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات . فالمجنون وإن كان الله لا يعاقبه ويرحمه في الآخرة فإنه لا يكون من أولياء الله المقربين والمقتصدين الذين يرفع الله درجاتهم . ومن ظن أن أحدا من هؤلاء الذين لا يؤدون الواجبات ولا يتركون المحرمات سواء كان عاقلا أو مجنونا أو مولها أو متولها فمن اعتقد أن أحدا من هؤلاء من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين وجنده الغالبين السابقين المقربين والمقتصدين الذين يرفع الله درجاتهم بالعلم والإيمان مع كونه لا يؤدي الواجبات ولا يترك المحرمات كان المعتقد لولاية مثل هذا كافرا مرتدا عن دين الإسلام غير شاهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو مكذب لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما شهد به ; لأن محمدا أخبر عن الله أن أولياء الله هم المتقون المؤمنون قال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } { الذين آمنوا وكانوا يتقون } وقال تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .

                [ ص: 433 ] و " التقوى " أن يعمل الرجل بطاعة الله على نور من الله يرجو رحمة الله وأن يترك معصية الله على نور من الله يخاف عذاب الله ولا يتقرب ولي الله إلا بأداء فرائضه ثم بأداء نوافله . قال تعالى : " { وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه } " كما جاء في الحديث الصحيح الإلهي . الذي رواه البخاري .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية