( قوله وجهر بقراءة الفجر وأولى العشاءين ، ولو قضاء والجمعة والعيدين ويسر في غيرها كمتنفل بالنهار وخير المنفرد فيما يجهر كمتنفل بالليل ) شروع في بيان القراءة وصفتها وقدم صفتها من ; لأنه يعم المفروض وغيره والأصل فيه كما ذكره الجهر والإخفاء المصنف في الكافي أن النبي صلى الله عليه وسلم { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } } أي لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها { كان يجهر بالقرآن في الصلوات كلها في الابتداء وكان المشركون يؤذونه ويسبون من أنزل وأنزل عليه فأنزل الله تعالى { وابتغ بين ذلك سبيلا } بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار فكان يخافت بعد ذلك في صلاة الظهر والعصر ; لأنهم كانوا مستعدين للإيذاء في هذين الوقتين ويجهر في المغرب ; لأنهم كانوا مشغولين بالأكل ، وفي العشاء والفجر لكونهم رقودا ، وفي الجمعة والعيدين ; لأنه أقامهما بالمدينة وما كان للكفار بها قوة ، وهذا العذر وإن زال بغلبة المسلمين فالحكم باق ; لأن بقاءه يستغني عن بقاء السبب ولأنه أخلف عذرا آخر ، وهو كثرة اشتغال الناس في هاتين الصلاتين دون غيرهما ا هـ .
وقد انعقد الإجماع على الجهر فيما ذكره ، وقد قدمنا أن الجهر في هذه المواضع واجب على الإمام للمواظبة من النبي صلى الله عليه وسلم وتخصيصه بالإمام مفهوم من قوله هنا : وخير المنفرد فيما يجهر ، فأفاد أن الإمام ليس بمخير قالوا : ولا يجهد الإمام نفسه بالجهر ، وفي السراج الوهاج : الإمام إذا جهر فوق حاجة الناس فقد أساء ، وأفاد أنه لا فرق في حق الإمام بين الأداء والقضاء ; لأن القضاء يحكي الأداء ، وألحق بالجمعة والعيدين التراويح والوتر في رمضان للتوارث المنقول ، والمراد بغيرهما الثالثة من المغرب والأخريان من العشاء وجميع ركعات الظهر والعصر ، وقد أفاد أن المتنفل بالنهار يجب عليه الإخفاء مطلقا والمتنفل بالليل مخير بين الجهر والإخفاء إن كان منفردا
أما إن كان إماما فالجهر واجب كما ذكره الشارح رحمه الله وأن المنفرد ليس بمخير في الصلاة السرية بل يجب الإخفاء عليه ، وهو الصحيح ; لأن الإمام يجب عليه الإخفاء فالمنفرد أولى وذكر عصام بن يوسف أن المنفرد مخير فيما يخافت فيه أيضا استدلالا بعدم وجوب سجود السهو عليه وتعقبه الشارح بأن الإمام إنما وجب عليه سجود السهو ; لأن جنايته أعظم ; لأنه ارتكب الجهر والإسماع بخلاف المنفرد وتعقبه في فتح القدير بأنا لا ننكر أن واجبا قد يكون آكد من واجب لكن لما لم ينط وجوب السهو إلا بترك الواجب لا بآكد الواجب ولا برتبة مخصوصة منه فحيث كانت المخافتة واجبة على المنفرد ينبغي أن يجب بتركها السجود ، وفي العناية أن ظاهر الرواية أن المنفرد مخير فيما يخافت فيه أيضا ، وفيه تأمل والظاهر من المذهب الوجوب ، وفي قوله : فيما يجهر دلالة على أن المنفرد مخير في الصلاة [ ص: 356 ] الجهرية إذا فاتت وقضاها نهارا كما هو حكم الإمام ; لأن القضاء يحكي الأداء ، والجهر أفضل ، وصححه في الذخيرة والخانية واختاره شمس الأئمة في المبسوط وفخر الإسلام وصحح في الهداية الإخفاء حتما ; لأن الجهر مختص إما بالجماعة حتما أو بالوقت في حق المنفرد على وجه التخيير ولم يوجد أحدهما ، وتعقبه في غاية البيان بأن الحكم يجوز أن يكون معلولا بعلل شتى وعلة الجهر هنا أن القضاء يحكي الأداء بدليل أنه يؤذن ويقيم للقضاء كالأداء
وفي السراج الوهاج ، ولو كان بالخيار إن شاء الجهر ، وإن شاء خافت سبق رجل يوم الجمعة بركعة ، ثم قام لقضاء ما فاته ، وفي الخلاصة عن الأصل : كالمنفرد في صلاة الفجر يقرأ الفاتحة ثانيا ويجهر ا هـ . رجل يصلي وحده فجاء رجل واقتدى به بعد ما قرأ الفاتحة أو بعضها
يعني إذا كانت الصلاة جهرية ولم يجهر المصلي ، ووجهه : أن الجهر فيما بقي صار واجبا بالاقتداء والجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع ، وقيد المصنف بالقراءة ; لأن ما عداها من الأذكار فيه تفصيل إن كان ذكرا وجب للصلاة فإنه يجهر به كتكبيرة الافتتاح وما ليس بفرض فما وضع للعلامة فإنه يجهر به كتكبيرات الانتقال عند كل خفض ورفع إذا كان إماما أما المنفرد والمقتدي فلا يجهران به ، وإن كان يختص ببعض الصلاة كتكبيرات العيدين جهر به ، وكذا القنوت في مذهب العراقيين واختار صاحب الهداية الإخفاء به
وأما ما سوى ذلك فلا يجهر به مثل التشهد وآمين والتسبيحات ; لأنها أذكار لا يقصد بها العلامة كذا في السراج الوهاج ولم يبين المصنف حد الجهر والأخفاء للاختلاف مع اختلاف التصحيح فذهب إلى أن أدنى الجهر أن يسمع نفسه وأدنى المخافتة تصحيح الحروف ، وفي البدائع : ما قاله الكرخي أقيس وأصح ، وفي كتاب الصلاة الكرخي إشارة إليه فإنه قال : إن شاء قرأ في نفسه ، وإن شاء جهر وأسمع نفسه ا هـ . لمحمد
وأكثر المشايخ على أن الصحيح أن الجهر أن يسمع غيره والمخافتة أن يسمع نفسه ، وهو قول الهندواني ، وكذا كل ما يتعلق بالنطق كالتسمية على الذبيحة ووجوب السجدة بالتلاوة والعتاق والطلاق والاستثناء حتى لو طلق ولم يسمع نفسه لا يقع ، وإن صحح الحروف ، وفي الخلاصة لا يكون جهرا والجهر أن يسمع الكل ا هـ الإمام إذا قرأ في صلاة المخافتة بحيث سمع رجل أو رجلان
وفي فتح القدير : واعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام والكلام بالحروف والحروف كيفية تعرض للصوت ، وهو أخص من النفس فإن النفس المعروض بالقرع فالحرف عارض للصوت لا للنفس فمجرد تصحيحها بلا صوت [ ص: 357 ] إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف فلا كلام . بقي أن هذا لا يقتضي أن يلزم في مفهوم القراءة أن يصل إلى السمع بل كونه بحيث يسمع ، وهو قول ولعله المراد بقول بشر المريسي الهندواني بناء على أن الظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم يكن مانع ا هـ .
فاختار أن قول بشر والهندواني متحدان ، وهو خلاف الظاهر بل الظاهر من عباراتهم أن في المسألة ثلاثة أقوال قال : إن القراءة تصحيح الحروف ، وإن لم يكن الصوت بحيث يسمع ، وقال الكرخي بشر لا بد أن يكون بحيث يسمع ، وقال الهندواني لا بد أن يكون مسموعا له ، زاد في المجتبى في النقل عن الهندواني أنه لا يجزئه ما لم يسمع أذناه ومن بقربه ا هـ .
ونقل في الذخيرة عن الحلواني أن الأصح هذا ، ولا ينبغي أن يجعل قولا رابعا بل هو قول الهندواني الأول ، وفي العادة أن ما كان مسموعا له يكون لمن هو بقربه أيضا ، وفي الذخيرة معزيا إلى القاضي علاء الدين في شرح مختلفاته أن الأصح عندي أن في بعض التصرفات يكتفى بسماعه ، وفي بعض التصرفات يشترط سماع غيره ، مثلا في البيع لو أدنى المشتري صماخه إلى فم البائع وسمع يكفي ، ولو سمع البائع بنفسه ولم يسمعه المشتري لا يكفي ، وفيما إذا حلف : لا يكلم فلانا فناداه من بعيد بحيث لا يسمع لا يحنث في يمينه نص على هذا في كتاب الإيمان ; لأن شرط الحنث وجود الكلام معه ولم يوجد . ا هـ . .
[ ص: 355 ]