( قوله ولا في أنت طالق إن شاء الله متصلا ، وإن ماتت قبل قوله إن شاء الله ) أي لا يقع الطلاق لحديث رواه الترمذي ، وحسنه مرفوعا { لم يحنث حلف على يمين ، وقال إن شاء الله } ، وقد بحث فيه المحقق من ابن الهمام في كتاب الأيمان قيد بالاتصال لأنه لو كان بينهما سكوت كثير بلا ضرورة ثبت حكم الكلام الأول بخلاف ما إذا كان السكوت بالجشاء أو التنفس ، وإن كان له منه بد أو [ ص: 40 ] بإمساك غيره فمه أو كان بلسانه ثقل فطال في تردده ، والفاصل اللغو يبطل المشيئة فلذا طلقت ثلاثا في قوله أنت طالق ثلاثا ، وثلاثا إن شاء الله وفي قوله أنت طالق وطالق وطالق وطالق إن شاء الله ، وفي قوله أنت طالق ثلاثا واحدة إن شاء الله كقوله عبده حر وحر إن شاء الله بالواو بخلاف ما إذا كان بدونها للتأكيد ، وبخلاف حر وعتيق إن شاء الله لكونه تفسيرا ، وهو إنما يكون بغير لفظ الأول ، وبخلاف طالق واحدة ، وثلاثا إن شاء الله لكونه أفاد التكميل كقوله أنت طالق وطالق وطالق إن شاء الله ، وفي المجتبى من كتاب الأيمان لو يقع ، ولو قال بائنا لا يقع لأن الأول لغو دون الثاني ، وفي القنية بعده ، ولو قال أنت طالق رجعيا إن شاء الله يسأل عن نيته فإن عنى الرجعي لا يقع ، وإن عنى البائن يقع ، ولا يعمل الاستثناء انتهى ، وصوابه إن عنى الرجعي يقع لعدم صحة الاستثناء للفاصل ، وإن عنى البائن لم يقع لصحة الاستثناء . قال أنت طالق رجعيا أو بائنا إن شاء الله
وفي البزازية يقع ، وصرف الاستثناء إلى الوصف ، وكذا أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله يصرف الاستثناء إلى الكل ، ولا يقع الطلاق كأنه قال يا فلانة ، والأصل عنده أن المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يلزم به حد كقوله يا طالق يا زانية فالاستثناء على الكل انتهى ، وأطلق فشمل ما إذا أتى بالمشيئة عن قصد أو لا فلا يقع فيهما ، وكذا إذا كان لا يعلم المعنى فلو شهدا أنه استثنى متصلا ، وهو لا يذكره قالوا إن كان بحال لا يدري ما يجري على لسانه لغضب جاز له الاعتماد عليهما ، وإلا لا ، وشمل ما إذا ادعى الاستثناء وأنكرته ، وإن القول قوله وكذا في دعوى الشرط ، ولو أنت طالق يا طالق إن شاء الله ، وكذا أنت طالق يا صبية إن شاء الله تقبل ، وهذا مما تقبل فيه البينة على النفي لأنه في المعنى أمر وجودي لأنه عبارة عن ضم الشفتين عقيب التكلم بالموجب ، وإن قالوا أطلق ، ولم نسمع منه غير كلمة الخلع ، والزوج يدعي الاستثناء فالقول له لجواز أنه قاله ، ولم يسمعوه ، والشرط سماعه لا سماعهم على ما عرف في الجامع الصغير ، وفي الصغرى إذا ذكر البدل في الخلع لا تسمع دعوى الاستثناء كذا في البزازية ، وفي الخانية لو شهدوا أنه طلق أو خالع بلا استثناء أو شهدوا بأنه لم يستثن ففي ظاهر الرواية يكون القول قول الزوج ، وذكر في النوادر خلافا بين قال الزوج طلقتك أمس ، وقلت إن [ ص: 41 ] شاء الله و أبي يوسف فقال على قول محمد يقبل قول الزوج . أبي يوسف
وعلى قول لا يقبل قوله ويقع الطلاق ، وعليه الاعتماد والفتوى احتياطا في أمر الفروج في زمن غلب على الناس الفساد انتهى . محمد
وأشار بصحة المشيئة في الطلاق إلى صحتها في كل ما كان من صيغ الإخبار ، وإن كانت إنشاءات شرعا فدخل البيع والاعتكاف والعتق والنذر بالصوم ، وخرج الأمر والنهي فلو لا يصح الاستثناء ، وكذا بع عبدي من بعد موتي إن شاء الله لا يصح الاستثناء ، وكذا بع عبدي هذا إن شاء الله لم يبعه ، وخرج ما لم يختص باللسان كالنية فلو قال نويت أن أصوم إن شاء الله صح صومه . قال اعتقوا عبدي من بعد موتي إن شاء الله
وأشار بإسناد المشيئة إلى الله تعالى إلى كل من لم يوقف له على مشيئة كإن شاء الجن أو الإنس أو الملائكة أو الحائط فلا يقع في الكل فخرج من يوقف له عليها كإن شاء زيد فهو تمليك له معتبر فيه مجلس علمه فإن شاء فيه طلقت ، وإلا خرج الأمر من يده ، وصورة مشيئته أن يقول شئت ما جعله إلي فلان ، ولا تشترط فيه نية الطلاق ، ولا ذكره كما في الجوهرة ، ودخل في كلامه ما إذا علقه بمشيئة الله ومشيئة من يوقف على مشيئته كما إذا قال إن شاء الله ، وشاء زيد فلا وقوع ، وإن شاء زيد كما في البدائع .
وقدمنا عن تلخيص الجامع حكم ما إذا لا فرق بين إن ، والباء فخرج ما لم يكن بمعناها كأمره وحكمه وإرادته وقضائه وإذنه وعلمه وقدرته فإنه يقع للحال إن كان بالباء ، وإن أضافه إلى العبد ، وخرج أيضا ما إذا كان باللام فإنه يقع في الوجوه كلها ، وإن أضافه إلى العبد ، وأما إذا كان بقي ، وأضافه إلى الله تعالى فإنه لا يقع في الوجوه كلها إلا في قوله طالق في علم الله ، وإلا في قوله في قدرة الله إن أراد بالقدرة ضد العجز لأن قدرة الله تعالى موجودة قطعا كالعلم سواء بخلاف ما إذا لم ينو لأنها بمعنى التقدير ، ولا يعلم تقديره كذا في المحيط . قال أمرها بيد الله وبيدك ، وأشار بكلمة إن إلى ما كان بمعناها فدخل إلا أن يشاء الله أو ما شاء الله أو إذا شاء الله أو بمشيئة الله وبالمشيئة إلى ما كان بمعناها كالإرادة والمحبة والرضا بجميع الأدوات المتقدمة
والحاصل أنه إن أتى بإن لم يقع في الكل ، وإن أتى بالباء لم يقع في [ ص: 42 ] المشيئة والإرادة والرضا والمحبة ، ووقع في الباقي ، وإن أتى بفي لم يقع إلا في علم الله ، وإن أتى باللام وقع في الكل ، وإن أضافه إلى العبد كان تمليكا في الأربعة الأولى ، وهي المشيئة وأخواتها ، وما بمعناها كالهوية والرؤية تعليقا في الستة ، وهي الأمر ، وأخواته ، وأطلقه فشمل ما إذا كتب الطلاق ، والاستثناء أو كتب الطلاق ، واستثنى بلسانه أو طلق بلسانه ، واستثنى بالكتابة يصح كما في البزازية .
وأشار بإن بدون الواو إلى أنه لو فإنه لا يصح الاستثناء كما في الجوهرة . قال أنت طالق ، وإن شاء الله
ولو قدم المشيئة ، ولم يأت بالفاء صحت المشيئة ، ولا تطلق لكونه إبطالا ، وعليه الفتوى كما في الخانية ، وهو الأصح كما في البزازية معزيا كل منهما إلى ، وقد حكى صاحب المجمع خلافا فيه فقال وإن شاء الله أنت طالق يجعله تعليقا ، وهما تطليقا فأفاد أنه يقع عند أبي يوسف لكونه تعليقا عنده ، والشرط فيه الفاء في الجواب المتأخر فإذا لم يأت به لا يتعلق فينجز ، ولغت المشيئة ، ولا يقع عند أبي يوسف أبي حنيفة لأنه ليس بتعليق هذا ما يقتضيه ما في المتن ، وقرره ومحمد الزيلعي وابن الهمام ، وغيرهما ، وقد خالف شارح المجمع فنسب إلى القائل بالتعليق عدم الوقوع ، وإليهما الوقوع نظرا إلى ما نقله أبي يوسف قاضي خان في هذه المسألة من أن عدم الوقوع قول فالحاصل أن ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا قدم المشيئة ، ولم يأت بالفاء في الجواب ، ويصدق على القول بالوقوع ديانة أنه أراد الاستثناء كما في الجوهرة ، ولو أجاب بالواو فهو استثناء إجماعا . أبي يوسف
وفي الإسبيجابي لا يصح الاستثناء بذكر الواو بالإجماع قال في الجوهرة ، وهو الأظهر ، وتظهر أيضا فيمن حنث على القول بالتعليق لا الإبطال قال في فتح القدير ، وفي فتاوى حلف بالطلاق إن حلف بطلاقها ثم قال أنت طالق إن شاء الله قاضي خان الفتوى على قول إلا أنه عزي إليه الإبطال فتحصل على أن الفتوى على أنه إبطال ا هـ . أبي يوسف
فظاهره أن الفتوى على عدم الوقوع فيما إذا قدم المشيئة ، ولم يأت بالفاء ، وفيما إذا حلف بالطلاق إن حلف بطلاقها ثم حلف مستثنيا ، وليس كذلك لما صرح به قاضي خان بأن الفتوى على عدم الوقوع في الأولى ، وهو قول كما قدمناه ، وصرح في البزازية بأن الفتوى على الوقوع في المسألة الثانية ، وهو قول أبي يوسف . أبي يوسف
وقوله إلا أنه أي قاضي خان عزا إليه أي إلى الإبطال سهوا ، وإنما عزي إليه اليمين ، ولا [ ص: 43 ] بأس بسوق عبارته بتمامها قال ولو قال إن شاء الله أنت طالق لا تطلق في قول أبي يوسف ، وتطلق في قول أبي يوسف ، والفتوى على قول محمد ، وكذا لو قال إن شاء الله ، وأنت طالق ثم اختلف أبي يوسف أبو يوسف أن الطلاق المقرون بالاستثناء في موضع يصح الاستثناء هل يكون يمينا قال ومحمد يكون يمينا حتى لو أبو يوسف حتى يصح الاستثناء حنث في قول قال إن حلفت بطلاقك فعبدي حر ثم قال لها أنت طالق إن شاء الله ، وقال أبي يوسف لا يكون يمينا ، ولا يحنث ، وعلى هذا لو محمد على قول قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار ، وعبده حر إن كلمت فلانا إن شاء الله تعالى ينصرف الاستثناء إلى الطلاق والعتاق جميعا ، وعلى قول محمد ينصرف الاستثناء إلى اليمين الثانية ا هـ . أبي يوسف
فقد ظهر بهذا أن قائل بأنها يمين لا إبطال ، وإن على القول بالتعليق لا يقع الطلاق فيما إذا قدم الشرط ، ولم يأت بالفاء في الجزاء كما في شرح المجمع لا أنه يقع على القول به ، وإن شارح المجمع قد غلط كما توهمه في فتح القدير ، وأن أبا يوسف القائل بعدم الوقوع في الأولى قائل بالوقوع في الثانية ، وأن الفتوى على قوله في المسألتين فتحصل من هذا أن الفتوى على أنه تعليق لا إبطال ، ولكن فيه إشكال ، وهو أن مقتضى التعليق الوقوع عند عدم الفاء لعدم الرابط ، ومما يظهر فيه ثمرة الخلاف ما لو أبا يوسف قال كنت طلقتك أمس إن شاء الله عندهما لا يقع ، وعند يقع كذا في المحيط فثمرة الخلاف تظهر في هذه ، وفيما إذا أخر الجواب ، ولم يأت بالفاء أو أتى بالواو ، وحلف أن لا يحلف أو تعقب جملا ، وقيد بموتها لأنه إذا مات الزوج قبل الاستثناء ، وهو يريده يقع الطلاق ، وتعلم إرادته بأن ذكر لآخر قصده قبل التلفظ بالطلاق . أبي يوسف
والفرق بين موتها وموته أن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون إيجابا ، والموت ينافي الموجب دون المبطل بخلاف موته لأنه لم يتصل به الاستثناء كذا في الهداية ، وفي البزازية لو فالاستثناء ينصرف إلى الأول ، ويقع الثاني عندنا خلافا قال أنت طالق إن شاء الله أنت طالق فإنه ينصرف إليهما عنده ، ولا يقع شيء ، وكذا لو لزفر وقعت واحدة في الحال ، وينبغي أن يكون المفتى به قول قال أنت طالق ثلاثا إن شاء الله أنت طالق لأن إن شاء الله صالح لتعليق الطلاق الأول اتفاقا ، ولتعليق الأخير أيضا ، وإن لم تكن الفاء فيه لما تقدم أن عند زفر إذا قدم الشرط ، وأخر الجزاء ، ولم يأت بالفاء لا يقع شيء ، وعليه الفتوى . أبي يوسف
وأشار بقوله إن شاء الله إلى أنه لو لا يقع شيء فأفاد أنه لو قال أنت طالق إن لم يشأ الله لا يقع شيء أما في الأول فللاستثناء ، وأما في الثاني فلأنا لو أوقعناه علمنا أن الله تعالى شاء لأن الوقوع دليل [ ص: 44 ] المشيئة لأن كل واقع بمشيئة الله تعالى ، وهو علق في الثاني بعدم مشيئة الله تعالى لا بمشيئته جل وعلا فيبطل الإيقاع ضرورة . قال أنت طالق واحدة إن شاء الله ، وأنت طالق ثنتين إن لم يشأ الله
ولو طلقت ثنتين لأن وقوع ثنتين تعلق بعدم مشيئة الله تعالى الواحدة في اليوم ، وبمضيه بلا طلاق وجد الشرط ثم اعلم أن مذهبنا كما قدمناه عدم الوقوع في المعلق بالمشيئة نواه ، وعلم معناه أو لا ، وعند قال أنت طالق اليوم واحدة إن شاء الله ، وإن لم يشأ فثنتين فمضى اليوم ، ولم يطلقها يقع مطلقا ، وعند مالك إن نواه ، وعلمه لا يقع ، وإلا يقع ، وعند الشافعي المعتزلة كما في البزازية إن كان يمسكها بمعروف لا يقع الطلاق ، وإن كان يسيء معاشرتها يقع لأن الطلاق في الأول حرام ، والقبائح لا تعلق لها بمشيئة الله تعالى ، وفي الثاني واجب ، وبه تتعلق مشيئته تعالى ، وإن كان لا يحسن ولا يضر فالطلاق مباح ، وهل يتعلق بالمباح مشيئة الله تعالى ففيه خلاف بين المعتزلة . ا هـ .
وقيد بقوله إن شاء الله لأنه لو فإنها تطلق رجعية كما في الخلاصة ، وقدمناه ، وفي المحيط ، ولو حرك لسانه بالاستثناء يصح ، وإن لم يكن مسموعا عند قال أنت طالق كيف شاء الله ، وعند الكرخي الهندواني لا يصح ما لم يكن مسموعا على ما مر في الصلاة ا هـ .
[ ص: 40 ]