الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وواجبها قراءة الفاتحة ) وقالت الأئمة الثلاثة إنها فرض لما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } ولنا قوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } وما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم { إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } فقد أمر الله ورسوله بقراءة القرآن مطلقا ووافق نص الكتاب القطعي نص السنة فلا يجوز تقييد نص الكتاب القطعي بما رواه من السنة مع ما فيه من كونه ظني الثبوت والدلالة أو ظني الثبوت فقط بناء على أن النفي متسلط على الصحة ; لأن تقييد إطلاق نص الكتاب بخبر الواحد نسخ له وخبر الواحد لا يصلح ناسخا للقطعي بل يوجب العمل به ، وأيضا ثبت عنه المواظبة على قراءة الفاتحة فيها ، ولم يقم دليل على تعيينها للفرضية ، والمواظبة وحدها كذلك من غير ترك ظاهرا تفيد الوجوب فلا تفسد الصلاة بتركها عامدا أو ساهيا بل يجب عليه سجود السهو جبرا للنقصان الحاصل بتركها سهوا ، والإعادة في العمد والسهو إذا لم يسجد لتكون مؤداة على وجه لا نقص فيه فإذا لم يعدها كانت مؤداة أداء مكروها كراهة تحريم ، وهذا هو الحكم في كل واجب تركه عامدا أو ساهيا ، وبهذا ظهر ضعف ما في المجتبى من قوله : قال أصحابنا إذا ترك الفاتحة في الصلاة يؤمر بإعادة الصلاة ، ولو ترك قراءة السورة لا يؤمر بالإعادة ا هـ .

                                                                                        إذ لا فرق بين واجب وواجب إلا أن يقال إنه ترك السورة وقرأ ثلاث آيات ، وهو بعيد جدا ، ثم اعلم ، أنهم قالوا في باب سجود السهو إنه لو ترك أكثر الفاتحة يجب عليه سجود السهو ، ولو ترك أقلها لا يجب ، وظاهره أن الفاتحة بتمامها ليست بواجبة ، وإنما الواجب أكثرها ولا يعرى عن تأمل ، وفي القنية يخاف المصلي فوت الوقت إن قرأ الفاتحة والسورة يجوز أن يقرأ في كل ركعة بآية في جميع الصلوات إن خاف فوت الوقت بالزيادة ا هـ .

                                                                                        ثم الفاتحة واجبة في الأوليين من الفرض ، وفي جميع ركعات النفل ، وفي الوتر والعيدين ، وأما في الأخريين من الفرض فسنة كما سيأتي ( قوله وضم سورة ) وعند الأئمة الثلاثة سنة ، ولنا رواية الترمذي مرفوعا { لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها } أطلق السورة وأراد بها ثلاث آيات ; لأن أقل سورة في كتاب الله تعالى ثلاث آيات قصار كسورة { إنا أعطيناك الكوثر } ولم يرد السورة بتمامها بدليل ما سيأتي صريحا في [ ص: 313 ] كلامه وهذا الضم واجب في الأوليين من الفرض ، وفي جميع ركعات النفل والوتر كالفاتحة ، وأما في الأخريين من الفرض فليس بواجب ولا سنة بل هو مشروع فلو ضم السورة إلى الفاتحة في الأخريين لا يكون مكروها كما نقله في غاية البيان عن فخر الإسلام وسيأتي بأوضح من هذا إن شاء الله تعالى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ثم اعلم أنهم قالوا إلخ ) قال الشيخ علاء الدين في شرح التنوير لكن في المجتبى يسجد بترك آية منها هو أولى ، قلت : وعليه فكل آية واجب . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وظاهره أن الفاتحة بتمامها إلخ ) قال في المنح أقول : لا يدل ظاهره على ما ذكر لأن إيجاب السجود إنما هو بتركها ، وهو إذا ترك أكثرها فقد تركها حكما لأن للأكثر حكم الكل فيجب عليه السجود ، وأما إذا ترك أقلها فلا يكون تاركا لها حقيقة ولا حكما ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى عليك أن ما ذكره إنما هو وجه للفرق بين ترك الأكثر والأقل ولا نزاع فيه إذ فيه تسليم أن ترك الأقل لا يوجب سجود السهو ، وهو ظاهر فيما قاله .




                                                                                        الخدمات العلمية