( المسألة السادسة :
nindex.php?page=treesubj&link=28783دوام كونه قادرا في الأزل والأبد فإنه قادر ولا
[ ص: 30 ] يزال قادرا على ما يشاؤه بمشيئته فلم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء وهذا قول
السلف والأئمة
كابن المبارك وأحمد .
إلى أن قال : وفي صحيح
البخاري تعليقا عن
سعيد بن جبير أن رجلا سأل
ابن عباس عن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=593&ayano=4وكان الله غفورا رحيما } {
nindex.php?page=tafseer&surano=655&ayano=4وكان الله عزيزا حكيما } {
nindex.php?page=tafseer&surano=631&ayano=4وكان الله سميعا بصيرا } فكأنه كان فمضى فقال
ابن عباس : قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=631&ayano=4وكان الله } {
nindex.php?page=tafseer&surano=631&ayano=4وكان الله } فإنه يجل نفسه عن ذلك وسمى نفسه بذلك لم يجله أحد غيره وكان أي لم يزل كذلك . رواه
عبد بن حميد في تفسيره مسندا موصولا ورواه
ابن المنذر أيضا في تفسيره وهذا لفظ رواية عبد .
والمقصود هنا التنبيه على
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28778تنازع الناس في " مسألة القدرة " . وفي الحقيقة أنه من لم يقل بقول
السلف فإنه لا يثبت لله قدرة ولا يثبته قادرا
فالجهمية ومن اتبعهم
والمعتزلة والقدرية المجبرة والنافية : حقيقة قولهم : إنه ليس قادرا وليس له الملك فإن الملك إما أن يكون هو القدرة ; أو المقدور ; أو كلاهما وعلى كل تقدير فلا بد من القدرة ; فمن لم يثبت له القدرة حقيقة لم يثبت له ملكا ; كما لا يثبتون له حمدا .
إلى أن قال : و ( أيضا فالقديم الأزلي : القيوم الصمد الواجب الوجود بنفسه الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه ; أحق بالكمال من الممكن المحدث المفتقر ; فيمتنع أن يكون هذا قادرا على الكلام والفعل ; والقيوم
[ ص: 31 ] الصمد ليس قادرا على الفعل والكلام ; إلى أن قال : والمقصود هنا : أنه سبحانه عدل لا يظلم ; وعدله إحسان إلى خلقه فكل ما خلقه فهو إحسان إلى عباده ولهذا كان مستحقا للحمد على كل حال ولهذا ذكر في سورة النجم أنواعا من مقدوراته ; ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فبأي آلاء ربك تتمارى } فدل على أن هذه الأنعم مثل إهلاك الأمم المكذبة للرسل ; فإن في ذلك من الدلالة على قدرته وحكمته ونعمته على المؤمنين ونصره للرسل ; وتحقيق ما جاءوا به وإن السعادة في متابعتهم والشقاوة في مخالفتهم ما هو من أعظم النعم .
وكذلك ما ذكره في سورة الرحمن وكل مخلوق هو من آلائه من وجوه : منها أنه يستدل به عليه وعلى توحيده وقدرته وغير ذلك . وأنه يحصل به الإيمان والعلم وذكر الرب . وهذه النعمة أفضل ما أنعم الله به على عباده في الدنيا وكل مخلوق يعين عليها ويدل عليها هذا مع ما في المخلوقات من المنافع لعباده غير الاستدلال بها . فإنه سبحانه يقول : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فبأي آلاء ربكما تكذبان } لما يذكر ما يذكره من الآية وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فبأي آلاء ربك تتمارى } والآلاء : هي النعم ; والنعم كلها من آياته الدالة على نفسه المقدسة ووحدانيته ونعوته ومعاني أسمائه فهي آلاء آيات وكل ما كان من آلائه فهو من آياته وهذا ظاهر ; وكذلك كل ما كان من آياته فهو من آلائه فإنه يتضمن التعريف والهداية والدلالة على الرب تعالى . وقدرته وحكمته ورحمته ودينه . والهدى أفضل النعم .
[ ص: 32 ] و ( أيضا ففيها نعم ومنافع لعباده ; غير الاستدلال : كما في خلق الشمس والقمر والسحاب والمطر والحيوان والنبات ; فإن هذه كلها من آياته وفيها نعم عظيمة على عباده غير الاستدلال فهي توجب الشكر لما فيها من النعم وتوجب التذكر لما فيها من الدلالة . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4688&ayano=50تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } فإن العبد يدعوه إلى عبادة الله داعي الشكر وداعي العلم فإنه يشهد نعم الله عليه وذاك داع إلى شكرها ; وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها والله تعالى هو المنعم المحسن الذي ما بالعباد من نعمة فمنه وحده كما في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596492من قال إذا أصبح : اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فقد أدى شكر ذلك اليوم ومن قال : ذلك إذا أمسى فقد أدى شكر تلك الليلة } رواه
أبو حاتم وابن حبان في صحيحه من حديث
ابن عباس وفي حديث آخر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596493من قال : الحمد لله ربي لا أشرك به شيئا أشهد أن لا إله إلا الله } .
وقد ذم سبحانه من كفر بعد إيمانه كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=858&ayano=6قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } الآية . فهذا في كشف الضر وفي النعم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } أي : شكركم وشكر ما رزقكم الله ونصيبكم تجعلونه تكذيبا وهو الاستسقاء بالأنواء كما ثبت في حديث
ابن عباس الصحيح قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596494مطر [ ص: 33 ] الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا : هذه رحمة الله وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا قال : فنزلت هذه الآية { nindex.php?page=tafseer&surano=5110&ayano=56فلا أقسم بمواقع النجوم } - حتى بلغ - { nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } } رواه
مسلم .
وفي صحيح
مسلم أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596495ما أنزل من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث فيقول : الكوكب كذا وكذا وفي لفظ له : بكوكب كذا وكذا } وفي الصحيحين عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596496زيد بن خالد الجهني قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح على إثر سماء كانت من الليل قال : أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فمن قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ومن قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب } . وهذا كثير جدا في الكتاب والسنة يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشركه به قال بعض
السلف : هو كقولهم كانت الريح طيبة والملاح حاذقا .
ولهذا قرن الشكر بالتوحيد في الفاتحة وغيرها : أولها شكر وأوسطها توحيد وفي الخطب المشروعة لا بد فيها من تحميد وتوحيد وهذان هما ركن في كل خطاب ثم بعد ذلك يذكر المتكلم من مقصوده ما يناسب من الأمر والنهي والترغيب والترهيب وغير ذلك .
[ ص: 34 ] وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29840لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد } يتضمن التوحيد والتحميد وكذلك كان يقول عقب الصلاة : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596497لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } وهو سبحانه يفتتح خطابه بالحمد ويختم الأمور بالحمد وأول ما خلق
آدم كان أول شيء أنطقه به الحمد فإنه عطس فأنطقه بقوله الحمد لله فقال له : يرحمك ربك
يا آدم وكان أول ما تكلم به الحمد وأول ما سمعه الرحمة .
وهو يختم الأمور بالحمد كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4172&ayano=39وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=840&ayano=6فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1384&ayano=10وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وهو سبحانه {
nindex.php?page=tafseer&surano=3350&ayano=28له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون } .
والتوحيد أول الدين وآخره فأول ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة أن لا إله إلا الله وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=71650أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596498وقال لمعاذ : إنك تأتي قوما أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله } وختم الأمر بالتوحيد فقال في الصحيح من رواية
مسلم عن
عثمان : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596499من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة } وفي الحديث الصحيح من رواية
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596500لقنوا موتاكم لا إله إلا الله } وفي السنن من حديث
معاذ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596501من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة } . وفي المسند {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596502إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد [ ص: 35 ] حين الموت إلا وجد روحه لها روحا } وهي الكلمة التي عرضها على عمه عند الموت .
فهو سبحانه جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا فيتذكر الآيات المثبتة للعلم والإيمان فإذا عرف آلاء الله شكره على آلائه وكلاهما متلازمان فالآيات والآلاء متلازمان ما كان من الآلاء فهو من الآيات وما كان من الآيات فهو من الآلاء وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19612الشكر والتذكر متلازمان فإن الشاكر إنما يشكر بحمده وطاعته وفعل ما أمر به وذلك إنما يكون بتذكر ما تدل عليه آياته من أسمائه وممادحه ; ومن أمره ونهيه فيثني عليه بالخير ويطاع في الأمر هذا هو الشكر ولا بد فيهما من التذكر والتذكر إذا تذكر آياته عرف ما فيها من النعمة والإحسان فآياته تعم المخلوقات كلها وهي خير ونعم وإحسان .
فكل ما خلقه سبحانه فهو نعمة على عباده وهو خير وهو سبحانه بيده الخير والخير بيديه وفي دعاء القنوت : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=97347ونثني عليك الخير كله } وفي دعاء الاستفتاح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596503والخير بيديك والشر ليس إليك } .
وكل ما خلقه الله فله فيه حكمة كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3274&ayano=27صنع الله الذي أتقن كل شيء } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3542&ayano=32الذي أحسن كل شيء خلقه } . وهو سبحانه غني عن العالمين .
" فالحكمة " تتضمن شيئين : ( أحدهما : حكمة تعود إليه يحبها ويرضاها .
[ ص: 36 ] و ( الثاني إلى عباده هي نعمة عليهم يفرحون بها ويلتذون بها ; وهذا في المأمورات وفي المخلوقات .
أما في " المأمورات " فإن الطاعة هو يحبها ويرضاها ; ويفرح بتوبة التائب أعظم فرح يعرفه الناس ; فهو يفرح أعظم مما يفرح الفاقد لزاده وراحلته في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد اليأس ; كما أنه يغار أعظم من غيرة العباد ; وغيرته أن يأتي العبد ما حرم عليه فهو يغار إذا فعل العبد ما نهاه ويفرح إذا تاب ورجع إلى ما أمره به والطاعة عاقبتها سعادة الدنيا والآخرة ; وذلك مما يفرح به العبد المطيع ; فكان فيما أمر به من الطاعات عاقبته حميدة تعود إليه وإلى عباده ففيها حكمة له ورحمة لعباده ; قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5234&ayano=61يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5235&ayano=61تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5236&ayano=61يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5237&ayano=61وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين } ففي الجهاد عاقبة محمودة للناس في الدنيا يحبونها : وهي النصر والفتح ; وفي الآخرة الجنة ; وفيه النجاة من النار ; وقد قال في أول السورة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5228&ayano=61إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } فهو يحب ذلك ; ففيه حكمة عائدة إلى الله تعالى وفيه رحمة للعباد ; وهي ما يصل إليهم من النعمة في الدنيا
[ ص: 37 ] والآخرة ; هكذا سائر ما أمر به ; وكذلك ما خلقه خلقه لحكمة تعود إليه يحبها وخلقه لرحمة بالعباد ينتفعون بها .
والناس لما تكلموا في " علة الخلق وحكمته " تكلم كل قوم بحسب علمهم فأصابوا وجها من الحق ، وخفي عليهم وجوه أخرى .
وهكذا عامة ما تنازع فيه الناس يكون مع هؤلاء بعض الحق ; وقد تركوا بعضه كذلك مع الآخرين . ولا يشتبه على الناس الباطل المحض ; بل لا بد أن يشاب بشيء من الحق ; فلهذا لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ; فإنهم هم الذين آمنوا بالحق كله ; وصدقوا كل طائفة فيما قالوه من الحق ; فهم جاءوا بالصدق وصدقوا به فلا يختلفون .
ولأهل الكلام هنا " ثلاثة أقوال " لثلاث طوائف مشهورة وقد وافق كل طائفة ناس من أصحاب
الأئمة الأربعة أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد .
( القول الأول . " قول من نفى الحكمة " وقالوا هذا يفضي إلى الحاجة ; فقالوا يفعل ما يشاء لا لحكمة فأثبتوا له القدرة والمشيئة وأنه يفعل ما يشاء . وهذا تعظيم ونفوا الحكمة لظنهم أنها تستلزم الحاجة . وهذا قول
الأشعري وأصحابه ومن وافقهم :
nindex.php?page=showalam&ids=14953كالقاضي أبي يعلى nindex.php?page=showalam&ids=12737وابن الزاغوني والجويني [ ص: 38 ] والباجي ونحوهم وهذا القول في الأصل قول
جهم بن صفوان ومن اتبعه من
المجبرة .
والفلاسفة لهم قول أبعد من هذا . وهو أن ما يقع من عذاب النفوس وغير ذلك من الضرر لا يمكن دفعه . فإنهم يقولون : إنه موجب بذاته وكل ما يقع هو من لوازم ذاته . و [ لو ] قالوا إنه موجب بمشيئته وقدرته لما يفعله لكانوا قد أصابوا . وقد قالوا أيضا الشر يقع في العالم مغلوبا مع الخير في الوجود . وهذا صحيح ; لكن هذا يستلزم أن يكون الخالق قد خلق لحكمة معلومة تسلم ولا تعد وإلا فمع انتفاء هذين يبقى الكلام ضائعا ففي قول كل طائفة نوع من الحق ونوع من الباطل فهذه " أربعة أقوال " .
( والقول الخامس : قول الأئمة وهو أن له حكمة في كل ما خلق ; بل له في ذلك حكمة ورحمة .
( والقول الثاني أي من " الثلاثة " التي
لأهل الكلام :
nindex.php?page=treesubj&link=28787إنه يخلق ويأمر لحكمة تعود إلى العباد وهو نفعهم والإحسان إليهم ; فلم يخلق ولم يأمر إلا لذلك وهذا قول
المعتزلة وغيرهم ; ثم من هؤلاء من تكلم في تفصيل الحكمة ، فأنكر القدر ; ووضع لربه شرعا بالتعديل والتجويز . وهذا قول "
القدرية " ومنهم من أقر بالقدر وقال : لله حكمة خفيت علينا . وهذا قول
Multitarajem.php?tid=13371,13372ابن عقيل [ ص: 39 ] وغيره من المثبتين للقدر ; فهم يوافقون
المعتزلة على إثبات حكمة ترجع إلى المخلوق لكن يقرون مع ذلك بالقدر .
( والقول الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=28787قول من أثبت حكمة تعود إلى الرب ; لكن بحسب علمه . فقالوا : خلقهم ليعبدوه ويحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه وهم من خلقه لذلك وهم من وجد منه ذلك فهو مخلوق لذلك ; وهم المؤمنون ومن لم يوجد منه ذلك فليس مخلوقا له . قالوا : وهذه حكمة مقصودة وهي واقعة . بخلاف الحكمة التي أثبتتها
المعتزلة ; فإنهم أثبتوا حكمة هي نفع العباد ثم قالوا : خلق من علم أنه لا ينتفع بالخلق بل يتضرر به ; فتناقضوا . ونحن أثبتنا حكمة علم أنها تقع فوقعت وهي معرفة عباده المؤمنين به وحمدهم له ; وثناؤهم عليه ; وتمجيدهم له ; وهذا واقع من المؤمنين .
قالوا : وقد يخلق من يتضرر بالخلق لنفع الآخرين وفعل الشر القليل لأجل الخير الكثير حكمة كإنزال المطر لنفع العباد وإن تضمن ضررا لبعض الناس . قالوا : وفي خلق الكفار وتعذيبهم اعتبار للمؤمنين وجهاد ومصالح . وهذا القول اختيار
القاضي أبي حازم بن القاضي أبي يعلى ذكره في كتابه " أصول الدين " الذي صنفه على كتاب
محمد بن الهيثم الكرامي .
قالوا : وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } هو مخصوص بمن وقعت منه العبادة وهذا قول طائفة من
السلف والخلف . قالوا : والمراد
[ ص: 40 ] بذلك من وجدت منه العبادة فهو مخلوق لها ومن لم توجد منه فليس مخلوقا لها ; وعن
سعيد بن المسيب قال : ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني ; وكذلك قال
الضحاك والفراء وابن قتيبة - وهذا قول خاص بأهل طاعته - قال
الضحاك : هي للمؤمنين ; وهذا قول
الكرامية . كما ذكره
محمد بن الهيثم . قال : ويدل عليه قوله قبل ذلك {
nindex.php?page=tafseer&surano=4780&ayano=37فتول عنهم } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } أي هؤلاء المؤمنين الذين تنفعهم الذكرى .
قالوا : وهي غاية مقصودة واقعة فإن العبادة وقعت من المؤمنين وهذا القول اختيار
أبي بكر بن الطيب ;
nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى وغيرهما ممن يقول : إنه لا يفعل لعلة . قالوا : - واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14953للقاضي أبي يعلى - هذا بمعنى الخصوص لا العموم ; لأن البله والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب . وإن كانوا من الإنس . وكذلك الكفار يخرجون من هذا بدليل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } الآية . فمن خلق للشقاء ولجهنم لم يخلق للعبادة .
قلت : قول هؤلاء
الكرامية ومن وافقهم . وإن كان أرجح من قول
الجهمية والمعتزلة فيما أثبتوه من حكمة الله ; وقولهم في تفسير الآية وإن وافقوا فيه بعض
السلف . فهو قول ضعيف مخالف لقول الجمهور ولما تدل عليه الآية . فإن قصد العموم ظاهر في الآية وبين بيانا لا يحتمل النقيض إذ لو كان المراد المؤمنين فقط لم يكن فرق بينهم وبين الملائكة ; فإن الجميع قد فعلوا ما خلقوا له
[ ص: 41 ] ولم يذكر الإنس والجن عموما . ولم تذكر الملائكة مع أن الطاعة والعبادة وقعت من الملائكة دون كثير من الإنس والجن .
و ( أيضا فإن سياق الآية يقتضي أن هذا ذم وتوبيخ لمن لم يعبد الله منهم لأن الله خلقه لشيء فلم يفعل ما خلق له ولهذا عقبها بقوله ; {
nindex.php?page=tafseer&surano=4783&ayano=51ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } فإثبات العبادة ونفي هذا يبين أنه خلقهم للعبادة ولم يرد منهم ما يريده السادة من عبيدهم من الإعانة لهم بالرزق والإطعام ; ولهذا قال بعد ذلك : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4785&ayano=51فإن للذين ظلموا ذنوبا } أي نصيبا {
nindex.php?page=tafseer&surano=4785&ayano=51مثل ذنوب أصحابهم } أي المتقدمين من الكفار . أي نصيبا من العذاب وهذا وعيد لمن لم يعبده من الإنس والجن ; فذكر هذا الوعيد عقيب هذه الآية من أولها إلى آخرها يتضمن وعيد من لم يعبده .
وذكر عقابه لهم في الدنيا والآخرة فقال تعالى في أولها : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4727&ayano=51والذاريات ذروا } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4731&ayano=51إنما توعدون لصادق } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4732&ayano=51وإن الدين لواقع } ثم ذكر قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4734&ayano=51إنكم لفي قول مختلف } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4735&ayano=51يؤفك عنه من أفك } ثم ذكر وعيد الآخرة بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4736&ayano=51قتل الخراصون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4737&ayano=51الذين هم في غمرة ساهون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4738&ayano=51يسألون أيان يوم الدين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4739&ayano=51يوم هم على النار يفتنون } ثم ذكر وعده للمؤمنين فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4741&ayano=15إن المتقين في جنات وعيون } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4746&ayano=51وفي الأرض آيات للموقنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4747&ayano=51وفي أنفسكم أفلا تبصرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4748&ayano=51وفي السماء رزقكم وما توعدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4749&ayano=51فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } ثم ذكر قصص من آمن فنفعه إيمانه ومن كفر فعذبه بكفره . فذكر قصة
إبراهيم ولوط وقومه وعذابهم .
[ ص: 42 ] ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4763&ayano=51وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4764&ayano=51وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين } أي في قصة
موسى آية أيضا . هذا قول الأكثرين ومنهم من لم يذكر غيره
كأبي الفرج وقيل : هو عطف على قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4746&ayano=51وفي الأرض آيات للموقنين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4764&ayano=51وفي موسى } وهو ضعيف ; لأن قصة
فرعون وعاد هي من جنس
قوم لوط فيها ذكر الأنبياء ومن اتبعهم ومن خالفهم يدل بها على إثبات النبوة وعاقبة المطيعين والعصاة .
وأما قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4746&ayano=6وفي الأرض } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4747&ayano=51وفي أنفسكم } فتلك آيات على الصانع جل جلاله وقد تقدمت ; ولأنه لا يفصل به بين المعطوف والمعطوف عليه بمثل هذا الكلام الكثير مع أن قبله لا يصلح العطف عليه وهو قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4763&ayano=51وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4767&ayano=51وفي عاد } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4769&ayano=51وفي ثمود } . ثم ذكر أنه بنى السماء بأيد وفرش الأرض وخلق من كل شيء زوجين لعلكم تذكرون فلما بين الآيات الدالة على ما يجب من الإيمان وعبادته أمر بذلك فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4776&ayano=51ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4777&ayano=51ولا تجعلوا مع الله إلها آخر } الآية . ثم بين أن هؤلاء المكذبين من جنس من قبلهم ليتأسى الرسول والمؤمنون ويصبروا على ما ينالهم من أذى الكفار فقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4778&ayano=51كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4779&ayano=51أتواصوا به بل هم قوم طاغون } .
فهذا كله يتضمن أمر الإنس والجن بعبادته وطاعته وطاعة رسله واستحقاق من يفعل العقوبة في الدنيا والآخرة فإذا قال بعد ذلك : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4783&ayano=51ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } كان هذا مناسبا لما تقدم مؤتلفا معه : أي هؤلاء الذين أمرتهم إنما خلقتهم لعبادتي ما أريد منهم غير ذلك لا رزقا ولا طعاما .
فإذا قيل : لم يرد بذلك إلا المؤمنين كان هذا مناقضا لما تقدم يعني في السورة وصار هذا كالعذر لمن لا يعبده ممن ذمه الله ووبخه وغايته يقول : أنت لم تخلقني لعبادتك وطاعتك ولو خلقتني لها لكنت عابدا وإنما خلقت هؤلاء فقط لعبادتك وأنا خلقتني لأكفر بك وأشرك بك وأكذب رسلك وأعبد الشيطان وأطيعه وقد فعلت ما خلقتني له كما فعل أولئك المؤمنون ما خلقتهم له فلا ذنب لي ولا أستحق العقوبة ; فهذا وأمثاله مما يلزم أصحاب هذا القول وكلام الله منزه عن هذا وهم إنما قالوا هذا ; لأن الله تعالى فعال لما يريد قالوا فلو كان أراد منهم أن يطيعوه لجعلهم مطيعين كما جعل المؤمنين .
والقدرية يقولون : لم يرد من هؤلاء ولا هؤلاء إلا الطاعة ; لكن هو لم يجعل لا هؤلاء ولا هؤلاء مطيعين ; بل الإرادة بمعنى الأمر يأمر بها الطائفتين فهؤلاء عبدوه بأن أحدثوا إرادتهم وطاعتهم وهؤلاء عصوه بأن أحدثوا إرادتهم ومعصيتهم .
وأولئك علموا فساد قول
القدرية من جهة أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فلا يكون في ملكه إلا ما شاءه ولا يكون في ملكه شيء إلا بقدرته وخلقه ومشيئته كما دل على ذلك السمع
[ ص: 44 ] والعقل وهذا مذهب
الصحابة قاطبة وأئمة المسلمين وجمهورهم وهو مذهب
أهل السنة ; فلأجل هذا عدل أولئك في تفسير الآية إلى الخصوص فإنهم لم يمكنهم الجمع بين الإيمان بالقدر وبين أن يكون خلقهم لعبادته فلم تقع منهم العبادة له وقالوا : من ذرأه لجهنم لم يخلقه لعبادته فمن قال خلق الخلق ليعبده المؤمنون منهم سلك هذا المسلك .
وأما "
nindex.php?page=treesubj&link=28787نفاة الحكمة " :
كالأشعري وأتباعه
كالقاضي أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=14953وأبي يعلى وغيرهم فهؤلاء أصلهم أن الله لا يخلق شيئا لشيء فلم يخلق أحدا لا لعبادة ولا لغيرها وعندهم ليس في القرآن لام كي لكن قد يقولون في القرآن لام العاقبة كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3288&ayano=28فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } وكذلك يقولون في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس } يعنون كان عاقبة هؤلاء جهنم وعاقبة المؤمنين العبادة من غير أن يكون الخالق قصد أن يخلقهم لا لهذا ولا لهذا ولكن أراد خلق كل ما خلقه لا لشيء آخر فهذا قولهم وهو ضعيف لوجوه : ( أحدها أن لام العاقبة التي لم يقصد فيها الفعل لأجل العاقبة إنما تكون من جاهل أو عاجز فالجاهل كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3288&ayano=28فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } لم يعلم
فرعون بهذه العاقبة والعاجز كقولهم : لدوا للموت وابنوا للخراب . فإنهم يعلمون هذه العاقبة ; لكنهم عاجزون عن دفعها والله تعالى عليم قدير فلا يقال : إن فعله كفعل الجاهل العاجز .
[ ص: 45 ] ( الثاني : أن الله أراد هذه الغاية بالاتفاق ، فالعبادة التي خلق الخلق لأجلها هي مرادة له بالاتفاق وهم يسلمون أن الله أرادها وحيث تكون اللام للعاقبة لا يكون الفاعل أراد العاقبة وهؤلاء يقولون خلقهم وأراد أفعالهم وأراد عقابهم عليها فكلما وقع فهو مراد له ; ولكنه عندهم لا يفعل مرادا لمراد أصلا لأن الفعل للعلة يستلزم الحاجة وهذا ضعيف بين الضعف وأهل الخصوص قالوا : مثل هذا الجواب .
وطائفة أخرى قالوا : هي على العموم لكن المراد بالعبادة تعبيده لهم وقهره لهم ونفوذ قدرته ومشيئته فيهم وأنه أصارهم إلى ما خلقهم له من السعادة والشقاوة هذا جواب
زيد بن أسلم وطائفة وهذا القول الثاني في تفسير الآية .
وروى
ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
زيد بن أسلم في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } قال جبلهم على الشقاوة والسعادة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : جبلهم على الطاعة وجبلهم على المعصية وهذا يشبه قول من قال في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21715كل مولود يولد على الفطرة } أي على ما كتب له من سعادة وشقاوة كما قال ذلك طائفة منهم :
ابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه وقد قيل
لمالك : أهل القدر يحتجون علينا بهذا الحديث فقال احتجوا عليهم بآخره وهو قوله . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=45153الله أعلم بما كانوا عاملين } . وهذا الجواب يصلح أن يجاب به من أنكر العلم كما كان على ذلك طائفة من القدماء وهم المعروفون
بالقدرية في لغة
مالك .
[ ص: 46 ] إلى أن قال : ومن فسر هذه الآية بأن المراد بيعبدون هو ما جبلهم عليه وما قدره عليهم من السعادة والشقاوة وأن ذلك هو معنى الحديث فإن هؤلاء جعلوا معنى يعبدون بمعنى يستسلمون لمشيئتي وقدرتي فيكونون معبدين مذللين كي يجري عليهم حكمي ومشيئتي لا يخرجون عن قضائي وقدري فهذا معنى صحيح في نفسه وإن كانت
القدرية تنكره . فبإنكارهم لذلك صاروا من أهل البدع بل الله خالق كل شيء وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وفي استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=117184أعوذ بكلمات الله التامة التي لا يجاوزها بر ولا فاجر من شر ما ذرأ وبرأ وأعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده } .
فكلماته التامة هي التي كون بها الأشياء كما قال تعالى . {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } لا يجاوزها بر ولا فاجر ولا يخرج أحد عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور وهذا المعنى قد دل عليه القرآن في غير موضع كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7ولقد ذرأنا لجهنم } الآية وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=906&ayano=6ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2687&ayano=22ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } وقوله في السحر . {
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } {
nindex.php?page=tafseer&surano=920&ayano=6فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } ونحو ذلك .
ولكن قوله . {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } لم يرد به هذا المعنى الذي ذهبوا إليه وحاموا حوله - من أن المخلوقات كلها تحت مشيئته وقهره
[ ص: 47 ] وحكمه . فالمخلوقات كلها داخلة في هذا لا يشذ منها شيء عن هذا . وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3801&ayano=36ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3802&ayano=36وأن اعبدوني } الآية . وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=533&ayano=4واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4114&ayano=39والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4100&ayano=39والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1392&ayano=10ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم } .
فهذا ونحوه كثير في القرآن . لم يرد بعبادة الله إلا العبادة التي أمرت بها الرسل وهي عبادته وحده لا شريك له والمشركون لا يعبدون الله بل يعبدون الشيطان وما يدعونه من دون الله . سواء عبدوا الملائكة أو الأنبياء والصالحين أو التماثيل والأصنام المصنوعة ; فهؤلاء المشركون قد عبدوا غير الله تعالى كما أخبر الله بذلك ، فكيف يقال : إن جميع الإنس والجن عبدوا الله ؟ لكون قدر الله جاريا عليهم والفرق ظاهر بين عبادتهم إياه التي تحصل بإرادتهم واختيارهم وإخلاصهم الدين له وطاعة رسوله وبين أن يعبدهم هو وينفذ فيهم مشيئته وتكون عبادتهم لغيره : للشيطان وللأصنام من المقدور .
وهذا يشبه قول من يقول من المتأخرين : أنا كافر برب يعصى فيجعل كلما يقع طاعة كما جعله هؤلاء عبادة لله تعالى لكونهم تحت المشيئة وكان بعض شيوخهم يقول عن إبليس : إن كان عصى الأمر فقد أطاع المشيئة لكن هؤلاء مباحية يسقطون الأمر .
[ ص: 48 ] وأما
زيد بن أسلم nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه ونحوهم فحاشاهم من مثل هذا ; فإنهم كانوا من أعظم الناس تعظيما للأمر والنهي والوعد والوعيد ولكن قصدوا
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28788الرد على المكذبين بالقدر القائلين : بأنه يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء . وهؤلاء حقيقة قولهم : إنه لا يقدر على تعبيدهم وتصريفهم تحت مشيئته فأرادوا إبطال قول هؤلاء ونعم ما أرادوا لكن الكلام فيما أريد بالآية .
وقول أولئك الإباحية يشبه قول من قال : إن العارف إذا شهد المشيئة سقط عنه الملام وإنه إذا شهد الحكم - يعني المشيئة - لم يستحسن ولم يستقبح سببه ونحو هذا من أقوال هؤلاء الذين تشبه أقوالهم أقوال
المشركين الذين قالوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=943&ayano=6لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } كما قد بسط الكلام عليه وبين أن إثبات القدر السابق حق لكن ذلك هو الذي يصير العبد إليه ليس هو الذي فطر عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21715كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء } . فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ضربه أن البهيمة تولد سليمة ثم تجدع والجدع كان مقدرا عليها ; كذلك العبد يولد على الفطرة سليما ثم يفسد بالتهود والتنصير وذلك كان مكتوبا أن يكون .
وصاحب هذا القول إنما قاله ليبين ما خلقوا له وقد قصد هذا طائفة
[ ص: 49 ] فسروا العبادة بأمر واقع عام وليست هي العبادة المأمور بها على ألسن الرسل ففي تفسير
ابن أبي طلحة المضاف إلى
ابن عباس : إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها وهذه العبودية كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=379&ayano=3وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1735&ayano=13ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها } وفسرت طائفة " الكره " بأنه جريان حكم القدر فيكون كالقول قبله والصحيح أنه انقيادهم لحكمه القدري بغير اختيارهم ، كاستسلامهم عند المصائب وانقيادهم لما يكرهون من أحكامه الشرعية فكل أحد لا بد له من انقياده لحكمه القدري والشرعي فهذا معنى صحيح . قد بسط في غير هذا الموضع لكن ليس هو العبادة .
وكذلك قال بعضهم : إلا ليخضعوا لي ويتذللوا قالوا : ومعنى العبادة في اللغة - التذلل والانقياد وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله تعالى متذلل لمشيئته . لا يملك أحد لنفسه خروجا عما خلق .
وقد ذكر
أبو الفرج قول
ابن عباس هذا . قال : وبيان هذا قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } وهذه الآية توافق من قال : إلا ليعرفون ; كما سيأتي . وهؤلاء الذين أقروا بأن الله خالقهم لم يقروا بذلك كرها بخلاف إسلامهم وخضوعهم له فإنه يكون كرها وأما نفس الإقرار فهو فطري فطروا عليه وبذلوه طوعا .
[ ص: 50 ] وقيل " قول رابع " : روى
ابن أبي حاتم عن
زائدة عن
السدي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } قال : خلقهم للعبادة فمن العبادة عبادة تنفع ومن العبادة عبادة لا تنفع {
nindex.php?page=tafseer&surano=3430&ayano=29ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله } هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع شركهم وهذا المعنى صحيح لكن المشرك يعبد الشيطان وما عدل به الله لا يعبد ولا يسمى مجرد الإقرار بالصانع عبادة لله مع الشرك بالله ولكن يقال كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1714&ayano=12وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } فإيمانهم بالخالق مقرون بشركهم به وأما العبادة ففي الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87350يقول الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو كله الذي أشرك } فعبادة المشركين وإن جعلوا بعضها لله لا يقبل منها شيئا بل كلها لمن أشركوه . فلا يكونون قد عبدوا الله سبحانه ومثل هذا قول من قال : إلا ليوحدون فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء بيانه في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3434&ayano=29فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } .
وقيل " قول خامس " ذكره
ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : ليعرفون قال : وروي عن
قتادة وذكره
البغوي عن
مجاهد . قال : وقال
مجاهد إلا ليعرفون . قال : وهذا قول حسن ; لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، ودليله قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3430&ayano=29ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله } فيقال : هذا المعنى صحيح ; وكونه إنما عرف بخلقهم يقتضي أن
[ ص: 51 ] خلقهم شرط في معرفتهم لا يقتضي أن يكون ما حصل لهم من المعرفة هو الغاية التي خلقوا لها وهذا من جنس قول
السدي ; فإن هذا الإقرار العام هم مشركون فيه كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1133&ayano=7وإذ أخذ ربك من بني آدم } لكن ليس هذا هو العبادة .
فهذه " الأقوال الأربعة " : قول من عرف أن الآية عامة فأراد أن يفسرها بعبادة تعم الإنس والجن واعتقد أنه ( إن فسرها بالعبادة المعروفة وهي الطاعة لله والطاعة لرسله لزم أن تكون واقعة منهم ولم تقع ; فأراد أن يفسرها بعبادة واقعة وظن أنه إذا فسرها بعبادة لم تقع لزمه قول
القدرية وأنه خلقهم لعبادته فعصوه بغير مشيئته وغير قدرته ففروا من قول
القدرية وهم معذورون في هذا الفرار ؟ لكن فسرها بما لم يرد بها كما يصيب كثير من الناس في الآيات التي يحتج أهل البدع بظاهرها كاحتجاج
الرافضة بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وامسحوا برءوسكم وأرجلكم } على مسح ظهر القدمين فنرى المخالفين لهم يذكرون أقوالا ضعيفة هذا يقول مجرورا بالمجاورة كقولهم جحر ضب خرب ونحو هذا من الأقوال الضعيفة وكذلك ما قالوه في قوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596504فحج آدم موسى } وأمثال ذلك .
و " القول السادس " - وإن كان
أبو الفرج لم يذكر فيها إلا أربعة أقوال - وهو الذي عليه جمهور المسلمين أن الله خلقهم لعبادته وهو فعل ما أمروا به ولهذا يوجد المسلمون قديما وحديثا يحتجون بهذه الآية على هذا
[ ص: 52 ] المعنى حتى في وعظهم وتذكيرهم وحكاياتهم كما في حكاية
إبراهيم بن أدهم ; ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت ; وفي حديث إسرائيلي : {
يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكلفت برزقك فلا تتعب فاطلبني تجدني ; فإن وجدتني وجدت كل شيء ; وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء } وهذا هو المأثور عن
nindex.php?page=showalam&ids=8أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ; وغيره من
السلف فذكروا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب أنه قال : إلا لآمرهم أن يعبدون وأدعوهم إلى عبادتي .
قالوا : ويؤيده قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6233&ayano=98وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا } وهذا اختيار
الزجاج وغيره . وهذا هو المعروف عن
مجاهد بالإسناد الثابت ; قال
ابن أبي حاتم : ثنا
أبو سعيد الأشج ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11804أبو أسامة عن
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } لآمرهم وأنهاهم " كذلك روي عن
الربيع بن أنس قال : " ما خلقتهما إلا للعبادة " .
ويدل على هذا مثل قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5662&ayano=75أيحسب الإنسان أن يترك سدى } يعني لا يؤمر ولا ينهى وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2957&ayano=25قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } أي لولا عبادتكم وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=644&ayano=4ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=925&ayano=6يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا } ؟ إلى قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=926&ayano=6وأهلها غافلون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3801&ayano=36ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3802&ayano=36وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } الآيات .
[ ص: 53 ] وما بعدها . وقالت الجن لما سمعوا القرآن : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4586&ayano=46يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4587&ayano=46يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به } الآية . وما بعدها . وقالت الجن : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5533&ayano=72وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا } الآية . وما بعدها .
وقد قال في القرآن في غير موضع : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2يا أيها الناس اعبدوا ربكم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4يا أيها الناس اتقوا ربكم } فقد أمرهم بما خلقهم له وأرسل الرسل إلى الإنس والجن
ومحمد أرسل إلى الثقلين وقرأ القرآن على الجن وقد روي أنه لما قرأ عليهم سورة الرحمن . وجعل يقرأ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فبأي آلاء ربكما تكذبان } يقولون : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد . فهذا هو المعنى الذي قصد بالآية قطعا وهو الذي تفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالآية عليه ; ويعترفون بأن الله خلقهم ليعبدوه ، لا ليضيعوا حقه وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596506يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال : فإن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإن حقهم عليه أن لا يعذبهم } . وفي المسند عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81525بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي . وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم } .
[ ص: 54 ] ثم للناس على هذا القول قولان : قول
أهل السنة المثبتة للقدر وقول نفاته فصارت الأقوال في الآية " سبعة " . وفي الحكمة " خمسة " : فأما
أهل السنة المثبتون للقدر فيقولون :
nindex.php?page=treesubj&link=28787_29022قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } لا يستلزم وقوع العبادة منهم كما قال أصحاب هذه الأقوال المتقدمة ولا يستلزم نفي المقدور أن يكون في ملكه ما لا يشاء أو يشاء ما لا يكون كما قالت
القدرية فهؤلاء يقولون : لم يقع ما خلقهم له لكونه يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء . أولئك قالوا : إذا كان ما يشاء كان وما لم يشأ لم يكن فما لم يقع لم يشأه فما لم يقع من العبادة لم يشأها وهذا معنى صحيح ثم قالوا : وما خلقهم له فلا بد أن يشاء أن يخلقه فلما لم يشأه أن يخلق هذا لم يخلقهم له .
فالطائفتان أصل غلطهم ظنهم أنما خلقهم له يشاء وقوعه وأولئك يقولون يشاء أن يخلقه وهؤلاء يقولون يشاء وقوعه منهم بمعنى يأمرهم به وما عندهم أن له مشيئة في أفعال العباد غير الأمر وهم يعصون أمره ; فلهذا قالوا : يكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون كما يقولون : يفعلون ما نهاهم عنه ويتركون ما أمرهم به وهذا المعنى صحيح إذا أريد الأمر الشرعي ; لكن
القدرية النفاة لا يقولون : إنه شاء إلا بمعنى أمر فعندهم ما ليس طاعة من أفعال العباد ما لا
[ ص: 55 ] يشاؤه فإنه لا يخلقه عندهم وإذا لم يخلقه لم يشأه فإنه ما شاء أن يخلقه خلقه باتفاق المسلمين .
والقدرية لا تنازع في هذا لا ينازعون في أنه ما شاء أن يفعله هو فعله وأنه قادر على أن يفعل ما يشاء أن يفعله لكن عندهم أن أفعال العباد لا تدخل في خلقه ولا في قدرته ولا في مشيئته ولا في مشيئته أن يفعل لكن المشيئة المتعلقة بها بمعنى الأمر فقط فيقولون : خلقهم لعبادته أن يفعلوها هم وقد أمرهم بها فإذا لم يفعلوها كان ذلك بمنزلة عصيان أمره .
وأما المثبتون للقدر فيقولون : إنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو سبحانه خالق كل شيء {
nindex.php?page=tafseer&surano=1602&ayano=11ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة } {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2ولو شاء الله ما اقتتلوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=907&ayano=6ولو شاء ربك ما فعلوه } وأمثال ذلك فإذا خلقهم للعبادة المأمور بها ولم يفعلوها لم يكن قد شاء أن يكون إذ لو شاء أن تكون لكونها لكن أمرهم بها وأحب أن يفعلوها ورضي أن يفعلوها وأراد أن يفعلوها إرادة شرعية تضمنها أمره بالعبادة .
ومن هنا يتبين معنى الآية فإن قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } يشبه قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2654&ayano=22كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5192&ayano=59كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=771&ayano=5ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5294&ayano=65الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن } الآية . وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } فهو لم يرسله إلا ليطاع ثم قد يطاع وقد يعصى .
وكذلك ما خلقهم إلا للعبادة ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون . ومثل هذا كثير في القرآن يبين أنه فعل ما فعل ليكبروه وليعدلوا ولا يظلموا وليعلموا ما هو متصف به وغيره مما أمر الله به العباد وأحبه لهم ورضيه منهم وفيه سعادتهم وكمالهم وصلاحهم وفلاحهم إذا فعلوه . ثم منهم من يفعل ذلك ومنهم من لا يفعله .
وهو سبحانه لم يقل إنه فعل الأول ليفعل هو الثاني ولا ليفعل بهم الثاني فلم يذكر أنه خلقهم ليجعلهم هم عابدين ; فإن ما فعله من الأسباب لما يفعله هو من الغايات يجب أن يفعله لا محالة ويمتنع أن يفعل أمرا ليفعل أمرا ثانيا ولا يفعل الأمر الثاني ولكن ذكر أنه فعل الأول ليفعلوا هم الثاني ; فيكونون هم الفاعلين له فيحصل بفعلهم سعادتهم وما يحبه ويرضاه لهم فيحصل ما يحبه هو وما يحبونه هم كما تقدم أن كل ما خلقه وأمر به غايته محبوبة لله ولعباده . وفيه حكمة له وفيه رحمة لعباده .
فهذا الذي خلقهم له لو فعلوه لكان فيه ما يحبه وما يحبونه ولكن لم يفعلوه فاستحقوا ما يستحقه العاصي المخالف لأمره التارك فعل ما خلق لأجله من
[ ص: 57 ] عذاب الدنيا والآخرة وهو سبحانه قد شاء أن تكون العبادة ممن فعلها فجعلهم عابدين مسلمين بمشيئته وهداه لهم وتحبيبه إليهم الإيمان ; كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4668&ayano=49ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } فهؤلاء [ أراد ] العبادة منهم خلقا وأمرا أمرهم بها ; وخلقا جعلهم فاعلين .
والصنف الثاني لم يشأ هو أن يخلقهم عابدين وإن كان قد أمرهم بالعبادة . والله سبحانه أعلم .
( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28783دَوَامُ كَوْنِهِ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ وَلَا
[ ص: 30 ] يَزَالُ قَادِرًا عَلَى مَا يَشَاؤُهُ بِمَشِيئَتِهِ فَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَهَذَا قَوْلُ
السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ
كَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد .
إلَى أَنْ قَالَ : وَفِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=593&ayano=4وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=655&ayano=4وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=631&ayano=4وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } فَكَأَنَّهُ كَانَ فَمَضَى فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : قَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=631&ayano=4وَكَانَ اللَّهُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=631&ayano=4وَكَانَ اللَّهُ } فَإِنَّهُ يُجِلُّ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ وَسَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ لَمْ يُجِلَّهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَكَانَ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ . رَوَاهُ
عَبْدُ بْنُ حميد فِي تَفْسِيرِهِ مُسْنَدًا مَوْصُولًا وَرَوَاهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِهِ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ عَبْدٍ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28778تَنَازُعِ النَّاسِ فِي " مَسْأَلَةِ الْقُدْرَةِ " . وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ
السَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ لِلَّهِ قُدْرَةً وَلَا يُثْبِتُهُ قَادِرًا
فالجهمية وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ
وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ الْمُجَبِّرَةُ وَالنَّافِيَةُ : حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ لَيْسَ قَادِرًا وَلَيْسَ لَهُ الْمُلْكُ فَإِنَّ الْمُلْكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقُدْرَةَ ; أَوْ الْمَقْدُورَ ; أَوْ كِلَاهُمَا وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ ; فَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ الْقُدْرَةَ حَقِيقَةً لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مُلْكًا ; كَمَا لَا يُثْبِتُونَ لَهُ حَمْدًا .
إلَى أَنْ قَالَ : وَ ( أَيْضًا فَالْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ : الْقَيُّومُ الصَّمَدُ الْوَاجِبُ الْوُجُودُ بِنَفَسِهِ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إلَيْهِ ; أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنْ الْمُمْكِنِ الْمُحْدَثِ الْمُفْتَقِرِ ; فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ ; وَالْقَيُّومُ
[ ص: 31 ] الصَّمَدُ لَيْسَ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ ; إلَى أَنْ قَالَ : وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَدْلٌ لَا يَظْلِمُ ; وَعَدْلُهُ إحْسَانٌ إلَى خَلْقِهِ فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ فَهُوَ إحْسَانٌ إلَى عِبَادِهِ وَلِهَذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ أَنْوَاعًا مِنْ مَقْدُورَاتِهِ ; ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَنْعُمَ مِثْلُ إهْلَاكِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ ; فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَنَصْرِهِ لِلرُّسُلِ ; وَتَحْقِيقِ مَا جَاءُوا بِهِ وَإِنَّ السَّعَادَةَ فِي مُتَابَعَتِهِمْ وَالشَّقَاوَةَ فِي مُخَالَفَتِهِمْ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ .
وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ هُوَ مِنْ آلَائِهِ مِنْ وُجُوهٍ : مِنْهَا أَنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى تَوْحِيدِهِ وَقُدْرَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيمَانُ وَالْعِلْمُ وَذِكْرُ الرَّبِّ . وَهَذِهِ النِّعْمَةُ أَفْضَلُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا وَكُلُّ مَخْلُوقٍ يُعِينُ عَلَيْهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهَا هَذَا مَعَ مَا فِي الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْمَنَافِعِ لِعِبَادِهِ غَيْرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا . فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } لِمَا يَذْكُرُ مَا يَذْكُرُهُ مِنْ الْآيَةِ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4892&ayano=53فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } وَالْآلَاءُ : هِيَ النِّعَمُ ; وَالنِّعَمُ كُلُّهَا مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَنُعُوتِهِ وَمَعَانِي أَسْمَائِهِ فَهِيَ آلَاءُ آيَاتٍ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ آلَائِهِ فَهُوَ مِنْ آيَاتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ ; وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ آيَاتِهِ فَهُوَ مِنْ آلَائِهِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّعْرِيفَ وَالْهِدَايَةَ وَالدَّلَالَةَ عَلَى الرَّبِّ تَعَالَى . وَقُدْرَتُهُ وَحِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ وَدِينُهُ . وَالْهُدَى أَفْضَلُ النِّعَمِ .
[ ص: 32 ] وَ ( أَيْضًا فَفِيهَا نِعَمٌ وَمَنَافِعُ لِعِبَادِهِ ; غَيْرِ الِاسْتِدْلَالِ : كَمَا فِي خَلْقِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ ; فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مِنْ آيَاتِهِ وَفِيهَا نِعَمٌ عَظِيمَةٌ عَلَى عِبَادِهِ غَيْرِ الِاسْتِدْلَالِ فَهِيَ تُوجِبُ الشُّكْرَ لِمَا فِيهَا مِنْ النِّعَمِ وَتُوجِبُ التَّذَكُّرَ لِمَا فِيهَا مِنْ الدَّلَالَةِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2942&ayano=25وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4688&ayano=50تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } فَإِنَّ الْعَبْدَ يَدْعُوهُ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ دَاعِي الشُّكْرِ وَدَاعِي الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذَاكَ دَاعٍ إلَى شُكْرِهَا ; وَقَدْ جُبِلَتْ النُّفُوسُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْعِمُ الْمُحْسِنُ الَّذِي مَا بِالْعِبَادِ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ وَحْدَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596492مَنْ قَالَ إذَا أَصْبَحَ : اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدِ مِنْ خَلْقِك فَمِنْك وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَنْ قَالَ : ذَلِكَ إذَا أَمْسَى فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ } رَوَاهُ
أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596493مَنْ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } .
وَقَدْ ذَمَّ سُبْحَانَهُ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانِهِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=858&ayano=6قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } الْآيَةَ . فَهَذَا فِي كَشْفِ الضُّرِّ وَفِي النِّعَمِ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أَيْ : شُكْرُكُمْ وَشُكْرُ مَا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَنَصِيبُكُمْ تَجْعَلُونَهُ تَكْذِيبًا وَهُوَ الِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّحِيحِ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596494مُطِرَ [ ص: 33 ] النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ مِنْ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ قَالُوا : هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { nindex.php?page=tafseer&surano=5110&ayano=56فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } - حَتَّى بَلَغَ - { nindex.php?page=tafseer&surano=5117&ayano=56وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } } رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596495مَا أُنْزِلَ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ يُنْزِلُ اللَّهُ الْغَيْثَ فَيَقُولُ : الْكَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا وَفِي لَفْظٍ لَهُ : بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596496زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجهني قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : قَالَ : أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَمَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَمَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ } . وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَذُمُّ سُبْحَانَهُ مَنْ يُضِيفُ إنْعَامَهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُشْرِكُهُ بِهِ قَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ : هُوَ كَقَوْلِهِمْ كَانَتْ الرِّيحُ طَيِّبَةً وَالْمَلَّاحُ حَاذِقًا .
وَلِهَذَا قَرَنَ الشُّكْرَ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا : أَوَّلُهَا شُكْرٌ وَأَوْسَطُهَا تَوْحِيدٌ وَفِي الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَوْحِيدٍ وَهَذَانِ هُمَا رُكْنٌ فِي كُلِّ خِطَابٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَذْكُرُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ مَقْصُودِهِ مَا يُنَاسِبُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
[ ص: 34 ] وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29840لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ } يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالتَّحْمِيدَ وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُولُ عَقِبَ الصَّلَاةِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596497لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَفْتَتِحُ خِطَابَهُ بِالْحَمْدِ وَيَخْتِمُ الْأُمُورَ بِالْحَمْدِ وَأَوَّلُ مَا خَلَقَ
آدَمَ كَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ أَنْطَقَهُ بِهِ الْحَمْدَ فَإِنَّهُ عَطَسَ فَأَنْطَقَهُ بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ : يَرْحَمُك رَبُّك
يَا آدَمَ وَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْحَمْدَ وَأَوَّلُ مَا سَمِعَهُ الرَّحْمَةَ .
وَهُوَ يَخْتِمُ الْأُمُورَ بِالْحَمْدِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4172&ayano=39وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=840&ayano=6فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1384&ayano=10وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَهُوَ سُبْحَانَهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3350&ayano=28لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .
وَالتَّوْحِيدُ أَوَّلُ الدِّينِ وَآخِرُهُ فَأَوَّلُ مَا دَعَا إلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=71650أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596498وَقَالَ لِمُعَاذِ : إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ : شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ } وَخُتِمَ الْأَمْرُ بِالتَّوْحِيدِ فَقَالَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ عَنْ
عُثْمَانَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596499مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596500لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ
مُعَاذٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596501مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } . وَفِي الْمُسْنَدِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596502إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ [ ص: 35 ] حِينَ الْمَوْتِ إلَّا وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رُوحًا } وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي عَرَضَهَا عَلَى عَمِّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ .
فَهُوَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا فَيَتَذَكَّرُ الْآيَاتِ الْمُثْبِتَةَ لِلْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَإِذَا عَرَفَ آلَاءَ اللَّهِ شَكَرَهُ عَلَى آلَائِهِ وَكِلَاهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَالْآيَاتُ وَالْآلَاءُ مُتَلَازِمَانِ مَا كَانَ مِنْ الْآلَاءِ فَهُوَ مِنْ الْآيَاتِ وَمَا كَانَ مِنْ الْآيَاتِ فَهُوَ مِنْ الْآلَاءِ وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19612الشُّكْرُ وَالتَّذَكُّرُ مُتَلَازِمَانِ فَإِنَّ الشَّاكِرَ إنَّمَا يَشْكُرُ بِحَمْدِهِ وَطَاعَتِهِ وَفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَذَكُّرِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَمَمَادِحِهِ ; وَمِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَيُثْنِي عَلَيْهِ بِالْخَيْرِ وَيُطَاعُ فِي الْأَمْرِ هَذَا هُوَ الشُّكْرُ وَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ التَّذَكُّرِ وَالتَّذَكُّرُ إذَا تَذَكَّرَ آيَاتِهِ عَرَفَ مَا فِيهَا مِنْ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ فَآيَاتُهُ تَعُمُّ الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا وَهِيَ خَيْرٌ وَنِعَمٌ وَإِحْسَانٌ .
فَكُلُّ مَا خَلَقَهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ عَلَى عِبَادِهِ وَهُوَ خَيْرٌ وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْهِ وَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=97347وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ } وَفِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596503وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك } .
وَكُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فَلَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3274&ayano=27صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3542&ayano=32الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } . وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ .
" فَالْحِكْمَةُ " تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا : حِكْمَةٌ تَعُودُ إلَيْهِ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا .
[ ص: 36 ] وَ ( الثَّانِي إلَى عِبَادِهِ هِيَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ يَفْرَحُونَ بِهَا وَيَلْتَذُّونَ بِهَا ; وَهَذَا فِي الْمَأْمُورَاتِ وَفِي الْمَخْلُوقَاتِ .
أَمَّا فِي " الْمَأْمُورَاتِ " فَإِنَّ الطَّاعَةَ هُوَ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا ; وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَعْظَمَ فَرَحٍ يَعْرِفُهُ النَّاسُ ; فَهُوَ يَفْرَحُ أَعْظَمَ مِمَّا يَفْرَحُ الْفَاقِدُ لِزَادِهِ وَرَاحِلَتِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ إذَا وَجَدَهَا بَعْدَ الْيَأْسِ ; كَمَا أَنَّهُ يَغَارُ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرَةِ الْعِبَادِ ; وَغَيْرَتِهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَغَارُ إذَا فَعَلَ الْعَبْدُ مَا نَهَاهُ وَيَفْرَحُ إذَا تَابَ وَرَجَعَ إلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ وَالطَّاعَةُ عَاقِبَتُهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; وَذَلِكَ مِمَّا يَفْرَحُ بِهِ الْعَبْدُ الْمُطِيعُ ; فَكَانَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ عَاقِبَتُهُ حَمِيدَةٌ تَعُودُ إلَيْهِ وَإِلَى عِبَادِهِ فَفِيهَا حِكْمَةٌ لَهُ وَرَحْمَةٌ لِعِبَادِهِ ; قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5234&ayano=61يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5235&ayano=61تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5236&ayano=61يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5237&ayano=61وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } فَفِي الْجِهَادِ عَاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّونَهَا : وَهِيَ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ ; وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ ; وَفِيهِ النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ ; وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5228&ayano=61إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } فَهُوَ يُحِبُّ ذَلِكَ ; فَفِيهِ حِكْمَةٌ عَائِدَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ رَحْمَةٌ لِلْعِبَادِ ; وَهِيَ مَا يَصِلُ إلَيْهِمْ مِنْ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا
[ ص: 37 ] وَالْآخِرَةِ ; هَكَذَا سَائِرُ مَا أَمَرَ بِهِ ; وَكَذَلِكَ مَا خَلَقَهُ خَلَقَهُ لِحِكْمَةِ تَعُودُ إلَيْهِ يُحِبُّهَا وَخَلَقَهُ لِرَحْمَةِ بِالْعِبَادِ يَنْتَفِعُونَ بِهَا .
وَالنَّاسُ لَمَّا تَكَلَّمُوا فِي " عِلَّةِ الْخَلْقِ وَحِكْمَتِهِ " تَكَلَّمَ كُلُّ قَوْمٍ بِحَسَبِ عِلْمِهِمْ فَأَصَابُوا وَجْهًا مِنْ الْحَقِّ ، وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ وُجُوهٌ أُخْرَى .
وَهَكَذَا عَامَّةُ مَا تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ يَكُونُ مَعَ هَؤُلَاءِ بَعْضُ الْحَقِّ ; وَقَدْ تَرَكُوا بَعْضَهُ كَذَلِكَ مَعَ الْآخَرِينَ . وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاسِ الْبَاطِلُ الْمَحْضُ ; بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشَابَ بِشَيْءِ مِنْ الْحَقِّ ; فَلِهَذَا لَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك ; فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْحَقِّ كُلِّهِ ; وَصَدَّقُوا كُلَّ طَائِفَةٍ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ الْحَقِّ ; فَهُمْ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ .
وَلِأَهْلِ الْكَلَامِ هُنَا " ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ " لِثَلَاثِ طَوَائِفَ مَشْهُورَةٍ وَقَدْ وَافَقَ كُلَّ طَائِفَةٍ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ
الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد .
( الْقَوْلُ الْأَوَّلُ . " قَوْلُ مَنْ نَفَى الْحِكْمَةَ " وَقَالُوا هَذَا يُفْضِي إلَى الْحَاجَةِ ; فَقَالُوا يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا لِحِكْمَةِ فَأَثْبَتُوا لَهُ الْقُدْرَةَ وَالْمَشِيئَةَ وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ . وَهَذَا تَعْظِيمٌ وَنَفَوْا الْحِكْمَةَ لِظَنِّهِمْ أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الْحَاجَةَ . وَهَذَا قَوْلُ
الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=14953كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى nindex.php?page=showalam&ids=12737وَابْنِ الزاغوني والجويني [ ص: 38 ] والباجي وَنَحْوِهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ
جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ
الْمُجْبِرَةِ .
وَالْفَلَاسِفَةُ لَهُمْ قَوْلٌ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا . وَهُوَ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ عَذَابِ النُّفُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ . فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا يَقَعُ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ . وَ [ لَوْ ] قَالُوا إنَّهُ مُوجِبٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لِمَا يَفْعَلُهُ لَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا . وَقَدْ قَالُوا أَيْضًا الشَّرُّ يَقَعُ فِي الْعَالَمِ مَغْلُوبًا مَعَ الْخَيْرِ فِي الْوُجُودِ . وَهَذَا صَحِيحٌ ; لَكِنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ قَدْ خَلَقَ لِحِكْمَةِ مَعْلُومَةٍ تَسْلَمُ وَلَا تَعُدْ وَإِلَّا فَمَعَ انْتِفَاءِ هَذَيْنِ يَبْقَى الْكَلَامُ ضَائِعًا فَفِي قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ نَوْعٌ مِنْ الْحَقِّ وَنَوْعٌ مِنْ الْبَاطِلِ فَهَذِهِ " أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ " .
( وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ : قَوْلُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ أَنَّ لَهُ حِكْمَةً فِي كُلِّ مَا خَلَقَ ; بَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ .
( وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَيْ مِنْ " الثَّلَاثَةِ " الَّتِي
لِأَهْلِ الْكَلَامِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28787إنَّهُ يَخْلُقُ وَيَأْمُرُ لِحِكْمَةِ تَعُودُ إلَى الْعِبَادِ وَهُوَ نَفْعُهُمْ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ ; فَلَمْ يَخْلُقْ وَلَمْ يَأْمُرْ إلَّا لِذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ; ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي تَفْصِيلِ الْحِكْمَةِ ، فَأَنْكَرَ الْقَدَرَ ; وَوَضَعَ لِرَبِّهِ شَرْعًا بِالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْوِيزِ . وَهَذَا قَوْلُ "
الْقَدَرِيَّةِ " وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِالْقَدَرِ وَقَالَ : لِلَّهِ حِكْمَةٌ خَفِيَتْ عَلَيْنَا . وَهَذَا قَوْلُ
Multitarajem.php?tid=13371,13372ابْنِ عَقِيلٍ [ ص: 39 ] وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ ; فَهُمْ يُوَافِقُونَ
الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى إثْبَاتِ حِكْمَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمَخْلُوقِ لَكِنْ يُقِرُّونَ مَعَ ذَلِكَ بِالْقَدَرِ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28787قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ حِكْمَةً تَعُودُ إلَى الرَّبِّ ; لَكِنْ بِحَسَبِ عِلْمِهِ . فَقَالُوا : خَلَقَهُمْ لِيَعْبُدُوهُ وَيَحْمَدُوهُ وَيُثْنُوا عَلَيْهِ وَيُمَجِّدُوهُ وَهُمْ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ وَهُمْ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ ; وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَمَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ مَخْلُوقًا لَهُ . قَالُوا : وَهَذِهِ حِكْمَةٌ مَقْصُودَةٌ وَهِيَ وَاقِعَةٌ . بِخِلَافِ الْحِكْمَةِ الَّتِي أَثْبَتَتْهَا
الْمُعْتَزِلَةُ ; فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا حِكْمَةً هِيَ نَفْعُ الْعِبَادِ ثُمَّ قَالُوا : خَلَقَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْخَلْقِ بَلْ يَتَضَرَّرُ بِهِ ; فَتَنَاقَضُوا . وَنَحْنُ أَثْبَتْنَا حِكْمَةَ عِلْمٍ أَنَّهَا تَقَعُ فَوَقَعَتْ وَهِيَ مَعْرِفَةُ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَحَمْدُهُمْ لَهُ ; وَثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ ; وَتَمْجِيدُهُمْ لَهُ ; وَهَذَا وَاقِعٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ .
قَالُوا : وَقَدْ يَخْلُقُ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالْخَلْقِ لِنَفْعِ الْآخَرِينَ وَفِعْلُ الشَّرِّ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ حِكْمَةٌ كَإِنْزَالِ الْمَطَرِ لِنَفْعِ الْعِبَادِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ضَرَرًا لِبَعْضِ النَّاسِ . قَالُوا : وَفِي خَلْقِ الْكُفَّارِ وَتَعْذِيبِهِمْ اعْتِبَارٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَجِهَادٌ وَمَصَالِحُ . وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ
الْقَاضِي أَبِي حَازِمِ بْنِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ " أُصُولِ الدِّينِ " الَّذِي صَنَّفَهُ عَلَى كِتَابِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الكرامي .
قَالُوا : وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ الْعِبَادَةُ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . قَالُوا : وَالْمُرَادُ
[ ص: 40 ] بِذَلِكَ مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ الْعِبَادَةُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهَا وَمَنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ فَلَيْسَ مَخْلُوقًا لَهَا ; وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : مَا خَلَقْت مَنْ يَعْبُدُنِي إلَّا لَيَعْبُدَنِي ; وَكَذَلِكَ قَالَ
الضَّحَّاكُ وَالْفَرَّاءُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ - وَهَذَا قَوْلٌ خَاصٌّ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ - قَالَ
الضَّحَّاكُ : هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ ; وَهَذَا قَوْلُ
الكرامية . كَمَا ذَكَرَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ . قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4780&ayano=37فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } أَيْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَنْفَعُهُمْ الذِّكْرَى .
قَالُوا : وَهِيَ غَايَةٌ مَقْصُودَةٌ وَاقِعَةٌ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ وَقَعَتْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ ;
nindex.php?page=showalam&ids=14953وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَقُولُ : إنَّهُ لَا يَفْعَلُ لِعِلَّةِ . قَالُوا : - وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=14953لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى - هَذَا بِمَعْنَى الْخُصُوصِ لَا الْعُمُومِ ; لِأَنَّ الْبُلْهَ وَالْأَطْفَالَ وَالْمَجَانِينَ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الْخِطَابِ . وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْإِنْسِ . وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ يَخْرُجُونَ مِنْ هَذَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ } الْآيَةَ . فَمَنْ خُلِقَ لِلشَّقَاءِ وَلِجَهَنَّمَ لَمْ يُخْلَقْ لِلْعِبَادَةِ .
قُلْت : قَوْلُ هَؤُلَاءِ
الكرامية وَمَنْ وَافَقَهُمْ . وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ مِنْ قَوْلِ
الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ ; وَقَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَإِنْ وَافَقُوا فِيهِ بَعْضَ
السَّلَفِ . فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَلِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ . فَإِنَّ قَصْدَ الْعُمُومِ ظَاهِرٌ فِي الْآيَةِ وَبَيَّنَ بَيَانًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ ; فَإِنَّ الْجَمِيعَ قَدْ فَعَلُوا مَا خُلِقُوا لَهُ
[ ص: 41 ] وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ عُمُومًا . وَلَمْ تُذْكَرْ الْمَلَائِكَةُ مَعَ أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ وَقَعَتْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ دُونَ كَثِيرٍ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ .
وَ ( أَيْضًا فَإِنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا ذَمٌّ وَتَوْبِيخٌ لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ لِشَيْءِ فَلَمْ يَفْعَلْ مَا خُلِقَ لَهُ وَلِهَذَا عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ ; {
nindex.php?page=tafseer&surano=4783&ayano=51مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } فَإِثْبَاتُ الْعِبَادَةِ وَنَفْيُ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ مَا يُرِيدُهُ السَّادَةُ مِنْ عَبِيدِهِمْ مِنْ الْإِعَانَةِ لَهُمْ بِالرِّزْقِ وَالْإِطْعَامِ ; وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4785&ayano=51فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا } أَيْ نَصِيبًا {
nindex.php?page=tafseer&surano=4785&ayano=51مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ . أَيْ نَصِيبًا مِنْ الْعَذَابِ وَهَذَا وَعِيدٌ لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ; فَذَكَرَ هَذَا الْوَعِيدَ عَقِيبَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا يَتَضَمَّنُ وَعِيدَ مَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ .
وَذَكَرَ عِقَابَهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِهَا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4727&ayano=51وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4731&ayano=51إنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4732&ayano=51وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4734&ayano=51إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4735&ayano=51يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } ثُمَّ ذَكَرَ وَعِيدَ الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4736&ayano=51قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4737&ayano=51الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4738&ayano=51يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4739&ayano=51يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ثُمَّ ذَكَرَ وَعْدَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4741&ayano=15إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4746&ayano=51وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4747&ayano=51وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4748&ayano=51وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4749&ayano=51فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ } ثُمَّ ذَكَرَ قَصَصَ مَنْ آمَنَ فَنَفَعَهُ إيمَانُهُ وَمَنْ كَفَرَ فَعَذَّبَهُ بِكُفْرِهِ . فَذَكَرَ قِصَّةَ
إبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ وَقَوْمِهِ وَعَذَابَهُمْ .
[ ص: 42 ] ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4763&ayano=51وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4764&ayano=51وَفِي مُوسَى إذْ أَرْسَلْنَاهُ إلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أَيْ فِي قِصَّةِ
مُوسَى آيَةٌ أَيْضًا . هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ
كَأَبِي الْفَرَجِ وَقِيلَ : هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4746&ayano=51وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4764&ayano=51وَفِي مُوسَى } وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ قِصَّةَ
فِرْعَوْنَ وَعَادٍ هِيَ مِنْ جِنْسِ
قَوْمِ لُوطٍ فِيهَا ذِكْرُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ وَمَنْ خَالَفَهُمْ يَدُلُّ بِهَا عَلَى إثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَعَاقِبَةِ الْمُطِيعِينَ وَالْعُصَاةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4746&ayano=6وَفِي الْأَرْضِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4747&ayano=51وَفِي أَنْفُسِكُمْ } فَتِلْكَ آيَاتٌ عَلَى الصَّانِعِ جَلَّ جَلَالُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ ; وَلِأَنَّهُ لَا يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْكَثِيرِ مَعَ أَنَّ قَبْلَهُ لَا يَصْلُحُ الْعَطْفُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4763&ayano=51وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4767&ayano=51وَفِي عَادٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4769&ayano=51وَفِي ثَمُودَ } . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بَنَى السَّمَاءَ بِأَيْدٍ وَفَرَشَ الْأَرْضَ وَخَلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَلَمَّا بَيَّنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى مَا يَجِبُ مِنْ الْإِيمَانِ وَعِبَادَتِهِ أَمَرَ بِذَلِكَ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4776&ayano=51فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4777&ayano=51وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } الْآيَةَ . ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ جِنْسِ مَنْ قَبْلَهُمْ لِيَتَأَسَّى الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَيَصْبِرُوا عَلَى مَا يَنَالُهُمْ مِنْ أَذَى الْكُفَّارِ فَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4778&ayano=51كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4779&ayano=51أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } .
فَهَذَا كُلُّهُ يَتَضَمَّنُ أَمْرَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ وَاسْتِحْقَاقِ مَنْ يَفْعَلُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4783&ayano=51مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } كَانَ هَذَا مُنَاسِبًا لِمَا تَقَدَّمَ مُؤْتَلِفًا مَعَهُ : أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتهمْ إنَّمَا خَلَقْتهمْ لِعِبَادَتِي مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا رِزْقًا وَلَا طَعَامًا .
فَإِذَا قِيلَ : لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا الْمُؤْمِنِينَ كَانَ هَذَا مُنَاقِضًا لِمَا تَقَدَّمَ يَعْنِي فِي السُّورَةِ وَصَارَ هَذَا كَالْعُذْرِ لِمَنْ لَا يَعْبُدُهُ مِمَّنْ ذَمَّهُ اللَّهُ وَوَبَّخَهُ وَغَايَتُهُ يَقُولُ : أَنْتَ لَمْ تَخْلُقْنِي لِعِبَادَتِك وَطَاعَتِك وَلَوْ خَلَقْتَنِي لَهَا لَكُنْت عَابِدًا وَإِنَّمَا خَلَقْت هَؤُلَاءِ فَقَطْ لِعِبَادَتِك وَأَنَا خَلَقْتَنِي لِأَكْفُرَ بِك وَأُشْرِكَ بِك وَأُكَذِّبَ رُسُلَكَ وَأَعْبُدَ الشَّيْطَانَ وَأُطِيعَهُ وَقَدْ فَعَلْت مَا خَلَقْتَنِي لَهُ كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ مَا خَلَقْتهمْ لَهُ فَلَا ذَنْبَ لِي وَلَا أَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ ; فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يُلْزِمُ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ وَكَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا وَهُمْ إنَّمَا قَالُوا هَذَا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ قَالُوا فَلَوْ كَانَ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ لَجَعَلَهُمْ مُطِيعِينَ كَمَا جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ : لَمْ يُرِدْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ إلَّا الطَّاعَةَ ; لَكِنَّ هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَا هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ مُطِيعِينَ ; بَلْ الْإِرَادَةُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ يَأْمُرُ بِهَا الطَّائِفَتَيْنِ فَهَؤُلَاءِ عَبَدُوهُ بِأَنْ أَحْدَثُوا إرَادَتَهُمْ وَطَاعَتَهُمْ وَهَؤُلَاءِ عَصَوْهُ بِأَنْ أَحْدَثُوا إرَادَتَهُمْ وَمَعْصِيَتَهُمْ .
وَأُولَئِكَ عَلِمُوا فَسَادَ قَوْلِ
الْقَدَرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إلَّا مَا شَاءَهُ وَلَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ شَيْءٌ إلَّا بِقُدْرَتِهِ وَخَلْقِهِ وَمَشِيئَتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ السَّمْعُ
[ ص: 44 ] وَالْعَقْلُ وَهَذَا مَذْهَبُ
الصَّحَابَةِ قَاطِبَةً وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِهِمْ وَهُوَ مَذْهَبُ
أَهْلِ السُّنَّةِ ; فَلِأَجْلِ هَذَا عَدَلَ أُولَئِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ إلَى الْخُصُوصِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ فَلَمْ تَقَعْ مِنْهُمْ الْعِبَادَةُ لَهُ وَقَالُوا : مَنْ ذَرَأَهُ لِجَهَنَّمَ لَمْ يَخْلُقْهُ لِعِبَادَتِهِ فَمَنْ قَالَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ .
وَأَمَّا "
nindex.php?page=treesubj&link=28787نفاة الْحِكْمَةِ " :
كَالْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِ
كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=14953وَأَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمْ فَهَؤُلَاءِ أَصْلُهُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا لِشَيْءِ فَلَمْ يَخْلُقْ أَحَدًا لَا لِعِبَادَةِ وَلَا لِغَيْرِهَا وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لَامُ كَيْ لَكِنْ قَدْ يَقُولُونَ فِي الْقُرْآنِ لَامُ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3288&ayano=28فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ } يَعْنُونَ كَانَ عَاقِبَةُ هَؤُلَاءِ جَهَنَّمَ وَعَاقِبَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْعِبَادَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ قَصَدَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ لَا لِهَذَا وَلَا لِهَذَا وَلَكِنْ أَرَادَ خَلْقَ كُلِّ مَا خَلَقَهُ لَا لِشَيْءِ آخَرَ فَهَذَا قَوْلُهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِوُجُوهِ : ( أَحَدُهَا أَنَّ لَامَ الْعَاقِبَةِ الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ فِيهَا الْفِعْلُ لِأَجْلِ الْعَاقِبَةِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ جَاهِلٍ أَوْ عَاجِزٍ فَالْجَاهِلُ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3288&ayano=28فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } لَمْ يَعْلَمْ
فِرْعَوْنُ بِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ وَالْعَاجِزُ كَقَوْلِهِمْ : لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ . فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْعَاقِبَةَ ; لَكِنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ دَفْعِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى عَلِيمٌ قَدِيرٌ فَلَا يُقَالُ : إنَّ فِعْلَهُ كَفِعْلِ الْجَاهِلِ الْعَاجِزِ .
[ ص: 45 ] ( الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ هَذِهِ الْغَايَةَ بِالِاتِّفَاقِ ، فَالْعِبَادَةُ الَّتِي خُلِقَ الْخَلْقُ لِأَجْلِهَا هِيَ مُرَادَةٌ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَهَا وَحَيْثُ تَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ لَا يَكُونُ الْفَاعِلُ أَرَادَ الْعَاقِبَةَ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ خَلَقَهُمْ وَأَرَادَ أَفْعَالَهُمْ وَأَرَادَ عِقَابَهُمْ عَلَيْهَا فَكُلَّمَا وَقَعَ فَهُوَ مُرَادٌ لَهُ ; وَلَكِنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا يَفْعَلُ مُرَادًا لِمُرَادِ أَصْلًا لِأَنَّ الْفِعْلَ لِلْعِلَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْحَاجَةَ وَهَذَا ضَعِيفٌ بَيِّنُ الضَّعْفِ وَأَهْلُ الْخُصُوصِ قَالُوا : مِثْلُ هَذَا الْجَوَابِ .
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَالُوا : هِيَ عَلَى الْعُمُومِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ تَعْبِيدُهُ لَهُمْ وَقَهْرُهُ لَهُمْ وَنُفُوذُ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فِيهِمْ وَأَنَّهُ أَصَارَهُمْ إلَى مَا خَلَقَهُمْ لَهُ مِنْ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ هَذَا جَوَابُ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَطَائِفَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ .
وَرَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جريج عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } قَالَ جَبَلَهُمْ عَلَى الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : جَبَلَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَجَبَلَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21715كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ } أَيْ عَلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنْ سَعَادَةٍ وَشَقَاوَةٍ كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ :
ابْنُ الْمُبَارَكِ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَدْ قِيلَ
لِمَالِكِ : أَهْلُ الْقَدَرِ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ احْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِآخِرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=45153اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ } . وَهَذَا الْجَوَابُ يَصْلُحُ أَنْ يُجَابَ بِهِ مَنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ كَمَا كَانَ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُدَمَاءِ وَهُمْ الْمَعْرُوفُونَ
بِالْقَدَرِيَّةِ فِي لُغَةِ
مَالِكٍ .
[ ص: 46 ] إلَى أَنْ قَالَ : وَمَنْ فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بيعبدون هُوَ مَا جَبَلَهُمْ عَلَيْهِ وَمَا قَدَّرَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ جَعَلُوا مَعْنَى يَعْبُدُونِ بِمَعْنَى يَسْتَسْلِمُونَ لِمَشِيئَتِي وَقُدْرَتِي فَيَكُونُونَ مُعَبَّدِينَ مُذَلَّلِينَ كَيْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمِي وَمَشِيئَتِي لَا يَخْرُجُونَ عَنْ قَضَائِي وَقَدَرِي فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ
الْقَدَرِيَّةُ تُنْكِرُهُ . فَبِإِنْكَارِهِمْ لِذَلِكَ صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ بَلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَفِي اسْتِعَاذَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=117184أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ وَبَرَأَ وَأَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ } .
فَكَلِمَاتُهُ التَّامَّةُ هِيَ الَّتِي كَوَّنَ بِهَا الْأَشْيَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى . {
nindex.php?page=tafseer&surano=3823&ayano=36إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } لَا يُجَاوِزُهَا بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ عَنْ الْقَدَرِ الْمَقْدُورِ وَلَا يَتَجَاوَزُ مَا خُطَّ لَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَسْطُورِ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1140&ayano=7وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ } الْآيَةَ وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=906&ayano=6مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2687&ayano=22أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } وَقَوْلِهِ فِي السِّحْرِ . {
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=920&ayano=6فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَلَكِنَّ قَوْلَهُ . {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } لَمْ يُرِدْ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبُوا إلَيْهِ وَحَامُوا حَوْلَهُ - مِنْ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا تَحْتَ مَشِيئَتِهِ وَقَهْرِهِ
[ ص: 47 ] وَحُكْمِهِ . فَالْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي هَذَا لَا يَشِذُّ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ هَذَا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3801&ayano=36أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3802&ayano=36وَأَنِ اعْبُدُونِي } الْآيَةَ . وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=533&ayano=4وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4114&ayano=39وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إلَى اللَّهِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4100&ayano=39وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1392&ayano=10وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ } .
فَهَذَا وَنَحْوُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ . لَمْ يُرِدْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ إلَّا الْعِبَادَةَ الَّتِي أَمَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ وَهِيَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَالْمُشْرِكُونَ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ بَلْ يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ وَمَا يَدْعُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ . سَوَاءٌ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ أَوْ الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَوْ التَّمَاثِيلَ وَالْأَصْنَامَ الْمَصْنُوعَةَ ; فَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قَدْ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ ، فَكَيْفَ يُقَالُ : إنَّ جَمِيعَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ عَبَدُوا اللَّهَ ؟ لِكَوْنِ قَدَرِ اللَّهِ جَارِيًا عَلَيْهِمْ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ عِبَادَتِهِمْ إيَّاهُ الَّتِي تَحْصُلُ بِإِرَادَتِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ الدِّينَ لَهُ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَعْبُدَهُمْ هُوَ وَيُنَفِّذَ فِيهِمْ مَشِيئَتَهُ وَتَكُونَ عِبَادَتُهُمْ لِغَيْرِهِ : لِلشَّيْطَانِ وَلِلْأَصْنَامِ مِنْ الْمَقْدُورِ .
وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ : أَنَا كَافِرٌ بِرَبِّ يُعْصَى فَيَجْعَلُ كُلَّمَا يَقَعُ طَاعَةٌ كَمَا جَعَلَهُ هَؤُلَاءِ عِبَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِهِمْ يَقُولُ عَنْ إبْلِيسَ : إنْ كَانَ عَصَى الْأَمْرَ فَقَدْ أَطَاعَ الْمَشِيئَةَ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ مباحية يُسْقِطُونَ الْأَمْرَ .
[ ص: 48 ] وَأَمَّا
زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَنَحْوُهُمْ فَحَاشَاهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا مَنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَلَكِنْ قَصَدُوا
nindex.php?page=treesubj&link=28778_28788الرَّدَّ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ الْقَائِلِينَ : بِأَنَّهُ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ . وَهَؤُلَاءِ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعْبِيدِهِمْ وَتَصْرِيفِهِمْ تَحْتَ مَشِيئَتِهِ فَأَرَادُوا إبْطَالَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَنِعْمَ مَا أَرَادُوا لَكِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا أُرِيدَ بِالْآيَةِ .
وَقَوْلُ أُولَئِكَ الْإِبَاحِيَّةِ يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إنَّ الْعَارِفَ إذَا شَهِدَ الْمَشِيئَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْمَلَامُ وَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ الْحُكْمَ - يَعْنِي الْمَشِيئَةَ - لَمْ يُسْتَحْسَنْ وَلَمْ يُسْتَقْبَحْ سَبَبُهُ وَنَحْوُ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُشْبِهُ أَقْوَالُهُمْ أَقْوَالَ
الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : {
nindex.php?page=tafseer&surano=943&ayano=6لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَبَيَّنَ أَنَّ إثْبَاتَ الْقَدَرِ السَّابِقِ حَقٌّ لَكِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَصِيرُ الْعَبْدُ إلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي فُطِرَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21715كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ } . فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَثَلٍ ضَرَبَهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُولَدُ سَلِيمَةً ثُمَّ تُجْدَعُ وَالْجَدْعُ كَانَ مُقَدَّرًا عَلَيْهَا ; كَذَلِكَ الْعَبْدُ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ سَلِيمًا ثُمَّ يَفْسُدُ بِالتَّهَوُّدِ وَالتَّنْصِيرِ وَذَلِكَ كَانَ مَكْتُوبًا أَنْ يَكُونَ .
وَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا قَالَهُ لِيُبَيِّنَ مَا خُلِقُوا لَهُ وَقَدْ قَصَدَ هَذَا طَائِفَةٌ
[ ص: 49 ] فَسَّرُوا الْعِبَادَةَ بِأَمْرِ وَاقِعٍ عَامٍّ وَلَيْسَتْ هِيَ الْعِبَادَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا عَلَى أَلْسُنِ الرُّسُلِ فَفِي تَفْسِيرِ
ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْمُضَافِ إلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ : إلَّا لِيُقِرُّوا بِالْعُبُودِيَّةِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَهَذِهِ الْعُبُودِيَّةُ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=379&ayano=3وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1735&ayano=13وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } وَفَسَّرَتْ طَائِفَةٌ " الْكَرْهَ " بِأَنَّهُ جَرَيَانُ حُكْمِ الْقَدَرِ فَيَكُونُ كَالْقَوْلِ قَبْلَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ انْقِيَادُهُمْ لِحُكْمِهِ الْقَدَرِيِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ ، كَاسْتِسْلَامِهِمْ عِنْدَ الْمَصَائِبِ وَانْقِيَادِهِمْ لِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ فَكُلُّ أَحَدٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ انْقِيَادِهِ لِحُكْمِهِ الْقَدَرِيِّ وَالشَّرْعِيِّ فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ . قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لَكِنْ لَيْسَ هُوَ الْعِبَادَةَ .
وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ : إلَّا لِيَخْضَعُوا لِي وَيَتَذَلَّلُوا قَالُوا : وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي اللُّغَةِ - التَّذَلُّلُ وَالِانْقِيَادُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ خَاضِعٌ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَذَلِّلٌ لِمَشِيئَتِهِ . لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ خُرُوجًا عَمَّا خُلِقَ .
وَقَدْ ذَكَرَ
أَبُو الْفَرَجِ قَوْلَ
ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا . قَالَ : وَبَيَانُ هَذَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=87وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوَافِقُ مَنْ قَالَ : إلَّا لِيَعْرِفُونِ ; كَمَا سَيَأْتِي . وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ كَرْهًا بِخِلَافِ إسْلَامِهِمْ وَخُضُوعِهِمْ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَرْهًا وَأَمَّا نَفْسُ الْإِقْرَارِ فَهُوَ فِطْرِيٌّ فُطِرُوا عَلَيْهِ وَبَذَلُوهُ طَوْعًا .
[ ص: 50 ] وَقِيلَ " قَوْلٌ رَابِعٌ " : رَوَى
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
زَائِدَةَ عَنْ
السدي : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } قَالَ : خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ فَمِنْ الْعِبَادَةِ عِبَادَةٌ تَنْفَعُ وَمِنْ الْعِبَادَةِ عِبَادَةٌ لَا تَنْفَعُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3430&ayano=29وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } هَذَا مِنْهُمْ عِبَادَةٌ وَلَيْسَ يَنْفَعُهُمْ مَعَ شِرْكِهِمْ وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمُشْرِكَ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ وَمَا عَدَلَ بِهِ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ وَلَا يُسَمَّى مُجَرَّدُ الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ عِبَادَةً لِلَّهِ مَعَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَلَكِنْ يُقَالُ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1714&ayano=12وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } فَإِيمَانُهُمْ بِالْخَالِقِ مَقْرُونٌ بِشِرْكِهِمْ بِهِ وَأَمَّا الْعِبَادَةُ فَفِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87350يَقُولُ اللَّهُ : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ كُلُّهُ الَّذِي أَشْرَكَ } فَعِبَادَةُ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ جَعَلُوا بَعْضَهَا لِلَّهِ لَا يَقْبَلُ مِنْهَا شَيْئًا بَلْ كُلُّهَا لِمَنْ أَشْرَكُوهُ . فَلَا يَكُونُونَ قَدْ عَبَدُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ : إلَّا لِيُوَحِّدُونِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُوَحِّدُهُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُوَحِّدُهُ فِي الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ دُونَ النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3434&ayano=29فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } .
وَقِيلَ " قَوْلٌ خَامِسٌ " ذَكَرَهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جريج قَالَ : لِيَعْرِفُونِ قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ
قتادة وَذَكَرَهُ
البغوي عَنْ
مُجَاهِدٍ . قَالَ : وَقَالَ
مُجَاهِدٌ إلَّا لِيَعْرِفُونِ . قَالَ : وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ لَمْ يَعْرِفْ وُجُودَهُ وَتَوْحِيدَهُ ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3430&ayano=29وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } فَيُقَالُ : هَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ ; وَكَوْنُهُ إنَّمَا عُرِفَ بِخَلْقِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ
[ ص: 51 ] خَلْقَهُمْ شَرْطٌ فِي مَعْرِفَتِهِمْ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمَعْرِفَةِ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي خُلِقُوا لَهَا وَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ
السدي ; فَإِنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ الْعَامَّ هُمْ مُشْرِكُونَ فِيهِ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1133&ayano=7وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ } لَكِنْ لَيْسَ هَذَا هُوَ الْعِبَادَةَ .
فَهَذِهِ " الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ " : قَوْلُ مَنْ عَرَفَ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فَأَرَادَ أَنْ يُفَسِّرَهَا بِعِبَادَةِ تَعُمُّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ ( إنْ فَسَّرَهَا بِالْعِبَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ وَالطَّاعَةُ لِرُسُلِهِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً مِنْهُمْ وَلَمْ تَقَعْ ; فَأَرَادَ أَنْ يُفَسِّرَهَا بِعِبَادَةِ وَاقِعَةٍ وَظَنَّ أَنَّهُ إذَا فَسَّرَهَا بِعِبَادَةِ لَمْ تَقَعْ لَزِمَهُ قَوْلُ
الْقَدَرِيَّةِ وَأَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ فَعَصَوْهُ بِغَيْرِ مَشِيئَتِهِ وَغَيْرِ قُدْرَتِهِ فَفَرُّوا مِنْ قَوْلِ
الْقَدَرِيَّةِ وَهُمْ مَعْذُورُونَ فِي هَذَا الْفِرَارِ ؟ لَكِنْ فَسَّرَهَا بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهَا كَمَا يُصِيبُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي يَحْتَجُّ أَهْلُ الْبِدَعِ بِظَاهِرِهَا كَاحْتِجَاجِ
الرَّافِضَةِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=680&ayano=5وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } عَلَى مَسْحِ ظَهْرِ الْقَدَمَيْنِ فَنَرَى الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ يَذْكُرُونَ أَقْوَالًا ضَعِيفَةً هَذَا يَقُولُ مَجْرُورًا بِالْمُجَاوَرَةِ كَقَوْلِهِمْ جُحْرِ ضَبٍّ خَرِبٍ وَنَحْوِ هَذَا مِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ وَكَذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596504فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
وَ " الْقَوْلُ السَّادِسُ " - وَإِنْ كَانَ
أَبُو الْفَرَجِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ - وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ وَهُوَ فِعْلُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَلِهَذَا يُوجَدُ الْمُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا
[ ص: 52 ] الْمَعْنَى حَتَّى فِي وَعْظِهِمْ وَتَذْكِيرِهِمْ وَحِكَايَاتِهِمْ كَمَا فِي حِكَايَةِ
إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ ; مَا لِهَذَا خُلِقْت وَلَا بِهَذَا أُمِرْت ; وَفِي حَدِيثٍ إسْرَائِيلِيٍّ : {
يَا ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُك لِعِبَادَتِي فَلَا تَلْعَبْ وَتَكَلَّفْت بِرِزْقِك فَلَا تَتْعَبْ فَاطْلُبْنِي تَجِدْنِي ; فَإِنْ وَجَدْتنِي وَجَدْت كُلَّ شَيْءٍ ; وَإِنَّ فُتُّك فَاتَك كُلُّ شَيْءٍ وَأَنَا أَحَبُّ إلَيْك مِنْ كُلِّ شَيْءٍ } وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ; وَغَيْرِهِ مِنْ
السَّلَفِ فَذَكَرُوا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ : إلَّا لِآمُرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُونِ وَأَدْعُوهُمْ إلَى عِبَادَتِي .
قَالُوا : وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6233&ayano=98وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1275&ayano=9وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا } وَهَذَا اخْتِيَارُ
الزَّجَّاجِ وَغَيْرِهِ . وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ
مُجَاهِدٍ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ ; قَالَ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : ثِنَا
أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ثِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11804أَبُو أُسَامَةَ عَنْ
شِبْلٍ عَنْ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } لِآمُرَهُمْ وَأَنْهَاهُمْ " كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ : " مَا خَلَقْتهمَا إلَّا لِلْعِبَادَةِ " .
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5662&ayano=75أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } يَعْنِي لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2957&ayano=25قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } أَيْ لَوْلَا عِبَادَتُكُمْ وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=644&ayano=4مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=925&ayano=6يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } ؟ إلَى قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=926&ayano=6وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3801&ayano=36أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3802&ayano=36وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } الْآيَاتِ .
[ ص: 53 ] وَمَا بَعْدَهَا . وَقَالَتْ الْجِنُّ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4586&ayano=46يَا قَوْمَنَا إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4587&ayano=46يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ } الْآيَةَ . وَمَا بَعْدَهَا . وَقَالَتْ الْجِنُّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5533&ayano=72وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا } الْآيَةَ . وَمَا بَعْدَهَا .
وَقَدْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=498&ayano=4يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ } فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِمَا خَلَقَهُمْ لَهُ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ
وَمُحَمَّدٌ أُرْسِلَ إلَى الثَّقَلَيْنِ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى الْجِنِّ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ . وَجَعَلَ يَقْرَأُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4969&ayano=55فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } يَقُولُونَ : وَلَا بِشَيْءِ مِنْ آلَائِك رَبِّنَا نُكَذِّبُ فَلَك الْحَمْدُ . فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ بِالْآيَةِ قَطْعًا وَهُوَ الَّذِي تَفْهَمُهُ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّونَ بِالْآيَةِ عَلَيْهِ ; وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ لِيَعْبُدُوهُ ، لَا لِيُضَيِّعُوا حَقَّهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596506يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ قُلْت : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : فَإِنَّ حَقَّهُمْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ } . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81525بُعِثْت بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي . وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمِ فَهُوَ مِنْهُمْ } .
[ ص: 54 ] ثُمَّ لِلنَّاسِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلَانِ : قَوْلُ
أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ وَقَوْلُ نفاته فَصَارَتْ الْأَقْوَالُ فِي الْآيَةِ " سَبْعَةً " . وَفِي الْحِكْمَةِ " خَمْسَةً " : فَأَمَّا
أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ فَيَقُولُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28787_29022قَوْلُهُ : { nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الْعِبَادَةِ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُ الْمَقْدُورِ أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ أَوْ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ كَمَا قَالَتْ
الْقَدَرِيَّةُ فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : لَمْ يَقَعْ مَا خَلَقَهُمْ لَهُ لِكَوْنِهِ يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ . أُولَئِكَ قَالُوا : إذَا كَانَ مَا يَشَاءُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَمَا لَمْ يَقَعْ لَمْ يَشَأْهُ فَمَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْعِبَادَةِ لَمْ يَشَأْهَا وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ ثُمَّ قَالُوا : وَمَا خَلَقَهُمْ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَخْلُقَهُ فَلَمَّا لَمْ يَشَأْهُ أَنْ يَخْلُقَ هَذَا لَمْ يَخْلُقْهُمْ لَهُ .
فَالطَّائِفَتَانِ أَصْلُ غَلَطِهِمْ ظَنُّهُمْ أَنَّمَا خَلَقَهُمْ لَهُ يَشَاءُ وُقُوعَهُ وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ يَشَاءُ أَنْ يَخْلُقَهُ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ يَشَاءُ وُقُوعَهُ مِنْهُمْ بِمَعْنَى يَأْمُرُهُمْ بِهِ وَمَا عِنْدَهُمْ أَنَّ لَهُ مَشِيئَةً فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ غَيْرَ الْأَمْرِ وَهُمْ يَعْصُونَ أَمْرَهُ ; فَلِهَذَا قَالُوا : يَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ وَيَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ كَمَا يَقُولُونَ : يَفْعَلُونَ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَيَتْرُكُونَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ الْأَمْرُ الشَّرْعِيُّ ; لَكِنَّ
الْقَدَرِيَّةَ النفاة لَا يَقُولُونَ : إنَّهُ شَاءَ إلَّا بِمَعْنَى أَمَرَ فَعِنْدَهُمْ مَا لَيْسَ طَاعَةً مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مَا لَا
[ ص: 55 ] يَشَاؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُقُهُ عِنْدَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَخْلُقْهُ لَمْ يَشَأْهُ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَخْلُقَهُ خَلَقَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .
وَالْقَدَرِيَّةُ لَا تُنَازِعُ فِي هَذَا لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ فَعَلَهُ وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ أَنْ يَفْعَلَهُ لَكِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَا تَدْخُلُ فِي خَلْقِهِ وَلَا فِي قُدْرَتِهِ وَلَا فِي مَشِيئَتِهِ وَلَا فِي مَشِيئَتِهِ أَنْ يَفْعَلَ لَكِنَّ الْمَشِيئَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَقَطْ فَيَقُولُونَ : خَلَقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ أَنْ يَفْعَلُوهَا هُمْ وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوهَا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عِصْيَانِ أَمْرِهِ .
وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ فَيَقُولُونَ : إنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1602&ayano=11وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً } {
nindex.php?page=tafseer&surano=262&ayano=2وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=907&ayano=6وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِذَا خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَلَمْ يَفْعَلُوهَا لَمْ يَكُنْ قَدْ شَاءَ أَنْ يَكُونَ إذْ لَوْ شَاءَ أَنْ تَكُونَ لِكَوْنِهَا لَكِنْ أَمَرَهُمْ بِهَا وَأَحَبَّ أَنْ يَفْعَلُوهَا وَرَضِيَ أَنْ يَفْعَلُوهَا وَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلُوهَا إرَادَةً شَرْعِيَّةً تَضَمَّنَهَا أَمْرُهُ بِالْعِبَادَةِ .
وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى الْآيَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4782&ayano=51وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } يُشْبِهُ قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=194&ayano=2وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } وَقَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2654&ayano=22كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } وَقَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5192&ayano=59كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } وَقَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=771&ayano=5ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وَقَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5294&ayano=65اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } الْآيَةَ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=561&ayano=4وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } فَهُوَ لَمْ يُرْسِلْهُ إلَّا لِيُطَاعَ ثُمَّ قَدْ يُطَاعُ وَقَدْ يُعْصَى .
وَكَذَلِكَ مَا خَلَقَهُمْ إلَّا لِلْعِبَادَةِ ثُمَّ قَدْ يَعْبُدُونَ وَقَدْ لَا يَعْبُدُونَ . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ لِيُكَبِّرُوهُ وَلِيَعْدِلُوا وَلَا يَظْلِمُوا وَلِيَعْلَمُوا مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ وَأَحَبَّهُ لَهُمْ وَرَضِيَهُ مِنْهُمْ وَفِيهِ سَعَادَتُهُمْ وَكَمَالُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ إذَا فَعَلُوهُ . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَفْعَلُهُ .
وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ فَعَلَ الْأَوَّلَ لِيَفْعَلَ هُوَ الثَّانِيَ وَلَا لِيَفْعَلَ بِهِمْ الثَّانِيَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِيَجْعَلَهُمْ هُمْ عَابِدِينَ ; فَإِنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ لِمَا يَفْعَلُهُ هُوَ مِنْ الْغَايَاتِ يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَهُ لَا مَحَالَةَ وَيَمْتَنِعَ أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا لِيَفْعَلَ أَمْرًا ثَانِيًا وَلَا يَفْعَلَ الْأَمْرَ الثَّانِيَ وَلَكِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فَعَلَ الْأَوَّلَ لِيَفْعَلُوا هُمْ الثَّانِيَ ; فَيَكُونُونَ هُمْ الْفَاعِلِينَ لَهُ فَيَحْصُلُ بِفِعْلِهِمْ سَعَادَتُهُمْ وَمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ لَهُمْ فَيَحْصُلُ مَا يُحِبُّهُ هُوَ وَمَا يُحِبُّونَهُ هُمْ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ مَا خَلَقَهُ وَأَمَرَ بِهِ غَايَتُهُ مَحْبُوبَةٌ لِلَّهِ وَلِعِبَادِهِ . وَفِيهِ حِكْمَةٌ لَهُ وَفِيهِ رَحْمَةٌ لِعِبَادِهِ .
فَهَذَا الَّذِي خَلَقَهُمْ لَهُ لَوْ فَعَلُوهُ لَكَانَ فِيهِ مَا يُحِبُّهُ وَمَا يُحِبُّونَهُ وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلُوهُ فَاسْتَحَقُّوا مَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَاصِي الْمُخَالِفُ لِأَمْرِهِ التَّارِكُ فِعْلَ مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ مِنْ
[ ص: 57 ] عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ شَاءَ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ مِمَّنْ فَعَلَهَا فَجَعَلَهُمْ عَابِدِينَ مُسْلِمِينَ بِمَشِيئَتِهِ وَهُدَاهُ لَهُمْ وَتَحْبِيبِهِ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4668&ayano=49وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } فَهَؤُلَاءِ [ أَرَادَ ] الْعِبَادَةَ مِنْهُمْ خَلْقًا وَأَمْرًا أَمَرَهُمْ بِهَا ; وَخَلْقًا جَعَلَهُمْ فَاعِلِينَ .
وَالصِّنْفُ الثَّانِي لَمْ يَشَأْ هُوَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ عَابِدِينَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .