الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
وسئل رحمه الله عن nindex.php?page=treesubj&link=244_19014_19012الغيبة هل تجوز على أناس معينين أو يعين شخص بعينه ؟ وما حكم ذلك ؟ أفتونا بجواب بسيط ; ليعلم ذلك الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ويستمد كل واحد بحسب قوته بالعلم والحكم .
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . أصل الكلام في هذا أن يعلم أن الغيبة هي كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما { nindex.php?page=hadith&LINKID=600320سئل عن الغيبة فقال : هي ذكرك أخاك بما يكره قيل : يا رسول الله أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته } .
فالكذب على الشخص حرام كله سواء كان الرجل مسلما أو كافرا برا أو فاجرا لكن الافتراء على المؤمن أشد ; بل الكذب كله حرام .
ولكن nindex.php?page=treesubj&link=18998تباح عند الحاجة الشرعية " المعاريض " وقد تسمى كذبا ; لأن الكلام يعني به المتكلم معنى وذلك المعنى يريد أن يفهمه المخاطب فإذا لم يكن على ما يعنيه فهو الكذب المحض وإن كان على ما يعنيه ولكن ليس على ما يفهمه المخاطب فهذه المعاريض وهي كذب باعتبار الأفهام وإن لم تكن كذبا باعتبار الغاية السائغة . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=33081لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله : قوله لسارة : أختي وقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=2567&ayano=21بل فعله كبيرهم هذا } وقوله { nindex.php?page=tafseer&surano=3914&ayano=37إني سقيم } } وهذه الثلاثة معاريض .
وبها احتج العلماء على nindex.php?page=treesubj&link=21039_18998جواز التعريض للمظلوم وهو أن يعني بكلامه ما يحتمله اللفظ وإن لم يفهمه المخاطب ; ولهذا قال من قال من [ ص: 224 ] العلماء : إن ما رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو من هذا كما في حديث أم كلثوم بنت عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=600322ليس الكاذب بالذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينوي خيرا } . ولم يرخص فيما يقول الناس : إنه كذب ; إلا في ثلاث : في الإصلاح بين الناس وفي الحرب ; وفي الرجل يحدث امرأته . قال : فهذا كله من المعاريض خاصة .
ولهذا نفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم اسم الكذب باعتبار القصد والغاية كما ثبت عنه أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=600323الحرب خدعة } وأنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها . ومن هذا الباب قول الصديق في سفر الهجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل يهديني السبيل . { وقول النبي صلى الله عليه وسلم للكافر السائل له في غزوة بدر : نحن من ماء } وقوله للرجل الذي حلف على المسلم الذي أراد الكفار أسره : إنه أخي . وعني أخوة الدين وفهموا منه أخوة النسب فقال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=90002إن كنت لأبرهم وأصدقهم المسلم أخو المسلم } .
والمقصود هنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الاغتياب وبين البهتان وأخبر أن المخبر بما يكره أخوه المؤمن عنه إذا كان صادقا فهو المغتاب وفي قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=600325ذكرك أخاك بما [ ص: 225 ] يكره } موافقة لقوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=4673&ayano=49ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } فجعل جهة التحريم كونه أخا أخوة الإيمان ; ولذلك تغلظت الغيبة بحسب حال المؤمن فكلما كان أعظم إيمانا كان اغتيابه أشد .
إذا تبين هذا فنقول : nindex.php?page=treesubj&link=19012ذكر الناس بما يكرهون هو في الأصل على وجهين ( أحدهما ذكر النوع ( والثاني ذكر الشخص المعين الحي أو الميت .
أما الأول فكل صنف ذمه الله ورسوله يجب ذمه ; وليس ذلك من الغيبة كما أن كل صنف مدحه الله ورسوله يجب مدحه وما لعنه الله ورسوله لعن كما أن من صلى الله عليه وملائكته يصلى عليه . فالله تعالى ذم الكافر والفاجر والفاسق والظالم والغاوي والضال [ ص: 226 ] والحاسد والبخيل والساحر وآكل الربا وموكله والسارق والزاني والمختال والفخور والمتكبر الجبار وأمثال هؤلاء ; كما حمد المؤمن التقي والصادق والبار والعادل والمهتدي والراشد والكريم ; والمتصدق والرحيم وأمثال هؤلاء . { nindex.php?page=hadith&LINKID=11838ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه } والمحلل والمحلل له ولعن من عمل عمل قوم لوط . ولعن من أحدث حدثا أو آوى محدثا ولعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها ولعن اليهود والنصارى حيث حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها ولعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات من بعد ما بينه للناس وذكر لعنة الظالمين .
والله هو وملائكته يصلون على النبي ويصلون على الذين آمنوا . والصابر المسترجع عليه صلاة من ربه ورحمة . والله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير ويستغفر له كل شيء حتى الحيتان والطير وأمر الله نبيه أن يستغفر لذنبه وللمؤمنين والمؤمنات .
فإذا كان المقصود الأمر بالخير والترغيب فيه والنهي عن الشر والتحذير منه : فلا بد من ذكر ذلك ولهذا { nindex.php?page=hadith&LINKID=35797كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه أن أحدا فعل ما ينهى عنه يقول : ما بال رجال يشترطون [ ص: 227 ] شروطا ليست في كتاب الله ؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط } { nindex.php?page=hadith&LINKID=68564ما بال رجال يتنزهون عن أشياء أترخص فيها ؟ والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده } { nindex.php?page=hadith&LINKID=600326ما بال رجال يقول أحدهم : أما أنا فأصوم ولا أفطر ؟ ويقول الآخر : أما أنا فأقوم ولا أنام ؟ ويقول الآخر : لا أتزوج النساء ويقول الآخر : لا آكل اللحم ؟ لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم ; فمن رغب عن سنتي فليس مني } .
[ ص: 228 ] الناس من آدم وآدم من تراب } وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30997إنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض : إلا بالتقوى } .
nindex.php?page=treesubj&link=19015وأما الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع .
منها nindex.php?page=treesubj&link=19016المظلوم له أن يذكر ظالمه بما فيه . إما على وجه دفع ظلمه واستيفاء حقه كما { nindex.php?page=hadith&LINKID=600329قالت هند : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه ليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } كما قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=600330صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته } وقال وكيع : عرضه شكايته وعقوبته حبسه وقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=645&ayano=4لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } وقد روي : أنها نزلت في رجل نزل بقوم فلم يقروه . فإذا كان هذا فيمن ظلم بترك قراه الذي تنازع الناس في وجوبه وإن كان الصحيح أنه واجب فكيف بمن ظلم بمنع حقه الذي اتفق المسلمون على استحقاقه إياه أو يذكر ظالمه على وجه القصاص من غير عدوان ولا دخول في كذب ولا ظلم الغير ; وترك ذلك أفضل .
ومنها أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم [ كما ] في الحديث الصحيح عن { nindex.php?page=hadith&LINKID=600331فاطمة بنت قيس لما استشارت النبي صلى الله عليه وسلم من تنكح ؟ وقالت : إنه خطبني معاوية وأبو جهم فقال : أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء } وروي : { nindex.php?page=hadith&LINKID=600332لا يضع عصاه عن عاتقه } فبين لها أن هذا فقير قد يعجز عن حقك وهذا يؤذيك بالضرب . وكان هذا نصحا لها - وإن تضمن ذكر عيب الخاطب .
وفي معنى هذا nindex.php?page=treesubj&link=19497_19702_18300نصح الرجل فيمن يعامله ومن يوكله ويوصي إليه ومن يستشهده ; بل ومن يتحاكم إليه . وأمثال ذلك ; وإذا كان هذا في مصلحة خاصة فكيف بالنصح فيما يتعلق به حقوق عموم المسلمين : من الأمراء والحكام والشهود والعمال : أهل الديوان وغيرهم ؟ فلا ريب أن النصح في ذلك أعظم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 231 ] { nindex.php?page=hadith&LINKID=14202الدين النصيحة الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم } .
وقد قالوا nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب في أهل الشورى : أمر فلانا وفلانا فجعل يذكر في حق كل واحد من الستة - وهم أفضل الأمة - أمرا جعله مانعا له من تعيينه .
وإذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة والعامة : مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد : سألت مالكا والثوري والليث بن سعد - أظنه - والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ؟ فقالوا : بين أمره . وقال بعضهم nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بن حنبل : أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا . فقال : إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم .
ومثل nindex.php?page=treesubj&link=19018_19019_20345_20442أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة ; فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل . فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس [ ص: 232 ] الجهاد في سبيل الله ; إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ; فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء .
فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس : فسد أمر الكتاب وبدل الدين ; كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله .
وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين : قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا ; وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=1291&ayano=9لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم } فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء ; بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ; بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق ; لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ; ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها .
ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية ومن [ ص: 234 ] يغلط في الرأي والفتيا ومن يغلط في الزهد والعبادة ; وإن كان المخطئ المجتهد مغفورا له خطؤه وهو مأجور على اجتهاده . فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب ; وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله . ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له ; فإن الله غفر له خطأه ; بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه : من ثناء ودعاء وغير ذلك ; وإن علم منه النفاق كما عرف نفاق جماعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الله بن أبي وذويه وكما علم المسلمون نفاق سائر الرافضة : عبد الله بن سبأ وأمثاله : مثل عبد القدوس بن الحجاج ومحمد بن سعيد المصلوب ; فهذا يذكر بالنفاق . nindex.php?page=treesubj&link=28829_20465_20460وإن أعلن بالبدعة ولم يعلم هل كان منافقا أو مؤمنا مخطئا ذكر بما يعلم منه فلا يحل للرجل أن يقفو ما ليس له به علم ولا يحل له أن يتكلم في هذا الباب إلا قاصدا بذلك وجه الله تعالى وأن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله . فمن تكلم في ذلك بغير علم أو بما يعلم خلافه كان آثما .
ثم القائل في ذلك بعلم لا بد له من حسن النية فلو تكلم بحق لقصد العلو في الأرض أو الفساد كان بمنزلة الذي يقاتل حمية ورياء . وإن تكلم لأجل الله تعالى مخلصا له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء خلفاء الرسل . وليس هذا الباب مخالفا لقوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=600336الغيبة ذكرك أخاك بما يكره } فإن الأخ هو المؤمن والأخ المؤمن إن كان صادقا في إيمانه لم يكره ما قلته من هذا الحق الذي يحبه الله ورسوله وإن كان فيه شهادة عليه وعلى ذويه بل عليه أن يقوم بالقسط ويكون شاهدا لله ولو على نفسه أو والديه أو أقربيه ومتى كره هذا الحق كان ناقصا في إيمانه ينقص من أخوته بقدر ما نقص من إيمانه فلم يعتبر كراهته من الجهة التي نقص منها إيمانه ; إذ كراهته لما [ ص: 236 ] لا يحبه الله ورسوله توجب تقديم محبة الله ورسوله كما قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=1306&ayano=9والله ورسوله أحق أن يرضوه } .
ثم قد يقال : هذا لم يدخل في حديث الغيبة لفظا ومعنى . وقد يقال : دخل في ذلك الذين خص منه كما يخص العموم اللفظي والعموم المعنوي وسواء زال الحكم لزوال سببه أو لوجود مانعه فالحكم واحد . والنزاع في ذلك يؤول إلى اللفظ ; إذ العلة قد يعني بها التامة وقد يعني بها المقتضية . والله أعلم وأحكم . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
[ ص: 68 ] [ ص: 69 ] [ ص: 70 ] [ ص: 71 ] سيرة عمر الفاروق ، رضي الله عنه عمر الفاروق عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص القرشي العدوي ، الفاروق رضي الله عنه . استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ، وأمه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل ، أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة .
روى عنه : علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وعدة من الصحابة ، وعلقمة بن وقاص ، وقيس بن أبي حازم ، وطارق بن شهاب ، ومولاه أسلم ، وزر بن حبيش ، وخلق سواهم .
وعن عبد الله بن عمر قال : كان أبي أبيض تعلوه حمرة ، طوالا ، أصلع ، أشيب .
وقال غيره : كان أمهق ، طوالا ، أصلع ، آدم ، أعسر يسر .
وقال أبو رجاء العطاردي : كان طويلا جسيما ، شديد الصلع ، شديد الحمرة ، في عارضيه خفة ، وسبلته كبيرة ، وفي أطرافها [ ص: 72 ] صهبة ، إذا حزبه أمر فتلها .
وقال سماك بن حرب : كان عمر أروح ، كأنه راكب والناس يمشون ، كأنه من رجال بني سدوس . والأروح : الذي يتدانى قدماه إذا مشى .
وقال أنس : كان يخضب بالحناء . وقال سماك : كان عمر يسرع في مشيته .
ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : كان عمر يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره .
وعن ابن عمر وغيره من وجوه جيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب " وقد ذكرنا إسلامه في " الترجمة النبوية " . وقال عكرمة : لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر . وقال سعيد بن جبير : وصالح المؤمنين [ التحريم ] نزلت في عمر خاصة . وقال ابن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .
وقال شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر : إن الناس يزيدهم حرصا على الإسلام أن يروا عليك زيا حسنا من الدنيا . فقال : " أفعل ، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدا " .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : قال [ ص: 73 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض ، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل ، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر . وروي نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري .
قال الترمذي في حديث أبي سعيد : حديث حسن .
قلت : وكذلك حديث ابن عباس حسن .
وعن محمد بن ثابت البناني ، عن أبيه ، عن أنس نحوه .
وفي " مسند أبي يعلى من حديث أبي ذر يرفعه : " إن لكل نبي وزيرين ، ووزيراي أبو بكر وعمر " .
وعن أبي سلمة ، عن أبي أروى الدوسي ، قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر ، فقال : " الحمد لله الذي أيدني بكما " . تفرد به عاصم بن عمر ، وهو ضعيف .
وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين ، فقال : " هذان سيدا كهول أهل الجنة " الحديث .
وروى الترمذي من حديث ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد ، وأبو بكر وعمر معه وهو آخذ بأيديهما ، فقال : " هكذا نبعث يوم القيامة " . إسناده ضعيف . [ ص: 74 ] وقال زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر " .
ورواه سالم أبو العلاء - وهو ضعيف - عن عمرو بن هرم ، عن ربعي . وحديث زائدة حسن .
وروى عبد العزيز بن المطلب بن حنطب ، عن أبيه ، عن جده قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر ، فقال : " هذان السمع والبصر " . ويروى نحوه من حديث ابن عمر وغيره .
وقال يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أقرئ عمر السلام ، وأخبره أن غضبه عز وجل ورضاه حكم " . المرسل أصح ، وبعضهم يصله عن ابن عباس .
وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إيها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " .
وعن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الشيطان يفرق من عمر " . رواه مبارك بن فضالة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم ، عن عائشة .
وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زفن الحبشة لما أتى عمر : " إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس فقد فروا من عمر " . صححه الترمذي . [ ص: 75 ] وقال حسين بن واقد : حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من غزاة ، فقالت : إني نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف ، قال : " إن كنت نذرت فافعلي فضربت " فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقعية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان ليفرق منك يا عمر " .
وقال يحيى بن يمان ، عن الثوري ، عن عمر بن محمد ، عن سالم بن عبد الله قال : أبطأ خبر عمر على أبي موسى الأشعري ، فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه ، فقالت : حتى يجيء شيطاني ، فجاء فسألته عنه ، فقال : تركته مؤتزرا ، وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه ، الملك بين عينيه ، وروح القدس ينطق بلسانه " . وقال زر : كان ابن مسعود يخطب ويقول : إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثا فيرده ، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه . وقالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر بن الخطاب " . رواه مسلم .
وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه " . رواه جماعة عن نافع ، عنه . وروي نحوه عن [ ص: 76 ] جماعة من الصحابة .
وقال الشعبي : قال علي رضي الله عنه : ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر .
وقال أنس : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي قوله : عسى ربه إن طلقكن [ التحريم ] . وقال حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر " .
وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ؛ صلى الله عليه وسلم : " إن الله باهى بأهل عرفة عامة ، وباهى بعمر خاصة " . ويروى مثله عن ابن عمر ، وعقبة بن عامر .
وقال معن القزاز : حدثنا الحارث بن عبد الملك الليثي ، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبيه ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن أخيه الفضل ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحق بعدي مع عمر حيث كان " . وقال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بينا أنا نائم أتيت [ ص: 77 ] بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر " . قالوا : فما أولت ذلك ؟ قال : " العلم " . وقال أبو سعيد : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، ومر علي عمر عليه قميص يجره " . قالوا : ما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " الدين " .
وقال أنس : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدها في دين الله عمر " .
وقال أنس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة فرأيت قصرا من ذهب فقلت : لمن هذا ؟ فقيل : لشاب من قريش ، فظننت أني أنا هو ، فقيل : لعمر بن الخطاب " . وفي الصحيح أيضا من حديث جابر مثله .
وقال أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " بينما أنا نائم رأيتني في الجنة ، فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر ، فذكرت غيرة عمر ، فوليت مدبرا " . قال : فبكى عمر ، وقال : بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار ؟ [ ص: 78 ] وقال الشعبي وغيره : قال علي رضي الله عنه : بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر ، فقال : " هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ، لا تخبرهما يا علي " .
هذا الحديث سمعه الشعبي من الحارث الأعور ، وله طرق حسنة عن علي منها : عاصم ، عن زر . وأبو إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة . قال الحافظ بن عساكر : والحديث محفوظ عن علي رضي الله عنه .
قلت : وروي نحوه من حديث أبي هريرة ، وابن عمر ، وأنس ، وجابر .
وقال مجالد ، عن أبي الوداك ، وقاله جماعة عن عطية كلاهما عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " . وعن إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر ، فقال : " هكذا نبعث يوم القيامة " . تفرد به سعيد بن مسلمة الأموي ، وهو ضعيف عن إسماعيل . وقال علي رضي الله عنه بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، وخيرها بعد أبي بكر عمر ، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته . وهذا متواتر عن علي [ ص: 79 ] رضي الله عنه ، فقبح الله الرافضة .
وقال الثوري ، عن أبي هاشم القاسم بن كثير ، عن قيس الخارفي ، قال : سمعت عليا يقول : سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر ، وثلث عمر ، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله . ورواه شريك ، عن الأسود بن قيس ، عن عمرو بن سفيان ، عن علي مثله .