( قوله ) يعني فيفترش رجله اليسرى فيجلس عليها وينصب اليمنى كما قدمناه ، وهو احتراز عن قول والقعود الثاني كالأول مالك من أنه يتورك فيها ، وفي خزانة الفقه والشافعي وأكثر ما يقع لأبي الليث ، وهو أن يدرك الإمام في التشهد الأول من صلاة المغرب ، ثم يتشهد معه الثانية وعلى الإمام سهو فيسجد معه ويتشهد الثالثة ، ثم يتذكر الإمام أن عليه سجدة تلاوة فيسجد ويتشهد معه الرابعة ، ثم يسجد الإمام لهذا السهو ويتشهد معه الخامسة ، ثم إذا سلم الإمام قام المأموم وصلى ركعة وتشهد السادسة ، ثم صلى ركعة أخرى وتشهد السابعة ، وقد كان سها فيما يقضي فسجد للسهو وتشهد الثامنة ، ثم تذكر أنه قرأ آية سجدة فيما يقضي فسجد وتشهد التاسعة ، ثم سجد لهذا السهو وتشهد العاشرة ا هـ . التشهد في الصلاة الواحدة عشر مرات
مراده من التشهد بعد سجود التلاوة تشهد الصلاة في القعدة الأخيرة ; لأن العود إلى سجود التلاوة يرفع القعدة كما لا يخفى وحينئذ يعيده ويعيد سجود السهو لبطلانه بالعود إلى سجود التلاوة
( قوله وتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وقد قدمنا أن التشهد واجب وأن الصلاة سنة وقدمنا دليل السنية وأن موجب الأمر في الآية إنما هو الافتراض في العمر مرة ; لأنه لا يقتضي التكرار وهذا بلا خلاف ، وإنما وقع الخلاف بين الطحاوي في وجوبها كلما سمع ذكره من غيره أو من نفسه الموجب للتفسيق بالترك لا في الافتراض فاختار والكرخي تكرار الوجوب وصححه في التحفة والمحيط واختلف على قوله أنه لو تكرر في مجلس واحد هل يتداخل الوجوب فيكفيه صلاة واحدة أو يتكرر الوجوب من غير تداخل ؟ صحح في الكافي من باب سجود التلاوة الأول وأن الزائد ندب ، وكذا التشميت وصحح في المجتبى الثاني وفرق بينه وبين تكرار ذكر الله تعالى في مجلس حيث يكفي ثناء واحد . الطحاوي
قال ولو تركه لا يبقى عليه دينا ، بخلاف الصلاة فإنها تصير دينا بأن كل وقت أداء للثناء ; لأنه لا يخلو عن تجدد نعم الله تعالى عليه الموجبة للثناء فلا يكون وقتا للقضاء كالفاتحة في الأخريين ، بخلاف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الفرق ليس بظاهر ; لأن جميع الأوقات ، وإن كانت وقتا للأداء لكن ليس مطالبا بالأداء ; لأنه رخص له في الترك فيمكن أن يكون سماعه لاسم الله تعالى سببا في الوجوب كالصلاة واختار استحباب التكرار ورجحه الكرخي شمس الأئمة السرخسي وقدح في قول بأنه مخالف للإجماع ، فإن تم نقل [ ص: 347 ] الإجماع على الاستحباب ترجح وإلا فالأولى قول الطحاوي للأحاديث الواردة فيها من الدعاء ، بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء لمن لم يصل عليه إذا ذكر عنده فإن الوعيد في مثل هذه الأمور على الترك من علامات الوجوب ، ولعل الطحاوي السرخسي ظن أن قائل بالافتراض فرده الطحاوي
وقد علمت أنه إنما قال بالوجوب المصطلح عليه عندنا لما أن مستنده خبر واحد وبهذا ظهر أن الصلاة تكون فرضا وواجبا وسنة ومستحبة ومكروهة ، فالأول في العمر مرة ، والثاني كلما ذكر على الصحيح ، والثالث في الصلاة ، والرابع في جميع أوقات الإمكان والخامس في الصلاة في غير التشهد في القعود الأخير ، وظهر بما قررناه أن قول الحاوي القدسي ، وقال بعضهم : إنها فرض عند سماع اسمه كل مرة وهذا أصح ا هـ .
محمول على الواجب كما قدمنا ويمكن أن تكون الصلاة حراما كما صرحوا به في الحظر والإباحة في مسألة ما إذا فتح التاجر متاعه وصلى ، وكذا في الفقاعي ، وفي المجتبى معزيا إلى خزانة الأكمل أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على نفسه ، ثم في اختلاف ، والذي صرح به ضابط المذهب كيفيتها في الصلاة وخارجها على ما نقله الشارح وغيره { محمد بن الحسن محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد } من غير ذكر " في العالمين " وأخرجه اللهم صل على حديثا مرفوعا ، ونقل في الذخيرة عن البيهقي الصلاة المذكورة مع تكرار إنك حميد مجيد ، وهو كذلك في صحيح محمد البخاري
وفي إفصاح ابن هبيرة عن ذكر الصلاة المنقولة عنه مع زيادة " في العالمين " وهي ثابتة في رواية محمد بن الحسن ابن مسعود الأنصاري عند مالك ومسلم وأبي داود وغيرهم فما في السراج الوهاج معزيا إلى منية المصلي من أنه لا يأتي بها ضعيف ومعنى الصلاة الرحمة وإنما كرر حرف الجر في الآل للإشارة إلى تراخي رتبة آله عنه ، واختلف فيهم : فالأكثرون على أنهم قرابته الذين حرمت الصدقة عليهم وصححه بعضهم واختار النووي أنهم جميع الأمة ، والتشبيه .
[ ص: 348 ] في قوله كما صليت إما راجع لآل محمد وإما لأن المشبه به لا يلزم أن يكون أعلى من المشبه أو مساويا بل قد يكون أدنى مثل قوله تعالى { مثل نوره كمشكاة } وسبب وقوعه كون المشبه به مشهورا فهو من باب إلحاق غير المشهور بالمشهور لا الناقص بالكامل والواقع أن القدر الحاصل للنبي صلى الله عليه وسلم وآله أزيد مما حصل لغيره والنكتة في تخصيص سيدنا إبراهيم دون غيره من الأنبياء إما لسلامه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء دون غيره من الأنبياء أو لدعائه بقوله : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ، أو لأنه سمانا المسلمين وسماه الله أبا للمسلمين وحسن الختم ب " إنك " حميد مجيد ; لأن الداعي يشرع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب للمطلوب كما علم من الآيات والأحاديث ، والصلاة والتبريك عليه يشتمل على الحمد والمجد لاشتمالها على ثناء الله وتكريمه ورفع الذكر له فكأن المصلي يطلب من الله أن يزيده في حمده ومجده فناسب أن يختم بهذين الاسمين والحكمة في أن العبد يسأل الله تعالى أن يصلي ولا يصلي بنفسه مع أنه مأمور بالصلاة : قصوره عن القيام بهذا الحق كما ينبغي ، فالمراد من الصلاة في الآية سؤالها فالمصلي في الحقيقة هو الله تعالى ونسبتها إلى العبد مجاز ، وفي منية المصلي وروي عن بعض المشايخ أنه قال : ولا يقول ارحم وأكثر المشايخ على أنه يقوله للتوارث ا هـ . محمدا
قال السرخسي لا بأس به ; لأن الأثر ورد به من طريق أبي هريرة ولأن أحدا وإن جل قدره لا يستغني عن رحمة الله تعالى وصححه الشارح ومحل الخلاف في الجواز وعدمه إنما هو فيما يقال مضموما إلى الصلاة والسلام كما أفاد وابن عباس شيخ الإسلام ابن حجر فلذا اتفقوا على أنه لا يقال ابتداء رحمة الله ، ومن العجيب ما وقع في فتاوى قاضي خان في آخر باب الوتر والتراويح حيث قال : وإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت قالوا لا يصلي في القعدة الأخيرة ، وكذا لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى ساهيا لا يصلي في القعدة الأخيرة ا هـ .
وكان وجهه أن الصلاة عليه في الصلاة لا تتكرر فإذا أتى بها مرة ، ولو في غير موضعها لا تعاد لكن هذا في الثاني ممكن ، وأما في القنوت فالصلاة آخره مشروعة كما سيأتي فالحق خلافه ، وأعجب من هذا ما في المجتبى : من أنه إذا شرع في التشهد ولم يتمه لا تصح صلاته عند [ ص: 349 ] ; لأنه صار فرضا عليه بالشروع ، وإن كان ظاهر المذهب الصحة وعندي في صحته عن محمد بعد ; لأنه يلزمه في كل واجب شرع فيه ولم يتمه كالفاتحة ، وأطلق محمد المصنف التشهد والصلاة فشمل المسبوق ولا خلاف أنه في التشهد كغيره
وأما في الصلاة والدعاء فاختلفوا على أربعة أقوال اختار تكرار التشهد ابن شجاع السكوت وصحح وأبو بكر الرازي قاضي خان في فتاويه أنه يترسل في التشهد حتى يفرغ منه عند سلام الإمام ، وصحح صاحب المبسوط أنه يأتي بالصلاة والدعاء متابعة للإمام ; لأن المصلي لا يشتغل بالدعاء في خلال الصلاة لما فيه من تأخير الأركان وهذا المعنى لا يوجد هنا ; لأنه لا يمكنه أن يقوم قبل سلام الإمام وينبغي الإفتاء بما في الفتاوى كما لا يخفى ، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد قرأ ، وإن أحدث الإمام لم يقرأ ; لأن الكلام بمنزلة السلام والإمام إذا سلم والمقتدي لم يقرأ التشهد يقرأ ; لأنه يجوز أن يبقى المقتدي في حرمة الصلاة بعد سلام الإمام ولا يجوز أن يبقى بعد حدث الإمام عمدا . الإمام إذا تكلم والمقتدي بعد لم يقرأ التشهد
[ ص: 346 ]