الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو ماتا ولو في القدر فالقول لورثته ) أي لو مات الزوجان واختلف ورثتهما فالقول لورثة الزوج سواء كان في القدر أو في الأصل فإن كان في القدر لزم ما اعترفوا به وإن كان في الأصل بأن ادعى ورثتها المسمى وأنكره ورثته فلا شيء عليهم ، وهذا عند الإمام وعندهما الاختلاف بعد موتهما كالاختلاف في حياتهما فإن اختلفا في القدر وقال محمد يقضى بمهر المثل وقال أبو يوسف القول لورثة الزوج وإن اختلفا في الأصل يقضى بمهر المثل إذا كان النكاح ظاهرا إلا إذا أقامت ورثته البينة على إيفاء المهر أو على إقرارها به أو إقرار ورثتها به ; لأنه كان دينا في ذمته فلا يسقط بالموت كالمسمى فإن علم أنها ماتت أولا سقط نصيبه منه وما بقي فلورثتها وله أن موتهما يدل على انقراض أقرانها فبمهر من يقدر القاضي مهر المثل كذا في الهداية ، وهذا يدل على أن المسألة مصورة في التقادم فلو كان العهد قريبا قضي به وعلى أنه لو أقيمت البينة على المهر قضي بها على ورثة الزوج

                                                                                        وقد صرح بالثاني في المحيط وشرح الطحاوي وعبارة المحيط قال أبو حنيفة لا أقضي بشيء حتى يثبت بالبينة أصل التسمية وبهذا اندفع ما علل به بعض المشايخ له من أن مهر المثل من حيث هو قيمة البضع يشبه المسمى ومن حيث إنه يجب بغير شرط يشبه النفقة والصلة فباعتبار الشبه الأول لم يسقط بموت أحدهما وباعتبار الشبه الثاني يسقط فسقط بموتهما فإنه يقتضي أنه لا تسمع البينة عليه بعد موتهما لسقوطه أصلا والمنصوص عن الإمام خلافه كما علمت ، ولذا قال في فتح القدير إن تعليل الهداية أوجه وفي فتاوى قاضي خان الفتوى على قولهما وفي المحيط قال مشايخنا هذا كله إذا لم تسلم المرأة نفسها فإن سلمت نفسها ثم وقع الاختلاف في حيال الحياة أو بعد الممات فإنه لا يحكم بمهر المثل ; لأنا نعلم أن المرأة لا تسلم نفسها من غير أن تتعجل من مهرها شيئا عادة فيقال لها لا بد أن تقري بما تعجلت وإلا قضينا عليك بالمتعارف ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا ا هـ .

                                                                                        وأقره عليه الشارحون ولا يخفى أن محله فيما إذا ادعى الزوج إيصال شيء إليها أما لو لم يدع فلا ينبغي ذلك وفي المحيط معزيا إلى النوادر امرأة ادعت على زوجها بعد موته أن لها عليه ألف درهم من مهرها فالقول قولها إلى تمام مهر مثلها عند أبي حنيفة ; لأن مهر المثل يشهد لها . ا هـ .

                                                                                        وهذا يخالف ما ذكره المشايخ سابقا وفي الخلاصة من الفصل الثاني عشر من كتاب الدعوى امرأة ادعت على وارث زوجها مهرها فأنكر الوارث يوقف قدر مهر مثلها ويقول له القاضي أكان مهر مثلها كذا أعلى من ذلك إن قالوا لا قال أكان كذا دون ما قال في المرة الأولى إلى أن ينتهي إلى مقدار مهر مثلها . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 197 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 197 ] ( قوله سواء كان في القدر أو في الأصل ) الذي في الهداية وغيرها أنه لو كان في الأصل فالقول لمن أنكره ، ولذا قيل إن حق التركيب في كلام المصنف فلو بالفاء ; لأن مع الواو يتوهم أنها للوصل كما شرح به العيني وصاحب النهر . والظاهر أنه لا فرق بين ما في الهداية وما هنا ; لأن المنكر للتسمية عادة ورثة الزوج ; لأن الكلام في قول الإمام ولا نفع لورثة الزوجة في إنكار التسمية على قوله تأمل . ( قوله وقال أبو يوسف القول لورثة الزوج ) الفرق بين قوله وقول الإمام أن الإمام لم يستثن القليل كما في الهداية أي فيصدق ورثة الزوج وإن ادعوا شيئا قليلا كما في غاية البيان . ( قوله : وهذا يدل على أن المسألة إلخ ) كذا في العناية والفتح وقال في الفتح ; لأن مهر المثل يختلف باختلاف الأوقات فإذا تقادم العهد يتعذر الوقوف على مقداره وأيضا يؤدي إلى تكرر القضاء به ; لأن النكاح مما يثبت بالتسامع فيدعي ورثة ورثة الورثة على ورثة ورثة الورثة ثم وثم فيفضي إلى ذلك ا هـ .

                                                                                        وفي شرح الجامع للقاضي فعلى هذا لو كان العهد قريبا ولم يكن متقادما لا يعجز عن القضاء بمهر المثل فيقضي به . ( قوله ولا يخفى أن محله إلخ ) قال في الشرنبلالية فيه تأمل ; لأنه لا يتأتى ما قاله في حال موتهما ا هـ .

                                                                                        فلو قال فيما إذا ادعى الزوج أو ورثته لكان أولى [ ص: 198 ] . ( قوله : وهذا يخالف ما ذكره المشايخ سابقا ) قال الرملي ليس مخالفا إذ هو مقيد كما ذكره المشايخ بما قبل التسليم فأي مخالفة ، ومثله ما في الخلاصة تأمل ثم رأيت في النهر أقول : لا مخالفة بعد أن يكون هذا المطلق محمولا على المقيد وهو عين ما قلته . والله تعالى هو الموفق .




                                                                                        الخدمات العلمية