قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539_30578_34370_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
استماع الغناء بآلات اللهو أو بدونها على وجه التقرب إلى الله تعالى . وتحريك القلوب إلى محبته، والأنس به والشوق إلى لقائه، وهذا هو الذي يدعيه كثير من أهل السلوك، ومن يتشبه بهم، ممن ليس منهم، وإنما يتستر بهم، ويتوصل بذلك إلى بلوغ غرض نفسه، من نيل لذته . فهذا المتشبه بهم مخادع ملبس . وفساد حاله أظهر من أن يخفى على أحد . وأما الصادقون في دعواهم ذلك وقليل ما هم، فإنه ملبوس عليهم; حيث تقربوا إلى الله عز
[ ص: 488 ] وجل، بما لم يشرعه الله تعالى، واتخذوا دينا لم يأذن الله فيه .
فلهم نصيب ممن قال الله تعالى فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق باليد . كذلك قاله غير واحد من السلف . وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله فإنه إنما يتقرب إلى الله عز وجل، بما يشرع التقرب به إليه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - . فأما ما نهى عنه، فالتقرب به إليه مضادة لله عز وجل في أمره . قال
القاضي أبو الطيب الطبري رحمه الله في كتابه في السماع: اعتقاد هذه الطائفة، مخالف لإجماع المسلمين، فإنه ليس فيهم من جعل السماع دينا وطاعة، ولا رأى إعلانه في المساجد والجوامع، وحيث كان من البقاع الشريفة، والمشاهد الكريمة . وكان مذهب هذه الطائفة، مخالفا لما اجتمعت عليه العلماء، ونعوذ بالله من سوء التوفيق . انتهى ما ذكره .
ولا ريب أن
nindex.php?page=treesubj&link=27142_19290التقرب إلى الله تعالى بسماع الغناء الملحن، لا سيما مع آلات اللهو، مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، بل ومن سائر شرائع المسلمين . أنه ليس مما يتقرب به إلى الله، ولا مما تزكى به النفوس وتطهر به . فإن الله تعالى شرع على ألسنة الرسل كل ما تزكو به النفوس، وتطهر به من أدناسها، وأوضارها، ولم يشرع على لسان أحد من الرسل، في ملة من الملل، شيئا من ذلك . وإنما يأمر بتزكية النفوس بذلك، من لا يتقيد بمتابعة
[ ص: 489 ] الرسل: من أتباع الفلاسفة . كما يأمرون بعشق الصور، وذلك كله ما تحيا به النفوس بالسوء، ولما لها فيه من الحظ، ويقوى به الهوى، وتموت به القلوب المتصلة بعلام الغيوب، وتبعد به عنه . فغلط هؤلاء واشتبه عليهم حظوظ النفوس وشهواتها بأقوات القلوب الطاهرة والأرواح الزكية المعلقة بالمحل الأعلى، واشتبه الأمر في ذلك أيضا على طوائف من المسلمين ممن ينتسب إلى السلوك .
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539_30578_34370_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ بِآلَاتِ اللَّهْوِ أَوْ بِدُونِهَا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَتَحْرِيكُ الْقُلُوبِ إِلَى مَحَبَّتِهِ، وَالْأُنْسُ بِهِ وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ السُّلُوكِ، وَمَنْ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ، مِمَّنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَسَتَّرُ بِهِمْ، وَيَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى بُلُوغِ غَرَضِ نَفْسِهِ، مِنْ نَيْلِ لَذَّتِهِ . فَهَذَا الْمُتَشَبِّهُ بِهِمْ مُخَادِعٌ مُلَبِّسٌ . وَفَسَادُ حَالِهِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ . وَأَمَّا الصَّادِقُونَ فِي دَعْوَاهُمْ ذَلِكَ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، فَإِنَّهُ مَلْبُوسٌ عَلَيْهِمْ; حَيْثُ تَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ
[ ص: 488 ] وَجَلَّ، بِمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاتَّخَذُوا دِينًا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ .
فَلَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً وَالْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ بِالْيَدِ . كَذَلِكَ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ . وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=21أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِمَا يُشْرَعُ التَّقَرُّبُ بِهِ إِلَيْهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَأَمَّا مَا نَهَى عَنْهُ، فَالتَّقَرُّبُ بِهِ إِلَيْهِ مُضَادَّةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَمْرِهِ . قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي السَّمَاعِ: اعْتِقَادُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ جَعَلَ السَّمَاعَ دِينًا وَطَاعَةً، وَلَا رَأَى إِعْلَانَهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ، وَحَيْثُ كَانَ مِنَ الْبِقَاعِ الشَّرِيفَةِ، وَالْمَشَاهِدِ الْكَرِيمَةِ . وَكَانَ مَذْهَبُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، مُخَالِفًا لِمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ التَّوْفِيقِ . انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27142_19290التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَمَاعِ الْغِنَاءِ الْمُلَحَّنِ، لَا سِيَّمَا مَعَ آلَاتِ اللَّهْوِ، مِمَّا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، بَلْ وَمِنْ سَائِرِ شَرَائِعِ الْمُسْلِمِينَ . أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَا مِمَّا تُزَكَّى بِهِ النُّفُوسُ وَتُطَهَّرُ بِهِ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ كُلَّ مَا تَزْكُو بِهِ النُّفُوسُ، وَتَطْهُرُ بِهِ مِنْ أَدْنَاسِهَا، وَأَوْضَارِهَا، وَلَمْ يُشَرِّعْ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ، فِي مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ، شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ بِذَلِكَ، مَنْ لَا يَتَقَيَّدُ بِمُتَابَعَةِ
[ ص: 489 ] الرُّسُلِ: مِنْ أَتْبَاعِ الْفَلَاسِفَةِ . كَمَا يَأْمُرُونَ بِعِشْقِ الصُّوَرِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَا تَحْيَا بِهِ النُّفُوسُ بِالسُّوءِ، وَلِمَا لَهَا فِيهِ مِنَ الْحَظِّ، وَيَقْوَى بِهِ الْهَوَى، وَتَمُوتُ بِهِ الْقُلُوبُ الْمُتَّصِلَةُ بِعَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَتَبْعُدُ بِهِ عَنْهُ . فَغَلِطَ هَؤُلَاءِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ حُظُوظُ النُّفُوسِ وَشَهَوَاتُهَا بِأَقْوَاتِ الْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ وَالْأَرْوَاحِ الزَّكِيَّةِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى، وَاشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى طَوَائِفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى السُّلُوكِ .