[ ص: 77 ] سورة لقمان
قوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث
فأما فقد استنبط من القرآن من آيات متعددة . فمن ذلك: قول الله عز وجل: تحريم الغناء: ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية .
قال - رضي الله عنه -: هو - والله - الغناء . وقال ابن مسعود : هو الغناء وأشباهه، وفسره أيضا بالغناء خلق من التابعين منهم: ابن عباس مجاهد وعكرمة والحسن وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم، وقال والنخعي في قوله تعالى: مجاهد واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال: الغناء والمزامير . وقال - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: ابن عباس وأنتم سامدون قال: هو الغناء - بالحميرية .
وقال بعض التابعين في قوله تعالى: وإذا مروا باللغو مروا كراما قال: إن اللغو هنا: الغناء . وعن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي أمامة ومن الناس من يشتري لهو الحديث الآية" . [ ص: 78 ] خرجه "لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، في مثل هذا أنزلت هذه الآية: الإمام أحمد من رواية والترمذي عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن عن القاسم ، وقال: قد تكلم بعض أهل العلم في أبي أمامة علي بن يزيد وضعفه، وهو شامي . وذكر في كتاب "العلل " أنه سأل عن هذا الحديث فقال: البخاري علي بن يزيد ذاهب الحديث، ووثق عبيد الله بن زحر والقاسم بن عبد الرحمن ، وخرجه محمد بن يحيى الهمذاني الحافظ الفقيه الشافعي في "صحيحه "، وقال: عبيد الله بن زحر: قال : لا بأس به صدوق . أبو زرعة
قلت: علي بن يزيد لم يتفقوا على ضعفه . بل قال فيه أبو مسهر - وهو من بلده وهو أعلم بأهل بلده من غيرهم - قال فيه: ما أعلم فيه إلا خيرا . وقال ابن عدي : هو في نفسه صالح، إلا أن يروي عنه ضعيف فيؤتى من قبل ذلك الضعيف . وهذا الحديث قد رواه عنه غير واحد من الثقات . وقد خرج من رواية الإمام أحمد فرج بن فضالة عن علي بن يزيد عن عن القاسم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أبي أمامة يعني: الضاربات . "إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين، وأمرني أن أمحق المزامير والبرابط والمعازف والأوثان ": وذكر بقية الحديث، وفي آخره: "ولا يحل بيعهن، ولا شراؤهن، ولا تعليمهن، ولا تجارة فيهن، وثمنهن حرام" . وفرج بن فضالة مختلف فيه أيضا . ووثقه وغيره . وخرج الإمام أحمد وغيره، من حديث الإسماعيلي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عمر بن الخطاب . وإسناده كلهم ثقات متفق عليهم، سوى "ثمن المغنية حرام، وغناؤها حرام " يزيد بن عبد الملك النوفلي . فإنه مختلف في أمره . وخرج حديثه هذا محمد بن يحيى الهمذاني في صحيحه وقال: في النفس من يزيد بن [ ص: 79 ] عبد الملك . مع أن قال: ما كان به بأس . وبوب ابن معين الهمذاني هذا في "صحيحه " على: تحريم وهو من أصحاب بيع المغنيات وشرائهن . وكان عالما بأنواع العلوم . وهو أول من أظهر مذهب ابن خزيمة الشافعي بهمذان واجتهد في ذلك بماله ونفسه . وكان وفاته سنة سبع وأربعين وثلاثمائة - رحمه الله تعالى - . وخرج في باب من رواية تحريم ثمن المغنية أبي نعيم الحلبي عن عن ابن المبارك عن مالك عن ابن المنكدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أنس "من قعد إلى قينة يستمع منها، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة" .
وقال: أبو نعيم الحلبي اسمه عبيد بن هشام .
قلت: قد وثقه وقال: إنه تغير بأخرة . وقد أنكر عليه أحاديث تفرد بها، منها هذا الحديث . وفي النهي عن بيع المغنيات أحاديث أخر عن أبو داود علي - رضي الله عنهما - وغيرهما، وفي أسانيدها مقال . وعائشة
وروى عامر بن سعد البجلي قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، فإذا جواري يتغنين، فقلت: أنتم أصحاب محمد وأهل بدر، ويفعل هذا عندكم؟! قال: اجلس إن شئت واسمع، وإن شئت فاذهب; فإنه قد رخص لنا في اللهو عند العرس . خرجه النسائي وقال: صحيح على شرطهما . والحاكم
والرخصة في تدل على النهي عنه في غير العرس، ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث اللهو عند العرس - رضي الله عنها - المتفق عليه في "الصحيحين: عائشة - رضي الله عنه -، [ ص: 80 ] وقال: مزمور الشيطان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعهما، فإنها أيام عيد" . أبو بكر الصديق فلم ينكر قول " لما دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان وتدفان . فانتهرهما - رضي الله عنه - . أبي بكر
وإنما علل الرخصة بكونه في يوم عيد; فدل على أنه يباح في أيام السرور: كأيام العيد، وأيام الأفراح: كالأعراس وقدوم الغياب، ما لا يباح في غيرها من اللهو . وإنما كانت دفوفهم نحو الغرابيل وغناؤهم بإنشاد أشعار الجاهلية في أيام حروبهم وما أشبه ذلك .
فمن قاس على ذلك سماع أشعار الغزل مع الدفوف المصلصلة، فقد أخطأ غاية الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل .
وقال - رضي الله عنه -: " الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل " . وقد روي عنه مرفوعا . خرجه ابن مسعود في بعض نسخ السنن . وخرجه أبو داود ابن أبي الدنيا وغيرهما . وفي إسناد المرفوع من لا يعرف، والموقوف أشبه . والبيهقي
وأما فقد تقدم عن تحريم آلات الملاهي: أنه أدخلها في صوت الشيطان المذكور في قول الله تعالى: مجاهد واستفزز من استطعت منهم بصوتك