[ ص: 121 ] فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
nindex.php?page=treesubj&link=24660الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله من الدين ; فإن رسالة الله : إما إخبار وإما إنشاء .
فالإخبار عن نفسه وعن خلقه : مثل التوحيد والقصص الذي يندرج فيه الوعد والوعيد . والإنشاء الأمر والنهي والإباحة . وهذا كما ذكر في أن : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6334&ayano=112قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ; لتضمنها ثلث التوحيد ; إذ هو قصص ; وتوحيد ; وأمر .
وقوله سبحانه في صفة نبينا صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } هو بيان لكمال رسالته ; فإنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر الله على لسانه بكل معروف ونهى عن كل منكر ; وأحل كل طيب وحرم كل خبيث ; ولهذا روي عنه أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=103632إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } . وقال في الحديث المتفق عليه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62653مثلي ومثل الأنبياء كمثل [ ص: 122 ] رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة ; فكان الناس يطيفون بها ويعجبون من حسنها ; ويقولون : لولا موضع اللبنة فأنا تلك اللبنة } . فبه كمل دين الله المتضمن للأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر وإحلال كل طيب وتحريم كل خبيث . وأما من قبله من الرسل فقد كان يحرم على أممهم بعض الطيبات كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=657&ayano=4فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } . وربما لم يحرم عليهم جميع الخبائث كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=389&ayano=3كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة } .
nindex.php?page=treesubj&link=24660وتحريم الخبائث يندرج في معنى " النهي عن المنكر " كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=24660إحلال الطيبات يندرج في " الأمر بالمعروف " لأن تحريم الطيبات مما نهى الله عنه وكذلك الأمر بجميع المعروف والنهي عن كل منكر مما لم يتم إلا للرسول ; الذي تمم الله به مكارم الأخلاق المندرجة في المعروف وقد قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=677&ayano=5اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } فقد أكمل الله لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا .
وكذلك وصف الأمة بما وصف به نبيها حيث قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=406&ayano=3كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1315&ayano=9والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : كنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة . فبين سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس : فهم أنفعهم لهم وأعظمهم إحسانا إليهم ; لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر حيث أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لكل أحد وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم وهذا كمال النفع للخلق .
وسائر الأمم لم يأمروا كل أحد بكل معروف ; ولا نهوا كل أحد عن كل منكر ولا جاهدوا على ذلك . بل منهم من لم يجاهد والذين جاهدوا
كبني إسرائيل فعامة جهادهم كان لدفع عدوهم عن أرضهم كما يقاتل الصائل الظالم ; لا لدعوة المجاهدين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كما قال
موسى لقومه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=695&ayano=5يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=696&ayano=5قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=698&ayano=5قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=255&ayano=2ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } " فعللوا القتال بأنهم أخرجوا من ديارهم وأبنائهم ومع هذا فكانوا ناكلين عما أمروا به من ذلك ; ولهذا لم تحل لهم الغنائم ; ولم يكونوا يطئون بملك اليمين .
ومعلوم أن أعظم الأمم المؤمنين قبلنا
بنو إسرائيل ; كما جاء في الحديث المتفق على صحته في الصحيحين عن
ابن عباس رضي الله عنهما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600277قال : خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال : عرضت علي الأمم ; فجعل يمر النبي ومعه الرجل ; والنبي معه الرجلان ; والنبي معه الرهط ; والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فرجوت أن يكون أمتي ; فقيل : هذا موسى وقومه . ثم قيل لي : انظر فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل لي : انظر هكذا وهكذا فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل : هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فتفرق الناس ولم يبين لهم فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أما نحن فولدنا في الشرك وكنا آمنا بالله ورسوله ; ولكن هؤلاء أبناؤنا فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هم الذين لا يتطيرون والا يكتوون ; ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون : فقام nindex.php?page=showalam&ids=5735عكاشة بن محصن فقال : [ ص: 125 ] أمنهم أنا يا رسول الله ؟ قال : نعم فقام آخر فقال : أمنهم أنا ؟ فقال : سبقك بها عكاشة .
} ولهذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=24660_21616إجماع هذه الأمة حجة ; لأن الله تعالى أخبر أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر ; فلو اتفقوا على إباحة محرم أو إسقاط واجب ; أو تحريم حلال أو إخبار عن الله تعالى ; أو خلقه بباطل : لكانوا متصفين بالأمر بمنكر والنهي عن معروف : من الكلم الطيب والعمل الصالح ; بل الآية تقتضي أن ما لم تأمر به الأمة فليس من المعروف وما لم تنه عنه فليس من المنكر . وإذا كانت آمرة بكل معروف ناهية عن كل منكر : فكيف يجوز أن تأمر كلها بمنكر أو تنهى كلها عن معروف ؟ والله تعالى كما أخبر بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقد أوجب ذلك على الكفاية منها بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=400&ayano=3ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } .
وإذا أخبر بوقوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها لم يكن من شرط ذلك أن يصل أمر الآمر ونهي الناهي منها إلى كل مكلف في العالم ; إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة : فكيف يشترط فيما هو من توابعها ؟ بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم . ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه :
[ ص: 126 ] كان التفريط منهم لا منه .
[ ص: 121 ] فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ
nindex.php?page=treesubj&link=24660الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ مِنْ الدِّينِ ; فَإِنَّ رِسَالَةَ اللَّهِ : إمَّا إخْبَارٌ وَإِمَّا إنْشَاءٌ .
فَالْإِخْبَارُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ خَلْقِهِ : مِثْلَ التَّوْحِيدِ وَالْقَصَصِ الَّذِي يَنْدَرِجُ فِيهِ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ . وَالْإِنْشَاءُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْإِبَاحَةُ . وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ فِي أَنْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6334&ayano=112قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ; لِتَضَمُّنِهَا ثُلُثَ التَّوْحِيدِ ; إذْ هُوَ قَصَصٌ ; وَتَوْحِيدٌ ; وَأَمْرٌ .
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي صِفَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1118&ayano=7يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } هُوَ بَيَانٌ لِكَمَالِ رِسَالَتِهِ ; فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَنَهَى عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ; وَأَحَلَّ كُلَّ طَيِّبٍ وَحَرَّمَ كُلَّ خَبِيثٍ ; وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=103632إنَّمَا بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } . وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62653مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ [ ص: 122 ] رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ ; فَكَانَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا ; وَيَقُولُونَ : لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ فَأَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةُ } . فَبِهِ كَمُلَ دِينُ اللَّهِ الْمُتَضَمِّنُ لِلْأَمْرِ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ وَإِحْلَالِ كُلِّ طَيِّبٍ وَتَحْرِيمِ كُلِّ خَبِيثٍ . وَأَمَّا مَنْ قَبْلَهُ مِنْ الرُّسُلِ فَقَدْ كَانَ يُحَرِّمُ عَلَى أُمَمِهِمْ بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=657&ayano=4فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } . وَرُبَّمَا لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْخَبَائِثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=389&ayano=3كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ } .
nindex.php?page=treesubj&link=24660وَتَحْرِيمُ الْخَبَائِثِ يَنْدَرِجُ فِي مَعْنَى " النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ " كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24660إحْلَالَ الطَّيِّبَاتِ يَنْدَرِجُ فِي " الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ " لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّيِّبَاتِ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِجَمِيعِ الْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ مِمَّا لَمْ يَتِمَّ إلَّا لِلرَّسُولِ ; الَّذِي تَمَّمَ اللَّهُ بِهِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ الْمُنْدَرِجَةَ فِي الْمَعْرُوفِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=677&ayano=5الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } فَقَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ لَنَا الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِينًا .
وَكَذَلِكَ وَصَفَ الْأُمَّةَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَبِيَّهَا حَيْثُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=406&ayano=3كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1315&ayano=9وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي الْأَقْيَادِ وَالسَّلَاسِلِ حَتَّى تُدْخِلُوهُمْ الْجَنَّةَ . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ لِلنَّاسِ : فَهُمْ أَنْفَعُهُمْ لَهُمْ وَأَعْظَمُهُمْ إحْسَانًا إلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ كَمَّلُوا أَمْرَ النَّاسِ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ جِهَةِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ حَيْثُ أَمَرُوا بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَنَهَوْا عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ لِكُلِّ أَحَدٍ وَأَقَامُوا ذَلِكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذَا كَمَالُ النَّفْعِ لِلْخَلْقِ .
وَسَائِرِ الْأُمَمِ لَمْ يَأْمُرُوا كُلَّ أَحَدٍ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ ; وَلَا نَهَوْا كُلَّ أَحَدٍ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ وَلَا جَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ . بَلْ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَاهِدْ وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا
كَبَنِي إسْرَائِيلَ فَعَامَّةُ جِهَادِهِمْ كَانَ لِدَفْعِ عَدُوِّهِمْ عَنْ أَرْضِهِمْ كَمَا يُقَاتِلُ الصَّائِلُ الظَّالِمُ ; لَا لِدَعْوَةِ الْمُجَاهِدِينَ وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا قَالَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=695&ayano=5يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=696&ayano=5قَالُوا يَا مُوسَى إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=698&ayano=5قَالُوا يَا مُوسَى إنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=255&ayano=2أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا } " فَعَلَّلُوا الْقِتَالَ بِأَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا نَاكِلِينَ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا لَمْ تَحِلَّ لَهُمْ الْغَنَائِمُ ; وَلَمْ يَكُونُوا يَطَئُونَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَعْظَمَ الْأُمَمِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَنَا
بَنُو إسْرَائِيلَ ; كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600277قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ ; فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ ; وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ ; وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ; وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَرَأَيْت سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ أُمَّتِي ; فَقِيلَ : هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ . ثُمَّ قِيلَ لِي : اُنْظُرْ فَرَأَيْت سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي : اُنْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْت سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ : هَؤُلَاءِ أُمَّتُك وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَكُنَّا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ; وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَالَا يَكْتَوُونَ ; وَلَا يسترقون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ : فَقَامَ nindex.php?page=showalam&ids=5735عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ : [ ص: 125 ] أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ : أَمِنْهُمْ أَنَا ؟ فَقَالَ : سَبَقَك بِهَا عُكَّاشَةُ .
} وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=24660_21616إجْمَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ حُجَّةً ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ; فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ مُحَرَّمٍ أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبٍ ; أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ; أَوْ خَلْقِهِ بِبَاطِلِ : لَكَانُوا مُتَّصِفِينَ بِالْأَمْرِ بِمُنْكَرٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مَعْرُوفٍ : مِنْ الْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ; بَلْ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَا لَمْ تَأْمُرْ بِهِ الْأُمَّةُ فَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَمَا لَمْ تَنْهَ عَنْهُ فَلَيْسَ مِنْ الْمُنْكَرِ . وَإِذَا كَانَتْ آمِرَةً بِكُلِّ مَعْرُوفٍ نَاهِيَةً عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ : فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَأْمُرَ كُلُّهَا بِمُنْكَرِ أَوْ تَنْهَى كُلُّهَا عَنْ مَعْرُوفٍ ؟ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهَا تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَدْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى الْكِفَايَةِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=400&ayano=3وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
وَإِذَا أَخْبَرَ بِوُقُوعِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَصِلَ أَمْرُ الْآمِرِ وَنَهْيُ النَّاهِي مِنْهَا إلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي الْعَالَمِ ; إذْ لَيْسَ هَذَا مِنْ شَرْطِ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ : فَكَيْفَ يُشْتَرَطُ فِيمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا ؟ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ وُصُولِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ . ثُمَّ إذَا فَرَّطُوا فَلَمْ يَسْعَوْا فِي وُصُولِهِ إلَيْهِمْ مَعَ قِيَامِ فَاعِلِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ :
[ ص: 126 ] كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْهُمْ لَا مِنْهُ .