العبرة
كانت القصة كلها من الأخبار الغيبية على العرب، وقد كان فيها أخبار عن ناس لم يكن من شأنها أن تكون معلمة معلنة، إذ هي أخبار أسرة، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون فتلك أخبار النفوس لا يعلمها إلا علام الغيوب، وتلك معجزة الذي كفروا به.
وإن الكون كله آيات بينات دالة على منشئه الواحد الأحد الفرد الصمد، وإذا كانوا يؤمنون بالله تعالى، فهو إيمان بالقدرة، ووحدانية الخالق المنعم، ولكنهم يعبدون غيره، وهذا قوله تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ ص: 3793 ]
وإنهم يرون آيات الله تعالى تنزل بالمشركين، أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون
وإن الحق ما تدعو إليه، قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين
ولقد بين سبحانه وتعالى أنه لم يكن بدعا من الرسل، وأن الرسل قبله كانوا مثله، وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون
ويبين للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرسل كانوا يستيئسون، وفي حال يأسهم يجيء عذاب الله للمشركين حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين
الرسل جميعا اعتراهم اليأس إلا محمدا - صلى الله عليه وسلم -، وذلك فضله عليهم أجمعين، بل قال وهو في أشد ما نزل به وقد فقد الناصر والمواسي: ، ولقد ختم السورة بقوله تعالت كلماته: " إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون صدق الله العظيم.
ما سبق استعراض لمعاني سورة يوسف عليه السلام إجمالا، وما كانت قصة غرام كما افتراه الكاذبون، إنما فيها آفات النفوس في الأسر، وعلاجها، وفيها علاج المجتمعات التي يصيبها الفقر، وفيها أن الشفقة في الأسرة هي إدامها، وفيها أن الشيطان ينزغ في النفوس من الحسد الذي يؤدي إلى أشد الجرائم فظاعة.