( قوله ولو صح ولو عبده أو مكاتبه لا ) لحديث دفع بتحر فبان أنه غني أو هاشمي أو كافر أو أبوه أو ابنه { البخاري زيد ولك ما أخذت يا معن } حين دفعها لك ما نويت يا زيد إلى ولده وليس المراد بالتحري الاجتهاد بل غلبة الظن بأنه مصرف بعد الشك في كونه مصرفا وإنما قلنا هذا ; لأنه لو دفع باجتهاد دون ظن أو بغير اجتهاد أصلا أو بظن أنه بعد الشك ليس بمصرف ثم تبين المانع فإنه لا يجزئه وكذا لو لم يتبين شيء فهو على الفساد حتى يتبين أنه مصرف ، ولو معن يجزئه دفع إلى من يظن أنه ليس بمصرف ثم يتبين أنه مصرف
والفرق بين هذا وبين من صلى باجتهاد إلى جهة يظن أنها ليست القبلة حيث لا تجزئه الصلاة ، وإن ظهر أنها القبلة بل قال يخشى عليه الكفر أن الصلاة الفرض بغير القبلة معصية ، والمعصية لا تنقلب طاعة ودفع المال إلى غير الفقير قربة يثاب عليها وقيدنا بكونه بعد الشك ; لأنه لو دفعها [ ص: 267 ] ولم يخطر بباله أنه مصرف أم لا فهو على الجواز إلا إذا تبين أنه غير مصرف ; لأن الظاهر أنه صرف الصدقة إلى محلها حيث نوى الزكاة عند الدفع والظاهر لا يبطل إلا باليقين حتى لو شك فيه بعد ذلك ، ولم يظهر له شيء لا تلزمه الإعادة ; لأن الظاهر الأول لا يبطل بالشك وليس له أن يسترد ما دفعه إذا تبين أنه ليس بمصرف ووقع تطوعا كذا في البدائع واختلف المشايخ في كونه يطيب للفقير وعلى القول بأنه لا يطيب قيل : يتصدق به لخبثه ، وقيل : يرده على الدافع كذا في معراج الدراية وأطلق الكافر فشمل الذمي والحربي وقد صرح بهما في المبتغى بالمعجمة ، وفي المحيط إذا ظهر أنه حربي فيه روايتان والفرق على إحداهما أنه لم توجد صفة القربة أصلا الإمام
والحق المنع فقد قال في غاية البيان معزيا إلى التحفة وأجمعوا أنه إذا ظهر أنه حربي ، ولو مستأمنا لا يجوز ، وكذا في معراج الدراية معللا بأن صلته لا تكون برا شرعا ; ولذا لم يجز التطوع إليه فلم يقع قربة ، ولا يخفى أن أحد الزوجين كالأصول والفروع وأن المدبر وأم الولد داخلان تحت العبد والمستسعى كالمكاتب عنده وعندهما حر مديون كذا في البدائع وقيد بالزكاة ; لأنه لو أوصى بثلث ماله للفقراء فأعطاهم الوصي ثم تبين أنهم أغنياء لم يجز ، وهو ضامن بالاتفاق ; لأن الزكاة حق الله - تعالى - فاعتبر فيها الوسع ، والوصية حق العباد فاعتبر فيها الحقيقة ألا ترى أن يضمن ، ولا يأثم كذا في معراج الدراية النائم إذا أتلف شيئا
وقياسه أن أن يضمن الوصي ، وهي واقعة في زماننا ولأنه اختلط أواني طاهرة بنجسه أو ثياب كذلك وكانت الغلبة للطاهر فتحرى فيها ثم تبين خطؤه يعيد الصلاة أو قضى القاضي باجتهاده ثم ظهر نص بخلافه بطل قضاؤه ، وهو الذي قاس عليه الوصي بشراء دار ليوقفها إذا اشترى ، ونقد الثمن ثم ظهر أنها وقف الغير وضاع الثمن مسألة الكتاب ، والفرق لهما أن العلم بالثوب الطاهر والماء الطاهر والنص ممكن فلم يأت بالمأمور به قيدنا بكون الغلبة للطاهر ; لأن الغلبة لو كانت للنجس أو استويا لا يتحرى بل يتيمم كذا في المعراج ، وفي النهاية جعل هذا الحكم مختصا بالأواني أما الثياب النجسة إذا اختلطت بالطاهرة فإنه يتحرى مطلقا ، ولو كانت النجسة أكثر أو مساوية وتبعه في فتح القدير وقد أخذاه من مبسوط أبو يوسف السرخسي من كتاب التحري
وفرق بينهما بأن الضرورة لا تتحقق في الأواني ; لأن التراب طهور له بدل عند العجز عن الماء الطاهر فلا يضطر إلى التحري للوضوء عند غلبة النجاسة لما أمكنه إقامة الفرض بالبدل حتى لو تحققت الضرورة للشرب عند العطش وعدم الماء الطاهر يجوز التحري للشرب في مسألة الثياب الضرورة مست للتحري ; لأنه ليس للستر بدل [ ص: 268 ] يتوصل به إلى إقامة الفرض يوضحه أن في مسألة الأواني لو كانت كلها نجسة لا يؤمر بالتوضؤ بها ولو فعل لا تجوز صلاته فكذا إذا كانت الغلبة له ، وفي مسألة الثياب ، وإن كانت الكل نجسة يؤمر بالصلاة في بعضها فكذا إذا كانت الغلبة لها ثم اعلم أن التحري يجري في مسائل منها الزكاة كما قدمناه ، ومنها القبلة وقد تقدم في الصلاة ، ومنها مسائل المساليخ المختلطة بالميتة ففي حالة الاضطرار للأكل يجوز التحري في الفصول كلها ، وفي حالة الاختيار لا يجوز التحري إلا إذا كان الحلال غالبا ، ومنها مسألة الزيت إذا اختلط بودك الميتة
فإن كان المحرم غالبا أو مساويا فإنه لا يجوز الانتفاع به أصلا للأكل ، ولا غيره ، وإن كان الحلال غالبا ففي حالة الاضطرار يجوز الأكل والانتفاع به ، وفي حالة الاختيار يحرم الأكل وتناوله ويجوز الانتفاع به من حيث الاستصباح ودبغ الجلود ، ومنها مسألة الموتى إذا فإن كانت الغلبة لموتى المسلمين فإنه يصلى عليهم ويدفنون في مقابر المسلمين ، وإن غلب موتى الكفار أو تساويا لا يصلى على أحد منهم إلا من يعلم أنه مسلم بالعلامة ، وفي ظاهر الرواية يدفنون في مقابر المشركين ، ومنها مسألتا الأواني المختلطة والثياب المختلطة وقد تقدمتا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار
وأما التحري في الفروج فلا يجوز بحال حتى لو أعتق واحدة من جواريه بعينها ثم نسيها لم يسعه التحري للوطء ، ولا للبيع ومن أراد معرفة الدلائل والفرق بين المسائل وزيادة التعريفات في مسائل التحري فعليه بكتاب التحري من المبسوط أول الجزء الرابع ، واعلم أن التحري في اللغة الطلب والابتغاء ، وهو والتوخي سواء إلا أن لفظ التوخي يستعمل في المعاملات والتحري في العبادات ، وفي الشريعة طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته ، وهو غير الشك والظن فالشك أن يستوي طرفا العلم والجهل ، والظن ترجح أحدهما من غير دليل ، والتحري ترجح أحدهما بغالب الرأي ، وهو دليل يتوصل به إلى طرف العلم ، وإن كان لا يتوصل به إلى ما يوجب حقيقة العلم ويلحق بالتحري في مسألة الزكاة ما لو كان المدفوع إليه جالسا في صف الفقراء يصنع صنيعهم أو كان عليه زي الفقراء أو سأله فأعطاه فهذه الأسباب بمنزلة التحري كذا في المبسوط أيضا يعني أنه لو ظهر أنه غني لا إعادة عليه .