ولهذا تنازع العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=28633_10023تكفير من يترك شيئا من هذه " الفرائض الأربع " بعد الإقرار بوجوبها ; فأما "
nindex.php?page=treesubj&link=28635_28664الشهادتان " إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين وهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها وذهبت طائفة من
المرجئة وهم جهمية
المرجئة :
كجهم والصالحي وأتباعهما إلى أنه إذا كان مصدقا بقلبه كان كافرا في الظاهر دون الباطن وقد تقدم التنبيه على أصل هذا القول وهو قول مبتدع في الإسلام لم يقله أحد من الأئمة وقد تقدم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان الباطن يستلزم الإقرار الظاهر ; بل وغيره وأن وجود الإيمان الباطن تصديقا وحبا وانقيادا بدون الإقرار الظاهر ممتنع . وأما " الفرائض الأربع " فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة
[ ص: 610 ] فهو كافر وكذلك من
nindex.php?page=treesubj&link=10018_29647جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن
nindex.php?page=treesubj&link=10020_29647يكون حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر كما غلط في ذلك الذين استتابهم
عمر . وأمثال ذلك فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم فإن أصروا كفروا حينئذ ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك ; كما لم يحكم
الصحابة بكفر
nindex.php?page=showalam&ids=121قدامة بن مظعون . وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل .
وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء هي روايات عن
أحمد : ( أحدها : أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء فمتى عزم على تركه بالكلية كفر وهذا قول طائفة من
السلف وهي إحدى الروايات عن
أحمد اختارها
أبو بكر و ( الثاني : أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب
أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو إحدى الروايات عن
أحمد اختارها
ابن بطة وغيره .
[ ص: 611 ] و ( الثالث لا يكفر إلا بترك الصلاة وهي الرواية الثالثة عن
أحمد وقول كثير من
السلف وطائفة من أصحاب
مالك والشافعي وطائفة من أصحاب
أحمد . و ( الرابع : يكفر بتركها وترك الزكاة فقط . و ( الخامس : بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج . وهذه المسألة لها طرفان . ( أحدهما في إثبات الكفر الظاهر . و ( الثاني في إثبات الكفر الباطن .
فأما " الطرف الثاني " فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح ; ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5381&ayano=68يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5382&ayano=68خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون } .
[ ص: 612 ] وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما في الحديث الطويل حديث التجلي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596452أنه إذا تجلى تعالى لعباده يوم القيامة سجد له المؤمنون وبقي ظهر من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة مثل الطبق لا يستطيع السجود } فإذا كان هذا حال من سجد رياء فكيف حال من لم يسجد قط وثبت أيضا في الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69808أن النار تأكل من ابن آدم كل شيء إلا موضع السجود فإن الله حرم على النار أن تأكله } فعلم أن من لم يكن يسجد لله تأكله النار كله وكذلك ثبت في الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596453أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أمته يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء } فدل ذلك على أن من لم يكن غرا محجلا لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من أمته . وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5745&ayano=77كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5746&ayano=77ويل يومئذ للمكذبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5747&ayano=77وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5748&ayano=77ويل يومئذ للمكذبين } وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5988&ayano=84فما لهم لا يؤمنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5989&ayano=84وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5990&ayano=84بل الذين كفروا يكذبون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5991&ayano=84والله أعلم بما يوعون } . وكذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5657&ayano=75فلا صدق ولا صلى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5658&ayano=75ولكن كذب وتولى } . وكذلك قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5611&ayano=74ما سلككم في سقر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5612&ayano=74قالوا لم نك من المصلين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5613&ayano=74ولم نك نطعم المسكين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5614&ayano=74وكنا نخوض مع الخائضين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5615&ayano=74وكنا نكذب بيوم الدين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5616&ayano=74حتى أتانا اليقين } فوصفه بترك الصلاة كما وصفه بترك التصديق ووصفه بالتكذيب والتولي و " المتولي " هو العاصي الممتنع من الطاعة .
كما قال
[ ص: 613 ] تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4647&ayano=48ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما } . وكذلك وصف أهل سقر بأنهم لم يكونوا من المصلين وكذلك قرن التكذيب بالتولي في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6211&ayano=96أرأيت الذي ينهى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6212&ayano=96عبدا إذا صلى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6213&ayano=96أرأيت إن كان على الهدى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6214&ayano=96أو أمر بالتقوى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6215&ayano=96أرأيت إن كذب وتولى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6216&ayano=96ألم يعلم بأن الله يرى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6217&ayano=96كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6218&ayano=96ناصية كاذبة خاطئة } . و " أيضا " في القرآن علق الأخوة في الدين على نفس إقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما علق ذلك على التوبة من الكفر فإذا انتفى ذلك انتفت الأخوة و " أيضا " فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14656العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } . وفي المسند {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596454من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة } . و " أيضا " فإن شعار المسلمين الصلاة ولهذا يعبر عنهم بها فيقال : اختلف أهل الصلاة واختلف أهل القبلة والمصنفون لمقالات المسلمين يقولون : " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " وفي الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=84687من صلى صلاتنا ; واستقبل قبلتنا ; وأكل ذبيحتنا ; فذلك المسلم له ما لنا ; وعليه ما علينا } وأمثال هذه النصوص كثيرة في الكتاب والسنة . وأما الذين لم يكفروا بترك الصلاة ونحوها ; فليست لهم حجة إلا وهي
[ ص: 614 ] متناولة للجاحد كتناولها للتارك فما كان جوابهم عن الجاحد كان جوابا لهم عن التارك ; مع أن النصوص علقت الكفر بالتولي كما تقدم ; وهذا مثل استدلالهم بالعمومات التي يحتج بها
المرجئة كقوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36629من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . . . أدخله الله الجنة } ونحو ذلك من النصوص . وأجود ما اعتمدوا عليه قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5086خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة . فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه . وإن شاء أدخله الجنة } . قالوا : فقد جعل غير المحافظ تحت المشيئة .
والكافر لا يكون تحت المشيئة ولا دلالة في هذا ; فإن الوعد بالمحافظة عليها والمحافظة فعلها في أوقاتها كما أمر كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=247&ayano=2حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد الوقت كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر يوم
الخندق فأنزل الله آية الأمر بالمحافظة عليها وعلى غيرها من الصلوات . وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2328&ayano=19فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } فقيل
لابن مسعود وغيره : ما إضاعتها ؟ فقال : تأخيرها عن وقتها فقالوا : ما كنا نظن ذلك إلا تركها فقال : لو تركوها لكانوا كفارا . وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6308&ayano=107فويل للمصلين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6309&ayano=107الذين هم عن صلاتهم ساهون }
[ ص: 615 ] ذمهم مع أنهم يصلون ; لأنهم سهوا عن حقوقها الواجبة من فعلها في الوقت وإتمام أفعالها المفروضة كما ثبت في صحيح
مسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596455عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا } فجعل هذه صلاة المنافقين لكونه أخرها عن الوقت ونقرها .
وقد ثبت في الصحيح {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596456عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الأمراء بعده الذين يفعلون ما ينكر ; وقالوا : يا رسول الله أفلا نقاتلهم قال : لا ما صلوا } وثبت عنه أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12371سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة } فنهى عن قتالهم إذا صلوا وكان في ذلك دلالة على أنهم إذا لم يصلوا قوتلوا وبين أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها وذلك ترك المحافظة عليها لا تركها . وإذا عرف الفرق بين الأمرين فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها لا من ترك ونفس المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها ولا يتناول من لم يحافظ فإنه لو تناول ذلك قتلوا كفارا مرتدين بلا ريب ولا يتصور في العادة أن رجلا يكون مؤمنا بقلبه مقرا بأن الله أوجب عليه الصلاة ملتزما لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع حتى يقتل ويكون مع ذلك مؤمنا في الباطن قط لا يكون إلا كافرا ولو قال أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها
[ ص: 616 ] كان هذا القول مع هذه الحال كذبا منه كما لو أخذ يلقي المصحف في الحش ويقول أشهد أن ما فيه كلام الله أو جعل يقتل نبيا من الأنبياء ويقول أشهد أنه رسول الله ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب فإذا قال أنا مؤمن بقلبي مع هذه الحال كان كاذبا فيما أظهره من القول .
فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب وعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28648من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل أو يقتل مع إسلامه ; فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على
المرجئة والجهمية والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في " مسألة الإيمان " وأن الأعمال ليست من الإيمان وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءا من الإيمان كما تقدم بيانه . وحينئذ فإذا كان العبد يفعل بعض المأمورات ويترك بعضها كان معه من الإيمان بحسب ما فعله والإيمان يزيد وينقص ويجتمع في العبد إيمان ونفاق . كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596457أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر } .
[ ص: 617 ] وبهذا تزول الشبهة في هذا الباب فإن
nindex.php?page=treesubj&link=23392كثيرا من الناس ; بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس ولا هم تاركوها بالجملة بل يصلون أحيانا ويدعون أحيانا فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام ; فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض -
كابن أبي وأمثاله من المنافقين - فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى .
وبيان " هذا الموضع " مما يزيل الشبهة : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28844كثيرا من الفقهاء يظن أن من قيل هو كافر فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة فلا يرث ولا يورث ولا يناكح حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع وليس الأمر كذلك ; فإنه قد ثبت أن الناس كانوا " ثلاثة أصناف " : مؤمن ; وكافر مظهر للكفر ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر . وكان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات ودلالات بل من لا يشكون في نفاقه ومن نزل القرآن ببيان نفاقه -
كابن أبي وأمثاله - ومع هذا فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم المسلمون وكان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه وكانت تعصم دماؤهم حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته . ولما خرجت
الحرورية على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه واعتزلوا جماعة المسلمين قال لهم : إن لكم علينا ألا نمنعكم المساجد ولا نمنعكم نصيبكم من الفيء فلما استحلوا قتل المسلمين وأخذ أموالهم قاتلهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 618 ] حيث قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69841يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة } . فكانت
الحرورية قد ثبت قتالهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واتفاق أصحابه ولم يكن قتالهم قتال فتنة كالقتال الذي جرى بين فئتين عظيمتين في المسلمين ; بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه
البخاري أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10959قال للحسن ابنه : إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } وقال في الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596458تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين فتقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق } فدل بهذا على أن ما فعله
الحسن من ترك القتال إما واجبا أو مستحبا لم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم على ترك واجب أو مستحب ودل الحديث الآخر على أن الذين قاتلوا
الخوارج وهم
علي وأصحابه كان أقرب إلى الحق من
معاوية وأصحابه ; وأن قتال
الخوارج أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ليس قتالهم كالقتال في الجمل
وصفين الذي ليس فيه أمر من النبي . و ( المقصود أن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وغيره من أصحابه لم يحكموا بكفرهم ولا قاتلوهم حتى بدءوهم بالقتال .
وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28633_10023تَكْفِيرِ مَنْ يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ " الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعِ " بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِهَا ; فَأَمَّا "
nindex.php?page=treesubj&link=28635_28664الشَّهَادَتَانِ " إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ كَافِرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَجَمَاهِيرِ عُلَمَائِهَا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ
الْمُرْجِئَةِ وَهُمْ جهمية
الْمُرْجِئَةِ :
كَجَهْمِ وَالصَّالِحِيَّ وَأَتْبَاعِهِمَا إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ كَانَ كَافِرًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647الْإِيمَانَ الْبَاطِنَ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ الظَّاهِرَ ; بَلْ وَغَيْرَهُ وَأَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ تَصْدِيقًا وَحُبًّا وَانْقِيَادًا بِدُونِ الْإِقْرَارِ الظَّاهِرِ مُمْتَنِعٌ . وَأَمَّا " الْفَرَائِضُ الْأَرْبَعُ " فَإِذَا جَحَدَ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْحُجَّةِ
[ ص: 610 ] فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10018_29647جَحَدَ تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرُ تَحْرِيمُهَا كَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِثْلَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10020_29647يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ لَمْ تَبْلُغْهُ فِيهَا شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ غَلِطَ فَظَنَّ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يُسْتَثْنَوْنَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَمَا غَلِطَ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ اسْتَتَابَهُمْ
عُمَرُ . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ وَتُقَامُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَصَرُّوا كَفَرُوا حِينَئِذٍ وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ ; كَمَا لَمْ يَحْكُمْ
الصَّحَابَةُ بِكُفْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=121قدامة بْنِ مَظْعُونٍ . وَأَصْحَابِهِ لَمَّا غَلِطُوا فِيمَا غَلِطُوا فِيهِ مِنْ التَّأْوِيلِ .
وَأَمَّا مَعَ الْإِقْرَارِ بِالْوُجُوبِ إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ فَفِي التَّكْفِيرِ أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ هِيَ رِوَايَاتٌ عَنْ
أَحْمَد : ( أَحَدُهَا : أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَمَتَى عَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَفَرَ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ
السَّلَفِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ
أَحْمَد اخْتَارَهَا
أَبُو بَكْرٍ وَ ( الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالْوُجُوبِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ
أَحْمَد اخْتَارَهَا
ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ .
[ ص: 611 ] وَ ( الثَّالِثُ لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ
أَحْمَد وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ
السَّلَفِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ
أَحْمَد . وَ ( الرَّابِعُ : يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا وَتَرْكِ الزَّكَاةِ فَقَطْ . وَ ( الْخَامِسُ : بِتَرْكِهَا وَتَرْكِ الزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا دُونَ تَرْكِ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا طَرَفَانِ . ( أَحَدُهُمَا فِي إثْبَاتِ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ . وَ ( الثَّانِي فِي إثْبَاتِ الْكُفْرِ الْبَاطِنِ .
فَأَمَّا " الطَّرَفُ الثَّانِي " فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْإِيمَانِ قَوْلًا وَعَمَلًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا إيمَانًا ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَيَعِيشُ دَهْرَهُ لَا يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً وَلَا يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يُؤَدِّي لِلَّهِ زَكَاةً وَلَا يَحُجُّ إلَى بَيْتِهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ وَلَا يَصْدُرُ هَذَا إلَّا مَعَ نِفَاقٍ فِي الْقَلْبِ وَزَنْدَقَةٍ لَا مَعَ إيمَانٍ صَحِيحٍ ; وَلِهَذَا إنَّمَا يَصِفُ سُبْحَانَهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ السُّجُودِ الْكُفَّارَ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5381&ayano=68يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5382&ayano=68خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } .
[ ص: 612 ] وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ حَدِيثِ التَّجَلِّي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596452أَنَّهُ إذَا تَجَلَّى تَعَالَى لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَجَدَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَبَقِيَ ظَهْرُ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً مِثْلَ الطَّبَقِ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ } فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ مَنْ سَجَدَ رِيَاءً فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ قَطُّ وَثَبَتَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69808أَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مِنْ ابْنِ آدَمَ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَهُ } فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَسْجُدُ لِلَّهِ تَأْكُلُهُ النَّارُ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596453أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُ أُمَّتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ غُرًّا مُحَجَّلًا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ . وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5745&ayano=77كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5746&ayano=77وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5747&ayano=77وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5748&ayano=77وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5988&ayano=84فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5989&ayano=84وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5990&ayano=84بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5991&ayano=84وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5657&ayano=75فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5658&ayano=75وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5611&ayano=74مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5612&ayano=74قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5613&ayano=74وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5614&ayano=74وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5615&ayano=74وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5616&ayano=74حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ } فَوَصَفَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا وَصَفَهُ بِتَرْكِ التَّصْدِيقِ وَوَصَفَهُ بِالتَّكْذِيبِ وَالتَّوَلِّي وَ " الْمُتَوَلِّي " هُوَ الْعَاصِي الْمُمْتَنِعُ مِنْ الطَّاعَةِ .
كَمَا قَالَ
[ ص: 613 ] تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4647&ayano=48سَتُدْعَوْنَ إلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } . وَكَذَلِكَ وَصَفَ أَهْلَ سَقَرٍ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُصَلِّينَ وَكَذَلِكَ قَرَنَ التَّكْذِيبَ بِالتَّوَلِّي فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6211&ayano=96أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6212&ayano=96عَبْدًا إذَا صَلَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6213&ayano=96أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6214&ayano=96أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6215&ayano=96أَرَأَيْتَ إنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6216&ayano=96أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6217&ayano=96كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6218&ayano=96نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } . وَ " أَيْضًا " فِي الْقُرْآنِ عَلَّقَ الْأُخُوَّةَ فِي الدِّينِ عَلَى نَفْسِ إقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ كَمَا عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الْكُفْرِ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ الْأُخُوَّةُ وَ " أَيْضًا " فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14656الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ } . وَفِي الْمُسْنَدِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596454مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ } . وَ " أَيْضًا " فَإِنَّ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ وَلِهَذَا يُعَبِّرُ عَنْهُمْ بِهَا فَيُقَالُ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَنِّفُونَ لِمَقَالَاتِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ : " مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافُ الْمُصَلِّينَ " وَفِي الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=84687مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا ; وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا ; وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا ; فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لَنَا ; وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا } وَأَمْثَالُ هَذِهِ النُّصُوصِ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَكْفُرُوا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا ; فَلَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا وَهِيَ
[ ص: 614 ] مُتَنَاوِلَةٌ لِلْجَاحِدِ كَتَنَاوُلِهَا لِلتَّارِكِ فَمَا كَانَ جَوَابُهُمْ عَنْ الْجَاحِدِ كَانَ جَوَابًا لَهُمْ عَنْ التَّارِكِ ; مَعَ أَنَّ النُّصُوصَ عَلَّقَتْ الْكُفْرَ بِالتَّوَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ ; وَهَذَا مِثْلُ اسْتِدْلَالِهِمْ بالعمومات الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا
الْمُرْجِئَةُ كَقَوْلِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36629مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٍ مِنْهُ . . . أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ } وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ . وَأَجْوَدُ مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5086خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ . فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ . وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ } . قَالُوا : فَقَدْ جَعَلَ غَيْرَ الْمُحَافِظِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ .
وَالْكَافِرُ لَا يَكُونُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا ; فَإِنَّ الْوَعْدَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَالْمُحَافَظَةُ فِعْلُهَا فِي أَوْقَاتِهَا كَمَا أَمَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=247&ayano=2حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } وَعَدَمُ الْمُحَافَظَةِ يَكُونُ مَعَ فِعْلِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2328&ayano=19فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } فَقِيلَ
لِابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ : مَا إضَاعَتُهَا ؟ فَقَالَ : تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَقَالُوا : مَا كُنَّا نَظُنُّ ذَلِكَ إلَّا تَرْكَهَا فَقَالَ : لَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا كُفَّارًا . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6308&ayano=107فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6309&ayano=107الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }
[ ص: 615 ] ذَمَّهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ ; لِأَنَّهُمْ سَهَوْا عَنْ حُقُوقِهَا الْوَاجِبَةِ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ وَإِتْمَامِ أَفْعَالِهَا الْمَفْرُوضَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596455عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا } فَجَعَلَ هَذِهِ صَلَاةَ الْمُنَافِقِينَ لِكَوْنِهِ أَخَّرَهَا عَنْ الْوَقْتِ وَنَقَرَهَا .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596456عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَهُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يُنْكَرُ ; وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ : لَا مَا صَلَّوْا } وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12371سَيَكُونُ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً } فَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ إذَا صَلَّوْا وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُصَلُّوا قُوتِلُوا وَبَيْنَ أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَذَلِكَ تَرْكُ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا لَا تَرْكُهَا . وَإِذَا عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَدْخَلَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَا مَنْ تَرَكَ وَنَفْسُ الْمُحَافَظَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ صَلَّوْا وَلَمْ يُحَافِظُوا عَلَيْهَا وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ فَإِنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ قُتِلُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ أَنَّ رَجُلًا يَكُونُ مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ مُلْتَزِمًا لِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ يَأْمُرُهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ حَتَّى يُقْتَلَ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا كَافِرًا وَلَوْ قَالَ أَنَا مُقِرٌّ بِوُجُوبِهَا غَيْرَ أَنِّي لَا أَفْعَلُهَا
[ ص: 616 ] كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ هَذِهِ الْحَالِ كَذِبًا مِنْهُ كَمَا لَوْ أَخَذَ يُلْقِي الْمُصْحَفَ فِي الْحَشِّ وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ مَا فِيهِ كَلَامَ اللَّهِ أَوْ جَعَلَ يَقْتُلُ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُنَافِي إيمَانَ الْقَلْبِ فَإِذَا قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ بِقَلْبِي مَعَ هَذِهِ الْحَالِ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَظْهَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ .
فَهَذَا الْمَوْضِعُ يَنْبَغِي تَدَبُّرُهُ فَمَنْ عَرَفَ ارْتِبَاطَ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ زَالَتْ عَنْهُ الشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَعَلِمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28648مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يُقْتَلُ أَوْ يُقْتَلُ مَعَ إسْلَامِهِ ; فَإِنَّهُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى
الْمُرْجِئَةِ والجهمية وَاَلَّتِي دَخَلَتْ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ لَا يَكُونُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْفِعْلِ وَلِهَذَا كَانَ الْمُمْتَنِعُونَ مِنْ قَتْلِ هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ بَنَوْهُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ " وَأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جِنْسَ الْأَعْمَالِ مِنْ لَوَازِمِ إيمَانِ الْقَلْبِ وَأَنَّ إيمَانَ الْقَلْبِ التَّامِّ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ جَعَلَ الظَّاهِرَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ أَوْ جُزْءًا مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ . وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَفْعَلُ بَعْضَ الْمَأْمُورَاتِ وَيَتْرُكُ بَعْضَهَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِحَسَبِ مَا فَعَلَهُ وَالْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَيَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ . كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596457أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } .
[ ص: 617 ] وَبِهَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23392كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ ; بَلْ أَكْثَرُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ لَا يَكُونُونَ مُحَافِظِينَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلَا هُمْ تَارِكُوهَا بِالْجُمْلَةِ بَلْ يُصَلُّونَ أَحْيَانًا وَيَدَعُونَ أَحْيَانًا فَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةُ فِي الْمَوَارِيثِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إذَا جَرَتْ عَلَى الْمُنَافِقِ الْمَحْضِ -
كَابْنِ أبي وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ - فَلَأَنْ تَجْرِيَ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْلَى وَأَحْرَى .
وَبَيَانُ " هَذَا الْمَوْضِعِ " مِمَّا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ : فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28844كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يَظُنُّ أَنَّ مَنْ قِيلَ هُوَ كَافِرٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ رِدَّةً ظَاهِرَةً فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُنَاكَحُ حَتَّى أَجْرَوْا هَذِهِ الْأَحْكَامَ عَلَى مَنْ كَفَّرُوهُ بِالتَّأْوِيلِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا " ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ " : مُؤْمِنٌ ; وَكَافِرٌ مُظْهِرٌ لِلْكُفْرِ وَمُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِسْلَامِ مُبْطِنٌ لِلْكُفْرِ . وَكَانَ فِي الْمُنَافِقِينَ مَنْ يَعْلَمُهُ النَّاسُ بِعَلَامَاتِ وَدَلَالَاتٍ بَلْ مَنْ لَا يَشُكُّونَ فِي نِفَاقِهِ وَمَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَيَانِ نِفَاقِهِ -
كَابْنِ أبي وَأَمْثَالِهِ - وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا مَاتَ هَؤُلَاءِ وَرِثَهُمْ وَرَثَتُهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَكَانَ إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ آتَوْهُمْ مِيرَاثَهُ وَكَانَتْ تُعْصَمُ دِمَاؤُهُمْ حَتَّى تَقُومَ السُّنَّةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى أَحَدِهِمْ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَتَهُ . وَلَمَّا خَرَجَتْ
الحرورية عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاعْتَزَلُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ لَهُمْ : إنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا أَلَّا نَمْنَعَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَلَا نَمْنَعَكُمْ نَصِيبَكُمْ مِنْ الْفَيْءِ فَلَمَّا اسْتَحَلُّوا قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ قَاتَلَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 618 ] حَيْثُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69841يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمْيَةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . فَكَانَتْ
الحرورية قَدْ ثَبَتَ قِتَالُهُمْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّفَاقِ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ قِتَالَ فِتْنَةٍ كَالْقِتَالِ الَّذِي جَرَى بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ فِي الْمُسْلِمِينَ ; بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10959قَالَ لِلْحَسَنِ ابْنِهِ : إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596458تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ } فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ
الْحَسَنُ مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ إمَّا وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا لَمْ يَمْدَحْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ وَدَلَّ الْحَدِيثُ الْآخَرُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلُوا
الْخَوَارِجَ وَهُمْ
عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِّ مِنْ
مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ ; وَأَنَّ قِتَالَ
الْخَوَارِجِ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ قِتَالُهُمْ كَالْقِتَالِ فِي الْجَمَلِ
وصفين الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ مِنْ النَّبِيِّ . وَ ( الْمَقْصُودُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ لَمْ يَحْكُمُوا بِكُفْرِهِمْ وَلَا قَاتَلُوهُمْ حَتَّى بَدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ .