[ ص: 455 ] قال شيخ الإسلام : علامة الزمان
أبو العباس أحمد بن تيمية - قدس الله روحه - ونور ضريحه . الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا .
قال الشيخ
أبو محمد عبد القادر " في كتاب ( فتوح الغيب : لا بد
nindex.php?page=treesubj&link=29530لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء : أمر يمتثله . ونهي يجتنبه . وقدر يرضى به .
[ ص: 456 ] فأقل حالة لا يخلو المؤمن فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة فينبغي له أن يلزم بها قلبه ويحدث بها نفسه ويأخذ بها الجوارح في كل أحواله " . ( قلت ) : هذا كلام شريف جامع يحتاج إليه كل أحد ، وهو تفصيل لما يحتاج إليه العبد ، وهي مطابقة لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1698&ayano=12إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } ولقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } ولقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=482&ayano=3وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } فإن " التقوى " تتضمن : فعل المأمور وترك المحظور و " الصبر " يتضمن : الصبر على المقدور .
" فالثلاثة " ترجع إلى هذين الأصلين ، والثلاثة في الحقيقة ترجع إلى امتثال الأمر وهو طاعة الله ورسوله . فحقيقة الأمر أن
nindex.php?page=treesubj&link=29429كل عبد فإنه محتاج في كل وقت إلى طاعة الله ورسوله وهو : أن يفعل في ذلك الوقت ما أمر به في ذلك الوقت ، وطاعة الله ورسوله هي عبادة الله التي خلق لها الجن والإنس . كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1916&ayano=15واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } .
[ ص: 457 ] والرسل كلهم أمروا قومهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } . وإنما كانت " الثلاثة " ترجع إلى امتثال الأمر ; لأنه في الوقت الذي يؤمر فيه بفعل [ شيء ] من الفرائض كالصلوات الخمس والحج ونحو ذلك يحتاج إلى فعل ذلك المأمور وفي الوقت الذي تحدث أسباب المعصية يحتاج إلى الامتناع والكراهة والإمساك عن ذلك وهذا فعل لما أمر به في هذا الوقت وأما من لم تخطر له المعصية ببال فهذا لم يفعل شيئا يؤجر عليه ولكن عدم ذنبه مستلزم لسلامته من عقوبة الذنب ، والعدم المحض المستمر لا يؤمر به وإنما يؤمر بأمر يقدر عليه العبد وذاك لا يكون إلا حادثا : سواء كان إحداث إيجاد أمر أو إعدام أمر .
وأما " القدر الذي يرضى به " فإنه إذا ابتلي بالمرض أو الفقر أو الخوف فهو مأمور بالصبر أمر إيجاب ، ومأمور بالرضا إما أمر إيجاب ، وإما أمر استحباب ; وللعلماء من أصحابنا وغيرهم في ذلك قولان ونفس
nindex.php?page=treesubj&link=19604_19585_19627الصبر والرضا بالمصائب هو طاعة لله ورسوله فهو من امتثال الأمر وهو عبادة لله .
[ ص: 458 ] لكن هذه " الثلاثة " وإن دخلت في امتثال الأمر عند الإطلاق فعند التفصيل والاقتران : إما أن تخص بالذكر وإما أن يقال يراد بهذا ما لا يراد بهذا كما في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فاعبده وتوكل عليه } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2382&ayano=20فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } فإن هذا داخل في العبادة إذا أطلق اسم العبادة ، وعند " الاقتران " إما أن يقال : ذكره عموما وخصوصا وإما أن يقال ذكره خصوصا يغني عن دخوله في العام . ومثل هذا قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إياك نعبد وإياك نستعين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5556&ayano=73واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5557&ayano=73رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5558&ayano=73واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا } وقد يقال : لفظ " التبتيل " لا يتناول هذه الأمور المعطوفة كما يتناولها لفظ العبادة والطاعة . و " بالجملة " فرق ما بين ما يؤمر به الإنسان ابتداء وبين ما يؤمر به عند حاجته إلى جلب المنفعة ودفع المضرة أو عند حب الشيء وبغضه . وكلام الشيخ - قدس الله روحه - يدور على هذا القطب وهو أن يفعل المأمور ويترك المحظور ويخلو فيما سواهما عن إرادة ;
[ ص: 459 ] لئلا يكون له مراد غير فعل ما أمر الله به وما لم يؤمر به العبد بل فعله الرب عز وجل بلا واسطة العبد أو فعله بالعبد بلا هوى من العبد . فهذا هو القدر الذي عليه أن يرضى به . وسيأتي في كلام الشيخ ما يبين مراده وأن العبد في كل حال عليه أن يفعل ما أمر به ويترك ما نهي عنه .
[ ص: 455 ] قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : عَلَّامَةُ الزَّمَانِ
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ . الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يَضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْقَادِرِ " فِي كِتَابِ ( فُتُوحِ الْغَيْبِ : لَا بُدَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29530لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : أَمْرٌ يَمْتَثِلُهُ . وَنَهْيٌ يَجْتَنِبُهُ . وَقَدَرٌ يَرْضَى بِهِ .
[ ص: 456 ] فَأَقَلُّ حَالَةٍ لَا يَخْلُو الْمُؤْمِنُ فِيهَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُلْزِمَ بِهَا قَلْبَهُ وَيُحَدِّثَ بِهَا نَفْسَهُ وَيَأْخُذَ بِهَا الْجَوَارِحَ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ " . ( قُلْت ) : هَذَا كَلَامٌ شَرِيفٌ جَامِعٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ ، وَهُوَ تَفْصِيلٌ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَبْدُ ، وَهِيَ مُطَابِقَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=1698&ayano=12إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=482&ayano=3وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } فَإِنَّ " التَّقْوَى " تَتَضَمَّنُ : فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ وَ " الصَّبْرَ " يَتَضَمَّنُ : الصَّبْرَ عَلَى الْمَقْدُورِ .
" فَالثَّلَاثَةُ " تَرْجِعُ إلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ ، وَالثَّلَاثَةُ فِي الْحَقِيقَةِ تَرْجِعُ إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَهُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . فَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29429كُلَّ عَبْدٍ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ : أَنْ يَفْعَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا أُمِرَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ الَّتِي خَلَقَ لَهَا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1916&ayano=15وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
[ ص: 457 ] وَالرُّسُلُ كُلُّهُمْ أَمَرُوا قَوْمَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1953&ayano=16وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4413&ayano=43وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } . وَإِنَّمَا كَانَتْ " الثَّلَاثَةُ " تَرْجِعُ إلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ ; لِأَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤْمَرُ فِيهِ بِفِعْلِ [ شَيْءٍ ] مِنْ الْفَرَائِضِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى فِعْلِ ذَلِكَ الْمَأْمُورِ وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي تَحْدُثُ أَسْبَابُ الْمَعْصِيَةِ يَحْتَاجُ إلَى الِامْتِنَاعِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا فِعْلٌ لِمَا أُمِرَ بِهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَخْطِرْ لَهُ الْمَعْصِيَةُ بِبَالِ فَهَذَا لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ عَدَمُ ذَنْبِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِسَلَامَتِهِ مِنْ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ ، وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ الْمُسْتَمِرُّ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِأَمْرِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَذَاكَ لَا يَكُونُ إلَّا حَادِثًا : سَوَاءٌ كَانَ إحْدَاثَ إيجَادِ أَمْرٍ أَوْ إعْدَامِ أَمْرٍ .
وَأَمَّا " الْقَدَرُ الَّذِي يَرْضَى بِهِ " فَإِنَّهُ إذَا اُبْتُلِيَ بِالْمَرَضِ أَوْ الْفَقْرِ أَوْ الْخَوْفِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ أَمْرَ إيجَابٍ ، وَمَأْمُورٌ بِالرِّضَا إمَّا أَمْرُ إيجَابٍ ، وَإِمَّا أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ ; وَلِلْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَنَفْسُ
nindex.php?page=treesubj&link=19604_19585_19627الصَّبْرِ وَالرِّضَا بِالْمَصَائِبِ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مِنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَهُوَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ .
[ ص: 458 ] لَكِنْ هَذِهِ " الثَّلَاثَةُ " وَإِنْ دَخَلَتْ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَعِنْدَ التَّفْصِيلِ وَالِاقْتِرَانِ : إمَّا أَنْ تُخَصُّ بِالذِّكْرِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ يُرَادُ بِهَذَا مَا لَا يُرَادُ بِهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2382&ayano=20فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } فَإِنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الْعِبَادَةِ ، وَعِنْدَ " الِاقْتِرَانِ " إمَّا أَنْ يُقَالَ : ذِكْرُهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ ذِكْرُهُ خُصُوصًا يُغْنِي عَنْ دُخُولِهِ فِي الْعَامِّ . وَمِثْلُ هَذَا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5556&ayano=73وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5557&ayano=73رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5558&ayano=73وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا } وَقَدْ يُقَالُ : لَفْظُ " التَّبْتِيلِ " لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمَعْطُوفَةَ كَمَا يَتَنَاوَلُهَا لَفْظُ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ . وَ " بِالْجُمْلَةِ " فَرْقٌ مَا بَيْنَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَى جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ أَوْ عِنْدَ حُبّ الشَّيْءِ وَبُغْضِهِ . وَكَلَامُ الشَّيْخِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَدُورُ عَلَى هَذَا الْقُطْبِ وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ وَيَخْلُوَ فِيمَا سِوَاهُمَا عَنْ إرَادَةٍ ;
[ ص: 459 ] لِئَلَّا يَكُونَ لَهُ مُرَادٌ غَيْرُ فِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ الْعَبْدُ بَلْ فَعَلَهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ بِلَا وَاسِطَةِ الْعَبْدِ أَوْ فَعَلَهُ بِالْعَبْدِ بِلَا هَوَى مِنْ الْعَبْدِ . فَهَذَا هُوَ الْقَدَرُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى بِهِ . وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ مَا يُبَيِّنُ مُرَادَهُ وَأَنَّ الْعَبْدَ فِي كُلِّ حَالٍ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَيَتْرُكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ .