التفسير الإشاري
ومن هؤلاء المتصوفة من يدعي أن الرياضة الروحية التي يأخذ بها الصوفي نفسه تصل إلى درجة ينكشف له فيها ما وراء العبارات القرآنية من إشارات قدسية ، وتنهل على قلبه من سحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف السبحانية ، ويسمى هذا بالتفسير الإشاري ، فللآية ظاهر وباطن ، والظاهر : هو الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره ، والباطن هو : ما وراء ذلك من إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك ، وهذا التفسير الإشاري كذلك إذا أوغل في الإشارات الخفية صار ضربا من التجهيل ، ولكنه إذا كان استنباطا حسنا يوافق مقتضى ظاهر العربية وكان له شاهد يشهد لصحته من غير معارض ، فإنه يكون مقبولا .
ومن ذلك ما روي عن -رضي الله عنهما- أنه قال : " كان ابن عباس يدخلني مع أشياخ عمر بدر : فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال : لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه من حيث علمتم ، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم . فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم ، قال : ما تقولون في قوله تعالى : عمر إذا جاء نصر الله والفتح فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت : لا ، قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه له ، قال : [ ص: 348 ] إذا جاء نصر الله والفتح ، وذلك علامة أجلك ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ، فقال : ما أعلم منها إلا ما تقول “ . عمر
قال ابن القيم : " وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول : تفسير على اللفظ ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون ، وتفسير على المعنى : وهو الذي يذكره السلف ، وتفسير على الإشارة : وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم ، وهذا لا بأس به بأربعة شروط :
1- ألا يناقض معنى الآية .
2- وأن يكون معنى صحيحا في نفسه .
3- وأن يكون في اللفظ إشعار به .
4- وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم ، فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطا حسنا “ . "