( فصل ) : فقد تبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=28788آدم حج موسى لما قصد موسى أن يلوم من كان سببا في مصيبتهم وبهذا جاء الكتاب والسنة قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5274&ayano=64ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5154&ayano=57ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير }
. وسواء في ذلك المصائب السمائية والمصائب التي تحصل بأفعال الآدميين قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5558&ayano=73واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=829&ayano=6ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا } وقال في سورة الطور بعد قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4816&ayano=52فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4817&ayano=52أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4818&ayano=52قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4820&ayano=52أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون } - إلى قوله - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4827&ayano=52أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4828&ayano=52أم عندهم الغيب فهم يكتبون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4835&ayano=52واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم } وقال تعالى في سورة ( ن ) : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5385&ayano=52أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5386&ayano=52أم عندهم الغيب فهم يكتبون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5387&ayano=68فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم }
. وقد قيل في معناه : اصبر لما يحكم به عليك وقيل اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آت والأول أصح ،
nindex.php?page=treesubj&link=19590وحكم الله نوعان : خلق وأمر . ( فالأول ) : ما يقدره من المصائب . و ( الثاني ) ما يأمر به وينهى عنه والعبد مأمور بالصبر على هذا وعلى هذا فعليه أن يصبر لما أمر به ولما نهى عنه فيفعل المأمور ويترك المحظور وعليه أن يصبر لما قدره الله عليه . وبعض المفسرين يقول : هذه الآية منسوخة بآية السيف وهذا يتوجه إن كان في الآية النهي عن القتال فيكون هذا النهي منسوخا ليس جميع أنواع الصبر منسوخة كيف والآية لم تتعرض لذلك هنا لا بنفي ولا إثبات بل
nindex.php?page=treesubj&link=19590_19580الصبر واجب لحكم الله ما زال واجبا وإذا أمر بالجهاد فعليه " أيضا " : أن يصبر لحكم الله فإنه يبتلى من قتالهم بما هو أعظم من كلامهم كما ابتلي به يوم
أحد والخندق وعليه حينئذ أن يصبر ويفعل ما أمر به من الجهاد .
[ ص: 326 ]
و " المقصود هنا " قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4835&ayano=52واصبر لحكم ربك } فإن ما فعلوه من الأذى هو مما حكم به عليك قدرا فاصبر لحكمه وإن كانوا ظالمين في ذلك وهذا الصبر أعظم من الصبر على ما جرى وفعل بالأنبياء وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5387&ayano=68فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2591&ayano=21وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات } وسواء كان مغاضبا لقومه أو لربه فكانت مغاضبته من أمر قدر عليه وبصبره صبر لحكم ربه الذي قدره وقضاه وإن كان إنما تأذى من تكذيب الناس له . وقالت الرسل لقومهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1776&ayano=14وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون } وقال
موسى لقومه لما قال
فرعون : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1088&ayano=7سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1089&ayano=7قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1958&ayano=16والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1959&ayano=16الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } فهؤلاء ظلموا فصبروا على ظلم الظالم لهم وسبب نزولها المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
. وهي عامة في كل من اتصف بهذه الصفة .
[ ص: 327 ] وأصل " المهاجر " من هجر ما نهى الله عنه كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . فكل من هجر السوء فظلمه الناس على ترك الكفر والفسوق والعصيان حتى أخرجوه - لا هجر بعض أمور في الدنيا - فصبر على ظلمهم فإن الله يبوئه في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر ،
كيوسف الصديق فإنه هجر الفاحشة حتى ألجأه ذلك هجر منزله . واللبث في السجن بعد ما ظلم فمكنه الله حتى تبوأ من الأرض حيث يشاء .
وقال الذين لقوا الكفار : {
nindex.php?page=tafseer&surano=259&ayano=2ربنا أفرغ علينا صبرا } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1233&ayano=8إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1234&ayano=8الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=258&ayano=2كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } فهذا كله صبر على ما قدر من أفعال الخلق والله سبحانه مدح في كتابه الصبار الشكور .
قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1769&ayano=14إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } في غير موضع ، فالصبر والشكر على ما يقدره الرب على عبده من السراء والضراء : من النعم والمصائب : من الحسنات التي يبلوه بها والسيئات ; فعليه أن يتلقى المصائب بالصبر والنعم بالشكر ومن النعم ما ييسره له من أفعال الخير ومنها ما هي خارجة عن أفعاله فيشهد القدر عند فعله للطاعات وعند إنعام الله عليه فيشكره
[ ص: 328 ] ويشهده عند المصائب فيصبر وأما عند ذنوبه فيكون مستغفرا تائبا كما قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } .
وأما من عكس هذا فشهد القدر عند ذنوبه وشهد فعله عند الحسنات فهو من أعظم المجرمين ومن شهد فعله فيهما فهو قدري ومن شهد القدر فيهما ولم يعترف بالذنب ويستغفره فهو من جنس المشركين . وأما المؤمن فيقول : أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي . كما في الحديث الصحيح الإلهي : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47429يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }
. وكان نبينا صلى الله عليه وسلم متبعا ما أمر به من الصبر على أذى الخلق ففي الصحيحين عن
عائشة قالت : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596600ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له ولا دابة ولا شيئا قط ; إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله }
. {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87864وقال أنس : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله : لم لا فعلته ؟ وكان بعض أهله إذا عتبني على شيء يقول : دعوه دعوه فلو قضي شيء لكان } . وفي السنن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596601عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه ذكر للنبي [ ص: 329 ] صلى الله عليه وسلم قول بعض من آذاه : فقال : دعنا منك فقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر } . فكان يصبر على أذى الناس له من الكفار والمنافقين وأذى بعض المؤمنين كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3619&ayano=33إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم } .
وكان يذكر : أن هذا مقدر .
nindex.php?page=treesubj&link=19585والمؤمن مأمور بأن يصبر على المقدور ولذلك قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } فالتقوى فعل المأمور وترك المحظور والصبر على أذاهم ثم إنه حيث أباح المعاقبة قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2043&ayano=16وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2044&ayano=16واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون }
. فأخبر أن صبره بالله فالله هو الذي يعينه عليه فإن الصبر على المكاره بترك الانتقام من الظالم ثقيل على الأنفس لكن صبره بالله كما أمره أن يكون لله في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5576&ayano=74ولربك فاصبر }
. لكن هناك ذكره في الجملة الطلبية الأمرية ; لأنه مأمور أن يصبر لله لا لغيره وهنا ذكره في الخبرية فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2044&ayano=16وما صبرك إلا بالله } فإن الصبر وسائر الحوادث لا تقع إلا بالله ثم قد يكون ذلك وقد لا يكون فما لا يكون بالله لا يكون وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم . ولا يقال : واصبر بالله فإن الصبر لا يكون إلا بالله لكن يقال : استعينوا بالله واصبروا فنستعين بالله على الصبر .
[ ص: 330 ]
وكما أن الإنسان مأمور بشهود القدر وتوحيد الربوبية عند المصائب فهو مأمور بذلك عندما ينعم الله عليه من فعل الطاعات فيشهد قبل فعلها حاجته وفقره إلى إعانة الله له وتحقق قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إياك نعبد وإياك نستعين } . ويدعو بالأدعية التي فيها
nindex.php?page=treesubj&link=28788_27699طلب إعانة الله له على فعل الطاعات كقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596602أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=103407يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ويا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=304&ayano=3ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2168&ayano=18ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا } ومثل قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596603اللهم ألهمني رشدي واكفني شر نفسي }
. ورأس هذه الأدعية وأفضلها قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهدنا الصراط المستقيم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } . فهذا الدعاء أفضل الأدعية وأوجبها على الخلق فإنه يجمع صلاح العبد في الدين والدنيا والآخرة وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28791_27699الدعاء " بالتوبة " فإنه يتضمن الدعاء بأن يلهم العبد التوبة وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28791_1294دعاء " الاستخارة " فإنه طلب تعليم العبد ما لم يعلمه وتيسيره له وكذلك الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به إذا قام من الليل . وهو في الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596604اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه [ ص: 331 ] من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم }
. وكذلك الدعاء الذي فيه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596605اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا } وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19734_28680_28791_27699الدعاء باليقين والعافية كما في حديث
أبي بكر وكذلك قوله : اللهم أصلح لي قلبي ونيتي ومثل قول
الخليل وإسماعيل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=137&ayano=2واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك }
. وهذه أدعية كثيرة تتضمن افتقار العبد إلى الله في أن يعطيه الإيمان والعمل الصالح فهذا افتقار واستعانة بالله قبل حصول المطلوب فإذا حصل بدعاء أو بغير دعاء شهد إنعام الله فيه وكان في مقام الشكر والعبودية لله وأن هذا حصل بفضله وإحسانه لا بحول العبد وقوته .
فشهود القدر في الطاعات من أنفع الأمور للعبد وغيبته عن ذلك من أضر الأمور به فإنه يكون قدريا منكرا لنعمة الله عليه بالإيمان والعمل الصالح وإن لم يكن قدري الاعتقاد كان قدري الحال وذلك يورث العجب والكبر ودعوى القوة والمنة بعمله واعتقاد استحقاق الجزاء على الله به فيكون من يشهد العبودية مع الذنوب والاعتراف بها - لا مع الاحتجاج بالقدر - عليها خيرا من هذا الذي يشهد الطاعة منه لا من إحسان الله إليه ويكون أولئك المذنبون بما معهم من الإيمان أفضل من طاعة بدون هذا الإيمان .
[ ص: 332 ]
وأما من أذنب وشهد أن لا ذنب له أصلا لكون الله هو الفاعل وعند الطاعة يشهد أنه الفاعل فهذا شر الخلق وأما الذي يشهد نفسه فاعلا للأمرين والذي يشهد ربه فاعلا للأمرين ولا يرى له ذنبا فهذا أسوأ عاقبة من القدري والقدري أسوأ بداية منه كما هو مبسوط في موضع آخر . والناس في هذا المقام " أربعة أقسام " من يغضب لربه لا لنفسه وعكسه ومن يغضب لهما ومن لا يغضب لهما كما أنهم في شهود القدر " أربعة أقسام " : من يشهد الحسنة من فعل الله والسيئة من فعل نفسه .
وعكسه ومن يشهد الثنتين من فعل ربه ومن يشهد الثنتين من فعل نفسه . فهذه الأقسام الأربعة في شهود الربوبية نظير تلك الأقسام الأربعة في شهود الإلهية فهذا تقسيم العباد فيما لله ولهم وذاك تقسيمهم فيما هو بالله وبهم والقسم المحض أن يعمل لله بالله فلا يعمل لنفسه ولا بنفسه . والمقصود هنا : تقسيمهم فيما لله . فأعلاهم حال النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه : أن يصبروا على أذى الناس لهم باليد واللسان ويجاهدون في سبيل الله فيعاقبون ويغضبون وينتقمون لله لا لنفوسهم يعاقبون ; لأن الله يأمر بعقوبة ذلك الشخص ويجب الانتقام منه كما في جهاد الكفار وإقامة الحدود وأدناهم عكس هؤلاء يغضبون وينتقمون ويعاقبون لنفوسهم لا لربهم فإذا أوذي أحدهم أو خولف هواه غضب وانتقم وعاقب ولو انتهكت محارم الله أو ضيعت حقوقه لم يهمه ذلك وهذا حال الكفار والمنافقين .
[ ص: 333 ]
وبين هذين وهذين قسمان " قسم " يغضبون لربهم ولنفوسهم . و " قسم " يميلون إلى العفو في حق الله وحقوقهم
فموسى في غضبه على قومه لما عبدوا العجل كان غضبه لله وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم في حقوق الله
أبا بكر وعمر بإبراهيم وعيسى ونوح وموسى فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596606إن الله يلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجر ومثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم وعيسى ومثلك يا عمر كمثل نوح وموسى } . وأما عفو الإنسان عن حقوقه فهذا أفضل وإن كان الاقتصاص جائزا وكذلك غضبه لنفسه تركه أفضل وإن كان الاقتصاص جائزا وأما ما كان من باب المصائب الحاصلة بقدر الله ولم يبق فيها مذنب يعاقب فليس فيها إلا الصبر والتسليم للقدر .
وقصة
آدم وموسى كانت من هذا الباب ; فإن
موسى لامه لأجل ما أصابه والذرية
وآدم كان قد تاب من الذنب وغفر له والمصيبة كانت مقدرة فحج
آدم موسى . وهكذا قد يصيب الناس مصائب بفعل أقوام مذنبين تابوا مثل كافر يقتل مسلما ثم يسلم ويتوب الله عليه أو يكون متأولا لبدعة ثم يتوب من البدعة أو يكون مجتهدا أو مقلدا مخطئا فهؤلاء إذا أصاب العبد أذى بفعلهم فهو من جنس المصائب السماوية التي لا يطلب فيها قصاص من آدمي
( فَصْلٌ ) : فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28788آدَمَ حَجَّ مُوسَى لَمَّا قَصَدَ مُوسَى أَنْ يَلُومَ مَنْ كَانَ سَبَبًا فِي مُصِيبَتِهِمْ وَبِهَذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5274&ayano=64مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5154&ayano=57مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }
. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَصَائِبُ السمائية وَالْمَصَائِبُ الَّتِي تَحْصُلُ بِأَفْعَالِ الْآدَمِيِّينَ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5558&ayano=73وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=829&ayano=6وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } وَقَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ بَعْدَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4816&ayano=52فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4817&ayano=52أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4818&ayano=52قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4820&ayano=52أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ } - إلَى قَوْلِهِ - {
nindex.php?page=tafseer&surano=4827&ayano=52أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4828&ayano=52أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=4835&ayano=52وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ ( ن ) : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5385&ayano=52أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5386&ayano=52أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5387&ayano=68فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ }
. وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ : اصْبِرْ لِمَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْك وَقِيلَ اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ لِقَضَاءِ رَبِّك الَّذِي هُوَ آتٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19590وَحُكْمُ اللَّهِ نَوْعَانِ : خَلْقٌ وَأَمْرٌ . ( فَالْأَوَّلُ ) : مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْمَصَائِبِ . وَ ( الثَّانِي ) مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ لِمَا أُمِرَ بِهِ وَلِمَا نُهَى عَنْهُ فَيَفْعَلُ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكُ الْمَحْظُورَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ لِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ . وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُ : هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَهَذَا يُتَوَجَّهُ إنْ كَانَ فِي الْآيَةِ النَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فَيَكُونُ هَذَا النَّهْيُ مَنْسُوخًا لَيْسَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ مَنْسُوخَةً كَيْفَ وَالْآيَةُ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ هُنَا لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=19590_19580الصَّبْرُ وَاجِبٌ لِحُكْمِ اللَّهِ مَا زَالَ وَاجِبًا وَإِذَا أُمِرَ بِالْجِهَادِ فَعَلَيْهِ " أَيْضًا " : أَنْ يَصْبِرَ لِحُكْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُبْتَلَى مِنْ قِتَالِهِمْ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا اُبْتُلِيَ بِهِ يَوْمَ
أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَصْبِرَ وَيَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْجِهَادِ .
[ ص: 326 ]
وَ " الْمَقْصُودُ هُنَا " قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4835&ayano=52وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } فَإِنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ الْأَذَى هُوَ مِمَّا حُكِمَ بِهِ عَلَيْك قَدَرًا فَاصْبِرْ لِحُكْمِهِ وَإِنْ كَانُوا ظَالِمِينَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الصَّبْرُ أَعْظَمُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى مَا جَرَى وَفُعِلَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5387&ayano=68فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2591&ayano=21وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ } وَسَوَاءٌ كَانَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ أَوْ لِرَبِّهِ فَكَانَتْ مُغَاضَبَتُهُ مِنْ أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيْهِ وَبِصَبْرِهِ صَبَرَ لِحُكْمِ رَبِّهِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَأَذَّى مِنْ تَكْذِيبِ النَّاسِ لَهُ . وَقَالَتْ الرُّسُلُ لِقَوْمِهِمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1776&ayano=14وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } وَقَالَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ لَمَّا قَالَ
فِرْعَوْنُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1088&ayano=7سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1089&ayano=7قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1958&ayano=16وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1959&ayano=16الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } فَهَؤُلَاءِ ظُلِمُوا فَصَبَرُوا عَلَى ظُلْمِ الظَّالِمِ لَهُمْ وَسَبَبُ نُزُولِهَا الْمُهَاجِرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
. وَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .
[ ص: 327 ] وَأَصْلُ " الْمُهَاجِرِ " مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَكُلُّ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَظَلَمَهُ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ حَتَّى أَخْرَجُوهُ - لَا هَجَرَ بَعْضَ أُمُورٍ فِي الدُّنْيَا - فَصَبَرَ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُبَوِّئُهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ،
كَيُوسُفَ الصِّدِّيقِ فَإِنَّهُ هَجَرَ الْفَاحِشَةَ حَتَّى أَلْجَأَهُ ذَلِكَ هَجْرَ مَنْزِلِهِ . وَاللُّبْثَ فِي السِّجْنِ بَعْدَ مَا ظُلِمَ فَمَكَّنَهُ اللَّهُ حَتَّى تَبَوَّأَ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ يَشَاءُ .
وَقَالَ الَّذِينَ لَقُوا الْكُفَّارَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=259&ayano=2رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1233&ayano=8إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1234&ayano=8الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=258&ayano=2كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } فَهَذَا كُلُّهُ صَبْرٌ عَلَى مَا قُدِّرَ مِنْ أَفْعَالِ الْخَلْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَدَحَ فِي كِتَابِهِ الصَّبَّارَ الشَّكُورَ .
قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1769&ayano=14إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ عَلَى مَا يُقَدِّرُهُ الرَّبُّ عَلَى عَبْدِهِ مِنْ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ : مِنْ النِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ : مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي يَبْلُوهُ بِهَا وَالسَّيِّئَاتِ ; فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَلَقَّى الْمَصَائِبَ بِالصَّبْرِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ وَمِنْ النِّعَمِ مَا يُيَسِّرُهُ لَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَمِنْهَا مَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ أَفْعَالِهِ فَيَشْهَدُ الْقَدَرَ عِنْدَ فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ وَعِنْدَ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَيَشْكُرُهُ
[ ص: 328 ] وَيَشْهَدُهُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ فَيَصْبِرُ وَأَمَّا عِنْدَ ذُنُوبِهِ فَيَكُونُ مُسْتَغْفِرًا تَائِبًا كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } .
وَأَمَّا مَنْ عَكَسَ هَذَا فَشَهِدَ الْقَدَرَ عِنْدَ ذُنُوبِهِ وَشَهِدَ فِعْلَهُ عِنْدَ الْحَسَنَاتِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُجْرِمِينَ وَمَنْ شَهِدَ فِعْلَهُ فِيهِمَا فَهُوَ قَدَرِيٌّ وَمَنْ شَهِدَ الْقَدَرَ فِيهِمَا وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِالذَّنْبِ وَيَسْتَغْفِرْهُ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ : أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=47429يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ }
. وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّبِعًا مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596600مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ ; إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ }
. {
nindex.php?page=hadith&LINKID=87864وَقَالَ أَنَسٌ : خَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِشَيْءِ فَعَلْته : لِمَ فَعَلْته ؟ وَلَا لِشَيْءِ لَمْ أَفْعَلْهُ : لِمَ لَا فَعَلْته ؟ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إذَا عَتَبَنِي عَلَى شَيْءٍ يَقُولُ : دَعُوهُ دَعُوهُ فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ } . وَفِي السُّنَنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596601عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ [ ص: 329 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ بَعْضِ مَنْ آذَاهُ : فَقَالَ : دَعْنَا مِنْك فَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ } . فَكَانَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَى النَّاسِ لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَذَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3619&ayano=33إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ } .
وَكَانَ يَذْكُرُ : أَنَّ هَذَا مُقَدَّرٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=19585وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ وَلِذَلِكَ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } فَالتَّقْوَى فِعْلُ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَاهُمْ ثُمَّ إنَّهُ حَيْثُ أَبَاحَ الْمُعَاقَبَةَ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2043&ayano=16وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2044&ayano=16وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ }
. فَأَخْبَرَ أَنَّ صَبْرَهُ بِاَللَّهِ فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي يُعِينُهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكَارِهِ بِتَرْكِ الِانْتِقَامِ مِنْ الظَّالِمِ ثَقِيلٌ عَلَى الْأَنْفُسِ لَكِنَّ صَبْرَهُ بِاَللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5576&ayano=74وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ }
. لَكِنْ هُنَاكَ ذَكَرَهُ فِي الْجُمْلَةِ الطَّلَبِيَّةِ الْأَمْرِيَّةِ ; لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَصْبِرَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ وَهُنَا ذَكَرَهُ فِي الْخَبَرِيَّةِ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2044&ayano=16وَمَا صَبْرُكَ إلَّا بِاللَّهِ } فَإِنَّ الصَّبْرَ وَسَائِرَ الْحَوَادِثِ لَا تَقَعُ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَمَا لَا يَكُونُ بِاَللَّهِ لَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ لِلَّهِ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَدُومُ . وَلَا يُقَالُ : وَاصْبِرْ بِاَللَّهِ فَإِنَّ الصَّبْرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ لَكِنْ يُقَالُ : اسْتَعِينُوا بِاَللَّهِ وَاصْبِرُوا فَنَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَى الصَّبْرِ .
[ ص: 330 ]
وَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِشُهُودِ الْقَدَرِ وَتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ عِنْدَمَا يُنْعِمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ فَيَشْهَدُ قَبْلَ فِعْلِهَا حَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ إلَى إعَانَةِ اللَّهِ لَهُ وَتَحَقُّقِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . وَيَدْعُو بِالْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=28788_27699طَلَبُ إعَانَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596602أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=103407يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك وَيَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ اصْرِفْ قَلْبِي إلَى طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=304&ayano=3رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2168&ayano=18رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } وَمِثْلِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596603اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَاكْفِنِي شَرَّ نَفْسِي }
. وَرَأْسُ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَأَفْضَلُهَا قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=1اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } . فَهَذَا الدُّعَاءُ أَفْضَلُ الْأَدْعِيَةِ وَأَوْجَبُهَا عَلَى الْخَلْقِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ صَلَاحَ الْعَبْدِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28791_27699الدُّعَاءُ " بِالتَّوْبَةِ " فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ بِأَنْ يُلْهِمَ الْعَبْدَ التَّوْبَةَ وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28791_1294دُعَاءُ " الِاسْتِخَارَةِ " فَإِنَّهُ طَلَبُ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَتَيْسِيرِهِ لَهُ وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ . وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596604اللَّهُمَّ رَبِّ جبرائيل وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ [ ص: 331 ] مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
. وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي فِيهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596605اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِك مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِك وَمِنْ طَاعَتِك مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَك وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا } وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19734_28680_28791_27699الدُّعَاءُ بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي قَلْبِي وَنِيَّتِي وَمِثْلُ قَوْلِ
الْخَلِيلِ وَإِسْمَاعِيلَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=137&ayano=2وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ }
. وَهَذِهِ أَدْعِيَةٌ كَثِيرَةٌ تَتَضَمَّنُ افْتِقَارَ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ فِي أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ فَهَذَا افْتِقَارٌ وَاسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ فَإِذَا حَصَلَ بِدُعَاءِ أَوْ بِغَيْرِ دُعَاءٍ شَهِدَ إنْعَامَ اللَّهِ فِيهِ وَكَانَ فِي مَقَامِ الشُّكْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَأَنَّ هَذَا حَصَلَ بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ لَا بِحَوْلِ الْعَبْدِ وَقُوَّتِهِ .
فَشُهُودُ الْقَدَرِ فِي الطَّاعَاتِ مِنْ أَنْفَعِ الْأُمُورِ لِلْعَبْدِ وَغَيْبَتُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَضَرِّ الْأُمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدَرِيًّا مُنْكِرًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَرِيَّ الِاعْتِقَادِ كَانَ قَدَرِيَّ الْحَالِ وَذَلِكَ يُورِثُ الْعَجَبَ وَالْكِبْرَ وَدَعْوَى الْقُوَّةِ وَالْمِنَّةِ بِعَمَلِهِ وَاعْتِقَادِ اسْتِحْقَاقِ الْجَزَاءِ عَلَى اللَّهِ بِهِ فَيَكُونُ مَنْ يَشْهَدُ الْعُبُودِيَّةَ مَعَ الذُّنُوبِ وَالِاعْتِرَافِ بِهَا - لَا مَعَ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ - عَلَيْهَا خَيْرًا مِنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَدُ الطَّاعَةَ مِنْهُ لَا مِنْ إحْسَانِ اللَّهِ إلَيْهِ وَيَكُونُ أُولَئِكَ الْمُذْنِبُونَ بِمَا مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ أَفْضَلَ مِنْ طَاعَةٍ بِدُونِ هَذَا الْإِيمَانِ .
[ ص: 332 ]
وَأَمَّا مَنْ أَذْنَبَ وَشَهِدَ أَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ أَصْلًا لِكَوْنِ اللَّهِ هُوَ الْفَاعِلَ وَعِنْدَ الطَّاعَةِ يَشْهَدُ أَنَّهُ الْفَاعِلُ فَهَذَا شَرُّ الْخَلْقِ وَأَمَّا الَّذِي يَشْهَدُ نَفْسَهُ فَاعِلًا لِلْأَمْرَيْنِ وَاَلَّذِي يَشْهَدُ رَبَّهُ فَاعِلًا لِلْأَمْرَيْنِ وَلَا يَرَى لَهُ ذَنْبًا فَهَذَا أَسْوَأُ عَاقِبَةً مِنْ الْقَدَرِيِّ وَالْقَدَرِيُّ أَسْوَأُ بِدَايَةً مِنْهُ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ " أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ " مَنْ يَغْضَبُ لِرَبِّهِ لَا لِنَفْسِهِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ يَغْضَبُ لَهُمَا وَمَنْ لَا يَغْضَبُ لَهُمَا كَمَا أَنَّهُمْ فِي شُهُودِ الْقَدَرِ " أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ " : مَنْ يَشْهَدُ الْحَسَنَةَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ وَالسَّيِّئَةَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ .
وَعَكْسُهُ وَمَنْ يَشْهَدُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ فِعْلِ رَبِّهِ وَمَنْ يَشْهَدُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ . فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ فِي شُهُودِ الرُّبُوبِيَّةِ نَظِيرُ تِلْكَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فِي شُهُودِ الْإِلَهِيَّةِ فَهَذَا تَقْسِيمُ الْعِبَادِ فِيمَا لِلَّهِ وَلَهُمْ وَذَاكَ تَقْسِيمُهُمْ فِيمَا هُوَ بِاَللَّهِ وَبِهِمْ وَالْقِسْمُ الْمَحْضُ أَنْ يَعْمَلَ لِلَّهِ بِاَللَّهِ فَلَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَلَا بِنَفْسِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : تَقْسِيمُهُمْ فِيمَا لِلَّهِ . فَأَعْلَاهُمْ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ : أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى أَذَى النَّاسِ لَهُمْ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَيُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُعَاقِبُونَ وَيَغْضَبُونَ وَيَنْتَقِمُونَ لِلَّهِ لَا لِنُفُوسِهِمْ يُعَاقِبُونَ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِعُقُوبَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَيَجِبُ الِانْتِقَامُ مِنْهُ كَمَا فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَأَدْنَاهُمْ عَكْسُ هَؤُلَاءِ يَغْضَبُونَ وَيَنْتَقِمُونَ وَيُعَاقِبُونَ لِنُفُوسِهِمْ لَا لِرَبِّهِمْ فَإِذَا أُوذِيَ أَحَدُهُمْ أَوْ خُولِفَ هَوَاهُ غَضِبَ وَانْتَقَمَ وَعَاقَبَ وَلَوْ اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ أَوْ ضُيِّعَتْ حُقُوقُهُ لَمْ يَهُمَّهُ ذَلِكَ وَهَذَا حَالُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ .
[ ص: 333 ]
وَبَيْنَ هَذَيْنِ وَهَذَيْنِ قِسْمَانِ " قِسْمٌ " يَغْضَبُونَ لِرَبِّهِمْ وَلِنُفُوسِهِمْ . وَ " قِسْمٌ " يَمِيلُونَ إلَى الْعَفْوِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِهِمْ
فَمُوسَى فِي غَضَبِهِ عَلَى قَوْمِهِ لَمَّا عَبَدُوا الْعِجْلَ كَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ وَقَدْ مَثَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ
أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَنُوحٍ وَمُوسَى فَقَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=596606إنَّ اللَّهَ يُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللَّبَنِ وَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنْ الْحَجَرِ وَمَثَلُك يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَمَثَلُك يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ وَمُوسَى } . وَأَمَّا عَفْوُ الْإِنْسَانِ عَنْ حُقُوقِهِ فَهَذَا أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَاصُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ غَضَبُهُ لِنَفْسِهِ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَاصُ جَائِزًا وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمَصَائِبِ الْحَاصِلَةِ بِقَدَرِ اللَّهِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مُذْنِبٌ يُعَاقَبُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَدَرِ .
وَقِصَّةُ
آدَمَ وَمُوسَى كانت مِنْ هَذَا الْبَابِ ; فَإِنَّ
مُوسَى لَامَهُ لِأَجْلِ مَا أَصَابَهُ وَالذُّرِّيَّةَ
وَآدَمُ كَانَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ وَغُفِرَ لَهُ وَالْمُصِيبَةُ كَانَتْ مُقَدَّرَةً فَحَجَّ
آدَمَ مُوسَى . وَهَكَذَا قَدْ يُصِيبُ النَّاسُ مَصَائِبَ بِفِعْلِ أَقْوَامٍ مُذْنِبِينَ تَابُوا مِثْلَ كَافِرٍ يَقْتُلُ مُسْلِمًا ثُمَّ يُسْلِمُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونُ مُتَأَوِّلًا لِبِدْعَةِ ثُمَّ يَتُوبُ مِنْ الْبِدْعَةِ أَوْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا مُخْطِئًا فَهَؤُلَاءِ إذَا أَصَابَ الْعَبْدَ أَذًى بِفِعْلِهِمْ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ فِيهَا قِصَاصٌ مِنْ آدَمِيٍّ