وبعد أن بين سبحانه أن كون أمة أربى من أمة هو بمشيئة الله وإرادته مع بقاء الاختيار للعباد، أكد سبحانه وتعالى النهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=18783_18789_19489_30945نقض الوفاء بالعهد فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=19244_30532_30945_34330_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم .
كان النهي عن اتخاذ الأيمان دخلا أي: غشا وخديعة في العهود؛ لأن الكلام كان في العهود ونقضها، إذ ابتدأ القول:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=91وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم أما النهي في هذه الآية عن اتخاذ الأيمان دخلا، فهو نهي عن الحلف الكاذب خديعة وغشا ومكيدة بعهد كان يعتزم فعل أمر أو يظهر اعتزامه ويوثقه بيمين، ولا يتجه إلى المعاهدة عليه، فإن ذلك منهي عنه، أو يؤكد كلامه عن أمر سابق باليمين وهو كاذب في يمينه، فإن اليمين في هذه الحال غش وخديعة ويكون ممن لا يطاع ولا يستمع إليه؛ إذ يقول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=10ولا تطع كل حلاف مهين nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=11هماز مشاء بنميم
وعلى ذلك يكون النهي عن اتخاذ الأيمان للغش والخديعة يشمل العهود والبيعات ويشمل توثيق يمين منعقدة لا ينوي التنفيذ فيها، أو يمين غموس هو فيها كاذب، كشهادات الزور، ونحوها مما تتخذ اليمين للغش والخديعة، وضياع الحقوق والدعاء الباطل وتأكيده بهذه الأيمان.
[ ص: 4261 ] ولقد قال تعالى فيما يترتب على اتخاذ الأيمان الباطلة غشا وخديعة وتثبيتا للكذب
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فتزل قدم بعد ثبوتها هذا تشبيه جيد وهو استعارة من قبيل تشبيه المعنوي بالحسي أي شبه الانحراف الديني الذي يؤدي إليه الأيمان الباطلة بعد الإسلام والاستظلال بظله كزلة القدم بعد ثبوتها قوية، فمعنى الزلل الانتقال من الخير إلى الضرر.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وتذوقوا السوء والسوء هو الأمر السيئ وشبه بالشيء الذي يذاق كأنه بعد أن ذاق حلاوة الإيمان ذاق السوء وهو الكفر، ذلك لأن الأيمان الكاذبة تفسد اليقين، وتضعف الإيمان بالحق، وفوق ذلك إذا شاعت ضاعت الثقة بين الناس، وصار الناس لا يؤمنون بشيء، وإن ذلك يؤدي إلى الضلال، والضلال يؤدي إلى الصد عن الحق، والحق هو سبيل الله المستقيم، وصراطه الهادي؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله فإنه لا يضيع الحق ولا يسير الناس في ضلال من أمورهم إلا الكذب، فإذا وثق بأيمان فاجرة كان الصد عنه بل ضياعه.
ولذا قال تعالى في عقابه:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94ولكم عذاب عظيم أي كبير شديد ونكر لإفادة أنه عظيم أبلغ العظم لا يعرف مقداره، ونكرت (قدم) وأفردت؛ لأنه تتعدد الأقدام الزالة بتعدد الأيمان،
وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ كَوْنَ أُمَّةٍ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ هُوَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ مَعَ بَقَاءِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِبَادِ، أَكَّدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّهْيَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18783_18789_19489_30945نَقْضِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=19244_30532_30945_34330_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
كَانَ النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ دَخْلًا أَيْ: غِشًّا وَخَدِيعَةً فِي الْعُهُودِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي الْعُهُودِ وَنَقْضِهَا، إِذِ ابْتَدَأَ الْقَوْلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=91وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ أَمَّا النَّهْيُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ دَخْلًا، فَهُوَ نَهْيٌ عَنِ الْحَلِفِ الْكَاذِبِ خَدِيعَةً وَغِشًّا وَمَكِيدَةً بِعَهْدٍ كَانَ يَعْتَزِمُ فِعْلَ أَمْرٍ أَوْ يُظْهِرُ اعْتِزَامَهُ وَيُوَثِّقُهُ بِيَمِينٍ، وَلَا يَتَّجِهُ إِلَى الْمُعَاهَدَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، أَوْ يُؤَكِّدُ كَلَامُهُ عَنْ أَمْرٍ سَابِقٍ بِالْيَمِينِ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ فِي هَذِهِ الْحَالِ غِشٌّ وَخَدِيعَةٌ وَيَكُونُ مِمَّنْ لَا يُطَاعُ وَلَا يُسْتَمَعُ إِلَيْهِ؛ إِذْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=10وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=11هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ
وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ لِلْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ يَشْمَلُ الْعُهُودَ وَالْبَيْعَاتِ وَيَشْمَلُ تَوْثِيقَ يَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ لَا يَنْوِي التَّنْفِيذَ فِيهَا، أَوْ يَمِينٌ غَمُوسٌ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ، كَشَهَادَاتِ الزُّورِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا تَتَّخِذُ الْيَمِينَ لِلْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ، وَضَيَاعِ الْحُقُوقِ وَالدُّعَاءِ الْبَاطِلِ وَتَأْكِيدِهِ بِهَذِهِ الْأَيْمَانِ.
[ ص: 4261 ] وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ الْبَاطِلَةِ غِشًّا وَخَدِيعَةً وَتَثْبِيتًا لِلْكَذِبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا هَذَا تَشْبِيهٌ جَيِّدٌ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ قَبِيلِ تَشْبِيهِ الْمَعْنَوِيِّ بِالْحِسِّيِّ أَيْ شَبَّهَ الِانْحِرَافَ الدِّينِيَّ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْأَيْمَانُ الْبَاطِلَةُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِظْلَالَ بِظِلِّهِ كَزَلَّةِ الْقَدَمِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَوِيَّةً، فَمَعْنَى الزَّلَلِ الِانْتِقَالُ مِنَ الْخَيْرِ إِلَى الضَّرَرِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَتَذُوقُوا السُّوءَ وَالسُّوءُ هُوَ الْأَمْرُ السَّيِّئُ وَشُبِّهَ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُذَاقُ كَأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَاقَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ذَاقَ السُّوءَ وَهُوَ الْكُفْرُ، ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ الْكَاذِبَةَ تُفْسِدُ الْيَقِينَ، وَتُضْعِفُ الْإِيمَانَ بِالْحَقِّ، وَفَوْقَ ذَلِكَ إِذَا شَاعَتْ ضَاعَتِ الثِّقَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَصَارَ النَّاسُ لَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الضَّلَالِ، وَالضَّلَالُ يُؤَدِّي إِلَى الصَّدِّ عَنِ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ هُوَ سَبِيلُ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمُ، وَصِرَاطُهُ الْهَادِي؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعُ الْحَقَّ وَلَا يُسَيِّرُ النَّاسَ فِي ضَلَالٍ مِنْ أُمُورِهِمْ إِلَّا الْكَذِبُ، فَإِذَا وَثِقَ بِأَيْمَانٍ فَاجِرَةٍ كَانَ الصَّدُّ عَنْهُ بَلْ ضَيَاعُهُ.
وَلِذَا قَالَ تَعَالَى فِي عِقَابِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=94وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ أَيْ كَبِيرٌ شَدِيدٌ وَنُكْرٌ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ عَظِيمٌ أَبْلَغُ الْعِظَمِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، وَنُكِّرَتْ (قَدَمٌ) وَأُفْرِدَتْ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَدَّدُ الْأَقْدَامُ الزَّالَّةُ بِتَعَدُّدِ الْأَيْمَانِ،