فقد ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=28680_16377الحلف بشيء من المخلوقات لا فرق في ذلك بين الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم ولا فرق بين نبي ونبي . وهذا كما قد سوى الله تعالى بين جميع المخلوقات في ذم الشرك بها وإن كانت معظمة . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=375&ayano=3ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } . قالت طائفة من
السلف : كان أقوام يدعون
المسيح والعزير والملائكة فقال تعالى : هؤلاء الذين تدعونهم عبادي يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ويتقربون إلي كما تتقربون إلي . وقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2867&ayano=24ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } فبين أن الطاعة لله والرسول : فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله وبين أن الخشية والتقوى لله وحده ; فلم يأمر أن يخشى مخلوق ولا يتقى مخلوق . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6191&ayano=94فإذا فرغت فانصب } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6192&ayano=94وإلى ربك فارغب } . فبين سبحانه وتعالى أنه كان ينبغي لهؤلاء أن يرضوا بما آتاهم الله ورسوله ويقولوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون فذكر
[ ص: 293 ] الرضا بما آتاه الله ورسوله لأن الرسول هو الواسطة بيننا وبين الله في تبليغ أمره ونهيه وتحليله وتحريمه ووعده ووعيده .
فالحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله ; ولهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5192&ayano=59وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } فليس لأحد أن يأخذ من الأموال إلا ما أحله الله ورسوله والأموال المشتركة له كمال الفيء والغنيمة والصدقات عليه أن يرضى بما آتاه الله ورسوله منها وهو مقدار حقه لا يطلب زيادة على ذلك . ثم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=3وقالوا حسبنا الله } ولم يقل " ورسوله " فإن الحسب هو الكافي والله وحده كاف عباده المؤمنين كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1232&ayano=8يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } أي هو وحده حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين . هذا هو القول الصواب الذي قاله جمهور السلف والخلف كما بين في موضع آخر . والمراد أن الله كاف للرسول ولمن اتبعه فكل من اتبع الرسول فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه ثم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9سيؤتينا الله من فضله ورسوله } فذكر الإيتاء لله ورسوله لكن وسطه بذكر الفضل فإن الفضل لله وحده بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9سيؤتينا الله من فضله ورسوله } ثم قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9إنا إلى الله راغبون } فجعل الرغبة إلى الله وحده دون الرسول وغيره من المخلوقات . فقد تبين أن الله سوى بين المخلوقات في هذه الأحكام لم يجعل لأحد من
[ ص: 294 ] المخلوقين - سواء كان نبيا أو ملكا - أن يقسم به ولا يتوكل عليه ولا يرغب إليه ولا يخشى ولا يتقي . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3662&ayano=34قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } . فقد تهدد سبحانه من دعا شيئا من دون الله وبين أنهم لا ملك لهم مع الله ولا شركا في ملكه وأنه ليس له عون ولا ظهير من المخلوقين ; فقطع تعلق القلوب بالمخلوقات : رغبة ورهبة وعبادة واستعانة ولم يبق إلا الشفاعة وهي حق ; لكن قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } .
وهكذا دلت الأحاديث الصحيحة في
nindex.php?page=treesubj&link=28768الشفاعة يوم القيامة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595212إذا أتى الناس آدم وأولي العزم نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم فيردهم كل واحد إلى الذي بعده إلى أن يأتوا المسيح فيقول لهم : اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال صلى الله عليه وسلم فيأتوني فأذهب إلى ربي فإذا رأيته خررت ساجدا وأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقال لي : أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع - قال - فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة } وذكر تمام الخبر . فبين
المسيح أن
محمدا هو الشافع المشفع لأنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ; وبين
محمد عبد الله ورسوله أفضل الخلق وأوجه الشفعاء
[ ص: 295 ] وأكرمهم على الله تعالى أنه يأتي فيسجد ويحمد لا يبدأ بالشفاعة حتى يؤذن له فيقال له : ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع وذكر أن ربه يحد له حدا فيدخلهم الجنة . وهذا كله يبين أن الأمر كله لله هو الذي يكرم الشفيع بالإذن له في الشفاعة والشفيع لا يشفع إلا فيمن يأذن الله له ثم يحد للشفيع حدا فيدخلهم الجنة . فالأمر بمشيئته وقدرته واختياره . وأوجه الشفعاء وأفضلهم هو عنده الذي فضله على غيره واختاره واصطفاه بكمال عبوديته وطاعته وإنابته وموافقته لربه فيما يحبه ويرضاه .
وإذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=29440_16377الإقسام بغير الله والرغبة إليه وخشيته وتقواه ونحو ذلك هي من الأحكام التي اشتركت المخلوقات فيها فليس لمخلوق أن يقسم به ولا يتقي ولا يتوكل عليه ; وإن كان أفضل المخلوقات ولا يستحق ذلك أحد من الملائكة والنبيين فضلا عن غيرهم من المشايخ والصالحين . فسؤال الله تعالى بالمخلوقات : إن كان بما أقسم به وعظمه من المخلوقات فيسوغ السؤال بذلك كله وإن لم يكن سائغا لم يجز أن يسأل بشيء من ذلك والتفريق في ذلك بين معظم ومعظم ; كتفريق من فرق [ فزعم أنه ] يجوز الحلف ببعض المخلوقات دون بعض وكما أن هذا فرق باطل فكذلك الآخر .
فَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=28680_16377الْحَلِفُ بِشَيْءِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَبِيٍّ وَنَبِيٍّ . وَهَذَا كَمَا قَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي ذَمِّ الشِّرْكِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُعَظَّمَةً . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=375&ayano=3مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=376&ayano=3وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2102&ayano=17قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=2103&ayano=17أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } . قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ : كَانَ أَقْوَامٌ يَدْعُونَ
الْمَسِيحَ وَالْعُزَيْرَ وَالْمَلَائِكَةَ فَقَالَ تَعَالَى : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ عِبَادِي يَرْجُونَ رَحْمَتِي كَمَا تَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي كَمَا تَخَافُونَ عَذَابِي وَيَتَقَرَّبُونَ إلَيَّ كَمَا تَتَقَرَّبُونَ إلَيَّ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2867&ayano=24وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } فَبَيَّنَ أَنَّ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ : فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ ; فَلَمْ يَأْمُرْ أَنْ يُخْشَى مَخْلُوقٌ وَلَا يُتَّقَى مَخْلُوقٌ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6191&ayano=94فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6192&ayano=94وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَرْضَوْا بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيَقُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ فَذَكَرَ
[ ص: 293 ] الرِّضَا بِمَا آتَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ فِي تَبْلِيغِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ .
فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5192&ayano=59وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْأَمْوَالِ إلَّا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْأَمْوَالُ الْمُشْتَرَكَةُ لَهُ كَمَالِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى بِمَا آتَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهَا وَهُوَ مِقْدَارُ حَقِّهِ لَا يَطْلُبُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=3وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ } وَلَمْ يَقُلْ " وَرَسُولُهُ " فَإِنَّ الحسب هُوَ الْكَافِي وَاَللَّهُ وَحْدَهُ كَافٍ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1232&ayano=8يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ هُوَ وَحْدَهُ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ كَافٍ لِلرَّسُولِ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ فَكُلُّ مَنْ اتَّبَعَ الرَّسُولَ فَاَللَّهُ كَافِيهِ وَهَادِيهِ وَنَاصِرُهُ وَرَازِقُهُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } فَذَكَرَ الْإِيتَاءَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَكِنْ وَسَّطَهُ بِذِكْرِ الْفَضْلِ فَإِنَّ الْفَضْلَ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1303&ayano=9إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فَجَعَلَ الرَّغْبَةَ إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ الرَّسُولِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ . فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ سَوَّى بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدِ مِنْ
[ ص: 294 ] الْمَخْلُوقِينَ - سَوَاءٌ كَانَ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا - أَنْ يُقْسِمَ بِهِ وَلَا يَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَلَا يَرْغَبَ إلَيْهِ وَلَا يَخْشَى وَلَا يَتَّقِيَ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3662&ayano=34قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } . فَقَدْ تَهَدَّدَ سُبْحَانَهُ مَنْ دَعَا شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ مَعَ اللَّهِ وَلَا شِرْكًا فِي مُلْكِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَوْنٌ وَلَا ظَهِيرٌ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ ; فَقَطَعَ تَعَلُّقَ الْقُلُوبِ بِالْمَخْلُوقَاتِ : رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَعِبَادَةً وَاسْتِعَانَةً وَلَمْ يُبْقِ إلَّا الشَّفَاعَةَ وَهِيَ حَقٌّ ; لَكِنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3663&ayano=34وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } .
وَهَكَذَا دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28768الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595212إذَا أَتَى النَّاسُ آدَمَ وَأُولِي الْعَزْمِ نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَيَرُدَّهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى الَّذِي بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَأْتُوا الْمَسِيحَ فَيَقُولُ لَهُمْ : اذْهَبُوا إلَى مُحَمَّدٍ عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَذْهَبُ إلَى رَبِّي فَإِذَا رَأَيْته خَرَرْت سَاجِدًا وَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيَّ لَا أُحْسِنُهَا الْآنَ فَيُقَالُ لِي : أَيْ مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تعطه وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ - قَالَ - فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ } وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ . فَبَيَّنَ
الْمَسِيحُ أَنَّ
مُحَمَّدًا هُوَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ لِأَنَّهُ عَبْدٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ; وَبَيَّنَ
مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَوْجَهُ الشُّفَعَاءِ
[ ص: 295 ] وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَأْتِي فَيَسْجُدُ وَيَحْمَدُ لَا يَبْدَأُ بِالشَّفَاعَةِ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ فَيُقَالَ لَهُ : ارْفَعْ رَأْسَك وَسَلْ تعطه وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَذَكَرَ أَنَّ رَبَّهُ يَحُدُّ لَهُ حَدًّا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ . وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ هُوَ الَّذِي يُكْرِمُ الشَّفِيعَ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَالشَّفِيعُ لَا يَشْفَعُ إلَّا فِيمَنْ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ يَحُدُّ لِلشَّفِيعِ حَدًّا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ . فَالْأَمْرُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ . وَأَوْجَهُ الشُّفَعَاءِ وَأَفْضَلُهُمْ هُوَ عِنْدَهُ الَّذِي فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ بِكَمَالِ عُبُودِيَّتِهِ وَطَاعَتِهِ وَإِنَابَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِرَبِّهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ .
وَإِذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=29440_16377الْإِقْسَامُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَالرَّغْبَةُ إلَيْهِ وَخَشْيَتُهُ وَتَقْوَاهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ هِيَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي اشْتَرَكَتْ الْمَخْلُوقَاتُ فِيهَا فَلَيْسَ لِمَخْلُوقِ أَنْ يُقْسِمَ بِهِ وَلَا يَتَّقِيَ وَلَا يَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ ; وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالصَّالِحِينَ . فَسُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَخْلُوقَاتِ : إنْ كَانَ بِمَا أَقْسَمَ بِهِ وَعَظَّمَهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَسُوغُ السُّؤَالُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِغًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّفْرِيقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مُعَظِّمٍ وَمُعَظِّمٍ ; كَتَفْرِيقِ مَنْ فَرَّقَ [ فَزَعَمَ أَنَّهُ ] يَجُوزُ الْحَلِفُ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَكَمَا أَنَّ هَذَا فَرْقٌ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ .