الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 313 ] وأما إذا أخذوا المال فقط ولم يقتلوا - كما قد يفعله الأعراب كثيرا - فإنه يقطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى عند أكثر العلماء : كأبي حنيفة وأحمد وغيرهم . وهذا معنى قول الله تعالى : { أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } . تقطع اليد التي يبطش بها والرجل التي يمشي عليها وتحسم يده ورجله بالزيت المغلي ونحوه ; لينحسم الدم فلا يخرج فيفضي إلى تلفه وكذلك تحسم يد السارق بالزيت .

                وهذا الفعل قد يكون أزجر من القتل ; فإن الأعراب وفسقة الجند وغيرهم إذا رأوا دائما من هو بينهم مقطوع اليد والرجل ذكروا بذلك جرمه فارتدعوا ; بخلاف القتل فإنه قد ينسى ; وقد يؤثر بعض النفوس الأبية قتله على قطع يده ورجله من خلاف فيكون هذا أشد تنكيلا له ولأمثاله . وأما إذا شهروا السلاح ولم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا ثم أغمدوه أو هربوا وتركوا الحراب فإنهم ينفون . فقيل : نفيهم تشريدهم فلا يتركون يأوون في بلد . وقيل : هو حبسهم . وقيل : هو ما يراه الإمام أصلح من نفي أو حبس أو نحو ذلك .

                والقتل المشروع : هو ضرب الرقبة بالسيف ونحوه لأن ذلك أروح أنواع القتل وكذلك شرع الله قتل ما يباح قتله من الآدميين والبهائم [ ص: 314 ] إذا قدر عليه على هذا الوجه . قال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته } رواه مسلم وقال : { إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان } . وأما الصلب المذكور فهو رفعهم على مكان عال ليراهم الناس ويشتهر أمرهم وهو بعد القتل عند جمهور العلماء . ومنهم من قال : يصلبون ثم يقتلون وهم مصلبون . وقد جوز بعض العلماء قتلهم بغير السيف حتى قال : يتركون على المكان العالي حتى يموتوا حتف أنوفهم بلا قتل .

                فأما التمثيل في القتل فلا يجوز إلا على وجه القصاص وقد { قال عمران بن حصين رضي الله عنهما ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة حتى الكفار إذا قتلناهم فإنا لا نمثل بهم بعد القتل ولا نجدع آذانهم وأنوفهم ولا نبقر بطونهم إلا إن يكونوا فعلوا ذلك بنا فنفعل بهم مثل ما فعلوا } . والترك أفضل كما قال الله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } { واصبر وما صبرك إلا بالله } قيل إنها نزلت لما مثل المشركون بحمزة وغيره من شهداء أحد رضي الله عنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم { لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بضعفي ما مثلوا بنا } فأنزل الله هذه الآية - وإن كانت قد نزلت قبل ذلك بمكة [ ص: 315 ] مثل قوله : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } وقوله : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } وغير ذلك من الآيات التي نزلت بمكة ثم جرى بالمدينة سبب يقتضي الخطاب فأنزلت مرة ثانية - فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بل نصبر " وفي صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أو في حاجة نفسه أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله تعالى وبمن معه من المسلمين خيرا ثم يقول : اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا } .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية