وكما يتناول عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان وذلك أن البيوت سترة كالثياب التي على البدن كما جمع بين اللباسين في قوله تعالى { غض البصر والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } فكل منهما وقاية من الأذى الذي يكون سموما مؤذيا كالحر والشمس والبرد وما يكون من بني آدم من النظر بالعين واليد وغير ذلك .
وقد ذكر في أول " سورة النحل " أصول النعم وذكر هنا ما يدفع البرد فإنه من المهلكات وذكر في أثنائها تمام النعم وما يدفع الحر فإنه من المؤذيات ثم قال : { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } وفي الصحيحين عن { : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح أبي هريرة } وهذا الخاص يفسر العام الذي في الصحيح عن { : أنه رأى رجلا يخذف قال : لا تخذف ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف عبد الله بن مغفل } وقال : إنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ به عدو ولكنها تكسر السن وتفقأ العين " وفي الصحيحين عن { سهل بن سعد } . أن رجلا اطلع في حجرة في باب النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرى يحك بها رأسه فقال لو أعلم أنك تنظر إلي لطعنت به في عينك ; إنما جعل الاستئذان من أجل البصر
وقد ظن طائفة من العلماء أن هذا من باب دفع الصائل ; لأن الناظر معتد بنظره فيدفع كما يدفع سائر البغاة ولو كان الأمر كما قالوا لدفع بالأسهل فالأسهل . ولم يجز قلع عينه ابتداء إذا لم يذهب إلا بذلك والنصوص تخالف ذلك ; فإنه أباح أن تخذفه حتى تفقأ عينه قبل أمره بالانصراف وكذلك قوله { } فجعل نفس النظر مبيحا للطعن في العين ولم يذكر الأمر له بالانصراف وهذا يدل على أنه من باب المعاقبة له على ذلك حيث جنى هذه الجناية على حرمة صاحب البيت فله أن يفقأ عينه بالحصى والمدرى . لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك