[ ص: 109 ] [فصل]
في استحباب تحسين الصوت بالقراءة
أجمع العلماء - رضي الله عنهم - من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب ، وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة، فنحن مستغنون عن نقل شيء من أفرادها. تحسين الصوت بالقرآن
ودلائل هذا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستفيضة عند الخاصة والعامة، كحديث: وحديث: زينوا القرآن بأصواتكم وحديث: لقد أوتي هذا مزمارا وحديث: ما أذن الله وقد تقدمت كلها في الفصل السابق. لله أشد أذنا
[ ص: 110 ] وتقدم في فضل الترتيل حديث في ترجيع النبي - صلى الله عليه وسلم – القراءة، وكحديث عبد الله بن مغفل وحديث سعد بن أبي وقاص أمامة - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رواه من لم يتغن بالقرآن فليس منا بإسنادين جيدين، وفي إسناد سعد اختلاف لا يضر. أبو داود
قال جمهور العلماء: معنى (لم يتغن) لم يحسن صوته.
وحديث - رضي الله عنه – قال: البراء رواه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه البخاري . ومسلم
قال العلماء - رحمهم الله -: فيستحب تحسين الصوت بالقراءة، وترتيلها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفاه فهو حرام.
[ ص: 111 ] وأما فقد قال القراءة بالألحان - رحمه الله - في موضع: أكرهها. الشافعي
قال أصحابنا: ليست على قولين، بل فيه تفصيل، إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه، وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه.
وقال أقضى القضاة في كتابه الحاوي: الماوردي
إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه، أو إخراج حركات منه، أو قصر ممدود، أو مد مقصور، أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ، ويتلبس المعنى - فهو حرام، يفسق به القارئ [ ص: 112 ] ويأثم به المستمع؛ لأنه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج، والله تعالى يقول: القراءة بالألحان الموضوعة قرآنا عربيا غير ذي عوج
قال: وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا؛ لأنه زاد على ألحانه في تحسينه، هذا كلام أقضى القضاة.
وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة، الذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة، يأثم كل مستمع لها، كما قاله أقضى القضاة ، ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك، وقد بذلت فيها بعض قدرتي، وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك، وأن يجعله في عافية. الماوردي
قال في مختصر الشافعي المزني : ويحسن صوته بأي وجه كان. قال: وأحب ما يقرأ حدرا وتحزينا.
قال أهل اللغة: يقال: حدرت بالقراءة إذا أدرجتها ولم تمططها.
ويقال: فلان يقرأ بالتحزين إذا رقق صوته.
وقد روى بإسناده عن ابن أبي داود - رضي الله عنه - أنه قرأ (إذا الشمس كورت) يحزنها شبه الرثاء . أبي هريرة
[ ص: 113 ] وفي سنن قيل أبي داود : أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ فقال: يحسنه ما استطاع. لابن أبي مليكة